معجم المصطلحات الكبير
تَجشُّر
الحتاكة

يُعرّف التجشّر في مفهومه العام بمجموع العمليات التي تؤثّر على رُسابة وتُحوِّلها تدريجيا إلى صخر رُسابي متماسك وصلب، وبعبارة أخرى هو التغيّرات الطبيعية التي تحدث للرسابة من لحظة توضّعها النهائي إلى دخولها في نظام التخمّم أو التغمّل، ويضمّ التجشّر التحوّلات الرِّهاصية، والتأوّسية métasomatique والحَرْماوية، التي تحدث للصخر خلال تأثير العوامل الخارجية المحضة التي تميِّز مَحاط التكوين أو مَحاط الاندفان، وتظلّ هذه التغيّرات مرتبطة بالتجشّر ما لم تَزُل عن الصخر المتكوِّن (سواء كان رَهِيشا أو متصلّبا) تأثير مَحاط ترسّبه أو اندفانه، بفعل العوامل التي لم تكن سارية المفعول خلال الترسّب أو في البيئة الترسّبية أو الاندفانية. وتجدر الإشارة إلى أنّ الحدود الفاصلة بين مجالات تطوّر الصخور تظلّ مُبهمة جدّا، ويصبح من العسير على سبيل المثال التمييز بين التجوية والتجشّر المتأخّر لتخمّم حَرْماوي وليد anchizone، بالقرب من هذه الحدود.

 

200.jpg

 

الحدود الثلاثة للتجشّر (G. Dunoyer de Segonzac, 1969). 1- أين يبدأ التجشّر؟ مشكلة التفاعل بين المَحاط والتجشّر. 2- الحدّ بين التجشّر والتخمّم، مشكلة التخمّم الوليد. 3- الحدّ بين التجشّر والتغمّل السطحي، مشكلة التجشّر المتراجع.

 

هناك تعريف آخر يصف التجشّر بأنّه التغيّرات الريزيائية والكيميائية التي تَعْرُض للرسابة قبل التصخّر lithification وأثناءه، وتتوقّف الظواهر التجشّرية عندما تتليّط مكوّنات الرُّسابة تليُّطا تامّا. هذا التعريف معتمد على الخصوص عند الحِتاكيين الروس، وكما هو معلوم فإنّ التليّط التامّ للصخر ليس لِزاما، فقد يكون جزئيا في أوّل الأمر ثمّ يكتسبه الصخر في المراحل التالية، فالتليّط المبكّر لبعض الأجزاء الصخرية، يحفظ للصخر مسامية عالية تكون مناسبة لسريان المحاليل الكيميائية، كما أنّ الموادّ المنحلّة والموادّ المتثفِّلة ظواهر تُسهم في استكمال عملية التصخّر، ثمّ إنّ الصخور المُرَضَّمة roches construites التي تتميّز بالصلابة والتليّط من بداية تكوّنها يمكن لها أن تشهد أيضا تطوّرا من هذا القبيل. بالنسبة للبعض فإنّ التجشّر يضمّ أيضا الحَبَض bioturbation وبعض التغيّرات المرتبطة بالعوامل الحِياوية والقينيائية زيادة على التغيّرات الريكيائية، إلاّ أنّ الِحتاكيين اليوم مجمعون تقريبا على أنّ الحبض ليس من التجشّر، إنّما فقط تلك العمليات الريكيائية التي تؤدّي إلى التغيّرات النَّسْجِية والمعدنية في الرُّسابات. أمّا التغيّرات التي تحدثها العمليات التجشّرية، فيمكن تقسيمها إلى خمس مجموعات أساسية من الظواهر:

1- التليُّط cimentation : يرتبط بتثفّل précipitation المادّة المعدنية مباشرة على الرُّسابة المستقرّة، مؤدّيا في الوقت نفسه إلى تشكّل البلّورات ثمّ نموّها، مما ينتج عنه الكَبْس التدريجي للفراغات والثقوب الموجودة وامتلائها. إنّ التحام البلورات يحوّل الرسابة إلى صخر، وهذا ما يُعْرف بتصخّر الكتلة lithification de la masse.

2- الانحلال dissolution : والمراد بهذا هو انحلال الرُّسابة أو أحد أطوارها التجشّرية السابقة، وينتج عنه زيادة المسامية، مع نقصان في الكتلة الذي يمكن أن يؤثّر على الجسيمات الصغيرة، والتي تترك فراغات يتراوح قطرها بين مِئقاس ومِبْقاس. أمّا في اللَّجَف karst فإنّ هذا النقصان يكون على نطاق واسع جدّا.

3- التبلُّر recristallisation : يؤدّي إلى تغيّر في بِلّورية cristallinité الكتلة السابقة من دون حدوث معادن جديدة، مثل: زيادة أحجام البلورات في الكتلة التي كانت متبلورة أساسا بواسطة التلاحم، والتبلّر في هذه الحال مترادف للاستجدادية néophormisme.

