شرح العَوْجَم (الوحدة المعجمية) وتفسيره، وبيان دلالته، وَفْق ما هو معروف في استعماله الشائع، وهو التعريف الذي يجده المرء في المعجم، ومن المتوقّع في شأنّه أن يكون واضحا لا لبس فيه ولا غموض، وينقل أكبر قدر ممكن من المعلومات من دون زيادة أو نقصان. يُعتبر التعريف المعجمي، أحد العناصر الأساسية التي تدخل في صناعة المعجم، مع عنصرين آخرين، هما: التسمانية، والترتيب. إذا يُعتبر أبرز مطلب لمستعملي المعجمات، ويمثّل لصُنّاع المعجمات صعوبة كبيرة، لأسباب كثير، منها: (1) تعدّد الآراء حول المراد بالمعنى، وأنواعه؛ (2) سرعة التطوّر والتغير في معاني الألفاظ قياسا لما يحدث في الألفاظ نفسها؛ (3) استعمال الظواهر اللسانية في تفسير المعنى، كالتوسّع الدلالي أو التخصّص، واكتساب المعاني الهامشية، والاستعمالات المجازية، وغيرها؛ (4) يتوقّف جزء من المعنى على تحديد مستوى ورود اللفظ في الاستعمال، ممّا يتطلّب تحديد المستوى الاجتماعي الذي ينتمي إليه اللفظ، والرقعة الإراضية التي يشيع فيها وينتشر؛ (5) يُكتسب جزء من المعنى عن طريق التصاحب اللغوي، سواء أجاء هذا التصاحب نتيجة ارتباط خارجي لا يُغيّر شيئا من اللفظين المتصاحبين، أم نتيجة ارتباط عضوي داخلي يؤدّي إلى اكتساب اللفظين معنى جديدا زائدا على معنييهما منفردين.
وضع العِجاميون وعلماء اللغة بعض الضوابط والشروط العامّة، التي ينبغي لصنّاع المعجمات الالتزام بها، من أهّم هذه الشروط: (1) الاختصار والإيجاز، فلا ينبغي للتعريفات العجامية أن تكون مسهبة إلاّ لضرورة، ولا يستعمل من الشرح إلاّ ما لا يمكن الاستغناء عنه؛ (2) السهولة مع الوضوح، فلا يفسّر اللفظ الغامض بما هو غامض أو بما هو أغمض منه، أو تعريف اللفظ العربي بالأعجمي، مثل: المِجْهر هو الميكروسكوب؛ (3) أن لا يُحال التعريف في شرحه على غير ذي محلّ، وهو أن يُشرح لفظ بآخر غير وارد ضمن التسمانية التي هي قائمة الألفاظ في المعجم نفسه، مثال ذلك الكبّاحة: «آلة الفرملة»، والفرملة نفسها لا تذكر في المعجم، ولا ترد في التسمانية؛ (4) وجوب ضبط الألفاظ بالشكل الذي يزيل عنها الإبهام والالتباس؛ (5) تجنّب التعريف بالدور، كتعريف المِبْضع بالمِشْرَط، والمشرط بالمبضع. (6) مراعاة النوع الكلامي للكلمة المعرّفة، فتعريف الاسم يبدأ باسم، والوصف بوصف، وهكذا على هذا النحو، مثل: الأكلف لون بين السواد والحمرة، والصواب، الأكلف ما كان لونه بين السواد والحمرة، والكُلْفة لون بين السواد والحمرة؛ (7) ينبغي الإشارة إلى الشكل الخارجي، والوظيفة، والخصائص المميِّزة في تعريف الأشياء المادّية، والتي يعتبرها المتكلّمون خصائص أساسية؛ (8) ترتيب المعاني الأصلية قبل المعاني المجازية.
يأتي التعريف في مقدّمة الأمور التي يهتمّ بها العِجاميون، فقرارات العِجامي تتوقّف على الطريقة التي يتعامل بها مع معنى معجمه، وقد سلك العِجاميون، قديما وحديثا، طرائق عدّة في شرح المعنى المعجمي وتحديده، ومن أبرز هذه الطرائق أو المحدّدات، ما يلي:
(1) التعريف بالترادف : هو التعريف الذي يسمح باستحضار معنى كلمة من خلال اقتراح كلمة أخرى تناظرها في دلالتها، أي تحمل المعنى نفسه أو القريب جدّا منه. تتجلّى هذه الطريقة في الشرح بكلمة واحدة، من ذلك تحديد معنى السخاء بالجود، كما في لسان العرب: السخاوة والسخاء: الجود، والسخي: الجواد، ورجل جواد: سخي. من حسنات هذا الأسلوب أنّه يصلح للمعجمات الموجزة، والمعجمات المدرسية التي تقوم على الاختصار، ومعجمات المصطلحات العلمية، مثل الترادف بين سَنَخ القُلان (كلوريد الصوديوم)، والمِلْح. إلاّ أنّ من عيوبه، أنّه يوقع في الدور، ويخدم غرض الفهم وحده، ولا يصلح لغرض الاستعمال، ويعزل الكلمة عن سياقها، مع افتراض أنّ الكلمة قد تحلّ محلّ أخرى من دون فارق في المعنى، وهو أمر غير متّفق على اطّراده عند جميع العِجاميين.