4- الاستبدال remplacement : الذي لا يدلّ على التغيّر الذي يصيب الطور البلوري فحسب، بل يتعدّى إلى التغيّرات التي تلحق المعادن السابقة أيضا والمكوِّنة للرسابة، ومثال عن ذلك: ما يُعرف بالتضبّد الثانوي dolomitisation secondaire الذي يحدث للعناصر من دون تغيّر في شكلها.

5- تَردُّؤ المادّة العضوية dégradation de la matière organique : داخل الرواسب، يقوم النشاط الحِياوي للعضاوات الهوائية المختلفة ثم الغَوائية (غير هوائية)، بتحويل الموادّ العضوية إلى مركبات أبسط (س.ها4، هاس.ك-3، س.كا2). بالإضافة إلى هذا، يمكن إعادة تدوير بعض منتجات التحلّل في عمليات أخرى على سبيل المثال: اختزال الكَوْبرات (س.ها2ك+ كرك4-2= ها2كر+ 2هاس.ك3-2) الذي ينتج الأكبار ها2كر، والتي يمكن أن تستعمل في تكوين الشَّبَهان pyrite.

يمكن إجمال مراحل التجشّر في الصخور الكُثاحية أي الحُتاتية détritiques العُفارية terrigènes فيما يلي:

1- في بيئة اندفانية مُبكِّرة، أي خلال التضامم أو الرَّوْصصة compaction الأوّلية وخروج السوائل المتشرَّبة، وقبل التصخّر، هناك على الخصوص تفاعلات التذرّب والاختزال، وفيها يأخذ الصخر لونه الدائم، فبمجرّد أن تؤدّي التفاعلات الداخلية إلى ظهور الحديد المتذرِّب أو المختزل، يصبح من الصعب جدّا قلب التوازن خلال التاريخ اللاحق للصخر. التغيّرات اللونية المتأخّرة شائعة إلاّ أنّها غير منتظمة. تُسمّى هذه المرحلة بالشَّكْوَلة، وتُعرف أيضا بالذَّرْخَزة أو مرحلة التذرّب والاختزال. stade redoxomorphique.

2- مرحلة أخرى متقدّمة تتميّز بترسّب المادّة المعدنية بين الفراغات وتحلّ أيضا محلّ المعادن الحُتاتية: هذا هو زمن التليّط الأوّلي cimentation primaire وزيادة التماسك. غالبا ما نشاهد استبدال الطُّفال البَيْنوي argile interstitielle بالخَلْقد calcédoine، والكُلاس calcite بالقُساس sédirite، والخُراز بالكُلاس، الخ. هذه المرحلة هي الشَّكْثَنَة، وتعرف أيضا بمرحلة التليّط أو التلاحم stade locomorphique.

3- مراحل الاندفان المتأخّر، تتميّز بتغيّر الطُّفال (المعادن الغَضارية) ليؤدّي ذلك إلى تشكّل الكَوْثبات المتورّقة أو الصفيحية phyllosilicates، وتُسمّى هذه المرحلة بالشكثلة stade phyllomorphique. تنمو خلالها بعض المعادن بالاستبلاد authigenèse كالمُهاق، والخُراز...، كما يمكن في مرحلة الشكثلة المتقدّمة الوصول إلى سحنة التخمّم العُثامية من دون معرفة الحدود الفاصلة بين التخمّم والتجشّر.

 

602.jpg 

الأطوار الأربعة للتجشّر، والعمليات التجشّرية الأساسية.

تعليق

التجشّر من قولهم جَشِر الساحل جَشَرا خشن طينه ويبس كالحجر، والجشر هو الحصى والصَّدَف يلتزق بعضه ببعض ويتليّط فتتكوّن منه الحجارة. الشَّكْوَلة مصطلح منحوت من شكل وأوّل بمعنى الشكل الأوّل، الذَّرْخَزة مصطلح منحوت من تذرّب واختزال، الشَّكْثَنة من شكل وثان، بمعنى الشكل الثاني، الشَّكْثَلة من شكل وثالث بمعنى الشكل الثالث، وذلك كلّه على الترتيب المتصاعد في درجة التجشّر. الاندفان enfouissement.

مترادف

تغيّر المابَعْدي

مصطلح مرغوب عنه بشدّة، ومُحرّج على استعماله.

لغة كلزية

diagenesis
لغة فرنسية

diagenèse
مراجع

  • Sédimentation et diagenèse des carbonates néritiques récents: les éléments de la sédimentation et de la diagenèse, par: B.H. Purser. Tome 1, 1980. Éditions TECHNIP, Paris, France.
  • Les roches sédimentaires : étude microscopique des roches meubles et consolidées, par G. Lucas-P. Cros-J. Lang. Doin, 1976. Pais, France