(2) التعريف بالتضادّ : هو كالتعريف بالترادف، إلاّ أنّ الكلمة المقترحة في تعريف الوحدة المعجمية تكون ضدها في المعنى، ويعتبر التعريف بالتضادّ طريقة مفيدة في الشرح والتفسير، لأنّ الضدّية نوع من العلاقة بين المعاني، ربّما هي أقرب إلى الذهن من أي علاقة أخرى، فاستحضار معنى من المعاني يفضي إلى استحضار نقيضه. غالبا ما تُستعمل في هذه الطريقة ألفاظ محدَّدة، مثل: ضدّ، نقيض، خلاف، أو يقترن التعريف بعبارة «الذي لا». كما في قولهم: الجوع، ضدّ الشبع. أو العَجَم خلاف العَرَب. أو الكثرة نقيض القِلّة. إلاّ أنّ التعريف بالتضادّ لا يحقّق إدراك المعنى ما لم يكن الضدّ الذي وقع به التعريف معلوما، وإلاّ لزم الدور.
(3) التعريف بالتعبير : هو التعريف بأكثر من كلمة أو بعبارة، ويكون في الغالب في المعجم ذي اللغة الواحدة، وتُصدّر العبارة بكلمات تفسيرية، من قبيل: أي، ويعني، وهو، والذي، وإذن، وما، إلى غير ذلك. وهذه الطريقة هي الأشيع في المعجمات العربية قديما وحديثا، مثال ذلك: الأعجم: هو كلّ من لم يقدر على الكلام.
(4) التعريف بالسياق : ويكون بإيراد العوجم في سياقات مختلفة، للإحاطة بكلّ معانيه وتفسيرها، وقد أدرك العجاميون العرب قديما ما للسياق من أهمّية في تحديد المعنى وإيضاحه، لذلك حفلت كتبهم بالشواهد من القرآن، ومن الحديث النبوي، ومن أشعار العرب، وكلام الفصحاء منهم. ظهرت «النظرية السياقية» في ضوء النظريات الدلالية الحديثة، وبمقتضاها، يُفسّر اللفظ باعتباره وظيفة في سياق، وقد جاء بهذه النظرية العالم اللغوي الكَلَزي «جون روبرت فيرث»، وتبنّاها «وتغنشتين»، وقد صرّح قائلا: «من الصلف العقلي أن نتساءل، ماذا يعني الزمان؟ ...، وما يجب علينا فعله هو أن نبحث الكلمات بحثا عينيا، وبحثها في سياقها، وفي إطار المواقف الفعلية التي تظهر فيها». قسّم علماء الدلالة السياق إلى أربعة أنواع: السياق اللغوي أو اللفظي، السياق العاطفي، سياق الموقف، السياق الثقافي. يُسمّى أيضا هذا النوع من التعريفات، التعريف بالتمثيل أو بالمثال (البشير التهالي)، وهو التعريف الذي يدرج الكلمة المعرّفة في جمل توضيحية يرجى منها تبيين مختلف الأوجه الدلالية التي يحملها اللفظ، من أمثلته، التعريف الإشاري ostensive، حيث تُقاس المعرّفات على أشياء طبيعية، مثال ذلك تعريف اللون الأبيض، بالقول: هو ما كان على لون الثلج.
(5) التعريف الاشتقاقي : يُسمّى أيضا التعريف الصرفي الدلالي، وتتحقّق فيه العلاقة الاشتقاقية بين اللفظ المعرَّف والعبارة التعريفية، من خلال استعمال المادّة الصرفية نفسها، مثال ذلك: الحريري: من يبيع الحرير.
(6) التعريف الجوهري أو الماهَوي : تعريف منطقي يقوم على قطبين، هما: الجنس، والفصل، فالمراد بالجنس، المجموعة التي ينتمي إليها المُعرّف، أمّا الفصل، فهو السِّمة التي تميّز المعرّف عن بقية عناصر المجموعة، فالتعريف المنطقي للفرس، هو حيوان صاهل، الجنس: حيوان، والفصل: صاهل، فالحيوانات الأخرى ليست صاهلة، (في الواقع العملي هذا التعريف غير كافٍ معجميا، فالحيوان جنس بلا ريب، إلاّ أنّ القول صاهل لا يحدّد المعنى تحديدا تامّا ويفصل الفرس عن مجموع الحيوانات الأخرى، بل لا بدّ من إضافة بعض السمات الأخرى التي تساعد على الفهم). مثال ذلك أيضا، الإنسان: حيوان ناطق، فالركنان الأساسيان في هذا التعريف، هما: الجنس (حيوان) والفصل (ناطق، فالحيوانات الأخرى ليست ناطقة).
(7) التعريف بالتنجيل، أو التعريف النَّصَمي (الأيقوني) : مضمونه تمثيل الكلمة بواسطة صور وتخطيطات ورسوم تجاور المدخل المعجمي، فتساعد على استيعاب المفهوم جزءا أو كلّا، إلاّ أنّه لا يغني عن نظيره اللفظي، ونظرا لأهمّيته يعتبره الربيز، عدنان الخطيب من مقاييس الفنّ المتطوّر في مجال صناعة المعجمات اللغوية، يقول: إنّ فنّ المعاجم في هذا العصر على نموّه وتطوّره، إنّما يتمثّل في ترتيب المواد وتنسيقها وضبطها، كما يتمثّل بالجهد في توضيح موادّه بالأمثلة الدقيقة والرسوم المعبّرة.
(8) التعريف الإحالي : هو التعريف الذي يأتي على شكل عبارة، «وهو معروف» بأنماطها المختلفة، ويقوم هذا التعريف على فرضية معرفة القارئ بمحدّدات العوجم أو اللفظ الموصوف، فهو من باب الإحالة إلى المعرفة والثقافة، وهي إحالة مخصوصة لا تندرج تحت التعريفات الموضوعية التي تنتمي إلى مناهج التعريف العامّة، ويرى الكثير من الباحثين أنّ التعريف الإحالي هَنَة من أبرز هَنَوات المعجمات، في استعمال صِنْعات التعريف عند القدماء والمحدثين.