معجم المصطلحات الكبير
محْضرة خِطاطِية تُرْكِية
الخِطاطة

عني الأتراك كثيرا بالخطاطة وأسبغوا عليها شيئا من القداسة لمكانتها من الدين، وبلغت المكانة العلية لا سيّما في مدينتي أماسيا وبورسة، وقد بلغ تقديرهم للخطّ والمبالغة في العناية به أن برع من سلاطينهم مُجيدون كانوا يُمارسونه عن أكبر خطّاطيهم، فالسلطانان مصطفى الثّاني وأحمد الثاني تتلمذا على الحافظ عثمان، كما تتلمذ السلطان محمود الثّاني على مصطفى راقم، والسلطان عبد المجيد الثاني تتلمذ على يدي الخطّاط عزّت ونال منه إجازة. ولم يُولِ الأتراك العثمانيون اهتمامهم للخطّ الكوفي، ولكنّهم وجّهوا كلّ عنايتهم إلى خطّي النسخ والثلث، فأتقنوهما إتقانا فاقوا به العرب والفرس، وبلغوا بهما ذروة الفنّ، على أنّ جهودهم لم تقف عند هذين الخطين بل اخترعوا خطوطا أُخرى لا عهد للعرب بها، وهي الديواني والديواني الجلي والرقعة والخط السنبلي، أتقنوها إتقانا لم يتركوا فيها لغيرهم موضعا لزيادة أو تحسين، فهي خطوط تركية أصيلة لا هُجنة فيها، وقد أصبح خطّ الرقعة لبساطته واختزاليته، الخطّ الذي تُكتب به الرسائل والمذكّرات والمحاضرات، والذي تدوّن به المعاملات الرسمية وغير الرسمية، وما يزال هذا الخطّ هو المستعمل في جميع البلاد العربية إلى هذا اليوم.

من أشهر خطّاطي هذه المَحْضَرة العظيمة، الشيخ حمد الله بن مصطفى دده الأماسي المعروف بابن الشيخ، والذي يُعدّ المؤسّس الأوّل للمحضرة التركية، فهو أمّها وأبوها، فقد كان فنّانا أسطوريا، كتب الخطّ في القرن التاسع بنفس الجودة التي كتب بها أعاظم الخطّاطين العثمانيين في القرن الرابع عشر، وكلّ من جاء بعده كان يتوجه بأنظاره إلى آثاره ليقتفي أثره ويأخذ قبسات من فنّه الأصيل. أخذ الخطّ في بلدة أماسيا عن خير الدين المرعشي الذي كان يكتب على طريقة ياقوت المستعصمي، كما دقّق خطوط عبد الله الصيرفي ومحّصها، وكان السلطان بايزيد الثانّي يجلّه إجلالا عظيما حتّى أنّه كان ليُمسك له الدواة وهو يكتب، ويُجلسه على صدر مجلس العلماء، وقد رغب منه أن يَخرج بأداء جديد من أسلوب ياقوت في الخطّ، فقدّم له السلطان بايزيد الثاني أجمل خطوط ياقوت المحفوظة في خزانة السراي العثماني، وقد كانت سبعة نماذج ليقوم بفحصها ودرسها، وذلك في عام 890 على وجه التقريب، فقام الشيخ بدراسة أسلوب ياقوت واستطاع أن يُبدع لنفسه أسلوبا خاصّا، ويُشرّع في الخطّ منهاجا، حتّى عُرف بقبلة الكُتّاب. كان الشيخ أستاذا في الأقلام الستّة، كتب في طول عمره سبعة وأربعين مصحفا، كما كتب العديد من الإنعامات الشريفة وأجزاء القرآن، ومجاميع الدعاء والقطع والمرقّعات والأمشاق وغيرها، وزخرف العديد من الجوامع بخطّه، (جامعا بايزيد في استنبول وأدرنة، وجامع فيروز آغا، وجامع داود باشا) إلاّ أن خطوطه في هذه الجوامع تعدّ بداية بالنسبة لمفهوم «الجلي» الذي ظهر بعده، وقد نشأ على يديه العديد من الخطاطين، منهم ابنه مصطفى دده الذي سمّاه باسم أبيه، وصهره شُكر الله خليفة، ثمّ تعلّم أبناؤهما وأحفادهما الخطّ وعلّموه للأجيال التالية، فعائلة الشيخ حمد الله هي على ما يبدو أكثر العائلات التي أخرجت في تاريخ الخطّ أساتذة يُجيدونه ويبرعون فيه. ولمّا تُوفي الشيخ حمد الله (926) دفن في مقابر «قرة جه أحمد» الكائنة في حي أوسكودار باستنبول (أو اسكي دار ومعناها البيت العتيق، والمعروفة اليوم باسم استنبول الأسيوية)، وقد اعتبر الخطّاطون الدفن إلى جواره شرفا عظيما.

حسب المصادر العربية، فإنّ الشيخ حمد الله أخذ الخطّ عن خير الدين المرعشي المتوفّى سنة (896) الذي كتب على عبد الله الصيرفي، الذي كتب على أحمد بن علي المعروف بطيب شاه السُّهْرورْدي، وطيّب شاه أخذ الخط عن محمد البدشي العجمي، الذي أخذ الخطّ عن الولي العجمي، وهذا بيان انتقال زعامة الخطّ وصناعة التذهيب من المدرسة البغدادية إلى العثمانيين بعد زوال الدولة العبّاسية. والمشهور أنّ أحمد بن السهروردي كان تلميذ ياقوت، وعبد الله الصيرفي كان تلميذ حيدر. وممّا ذكره صاحب «الخطّ والخطّاطون» أنّ محمّد بن أسد أخذ الخطّ عن ابن مقلة، وابن البوّاب عن محمّد بن أسد، وعبد المؤمن ومحمّد بن عبد الملك وزينب شهدة عن ابن البوّاب، وياقوت المستعصمي عن عبد المؤمن، وحيدر جلي نِويس عن ياقوت، وعبد الله الصيرفي عن حيدر، وخير الدين المرعشي عن عبد الله الصيرفي، والشيخ حمد الله بن الشيخ مصطفى عن خير الدين. كما أنّ ستّة رجال من أساتذة الدولة العثمانية السبعة تعلّموا الخطّ عن الشيخ حمد الله. وأساتذة الخطّ السبعة في العهد العثماني هم: الشيخ حمد الله بن الشيخ مصطفى البخاري، مصطفى دده بن الشيخ حمد الله (توفي سنة 946)، عبد الله الأماسي، محيي الدين جلال الأماسي (توفي سنة 983)، جمال أخو جلال الأماسي (توفي سنة 933)، أحمد قره حِصاري (توفي سنة 963) إبراهيم بروسه وي الشربتجي زاده (توفي سنة 932). وقد كانت قواعد الخطّ عند «محي الدين وجمال الدين الأماسي وأخوه عبد الله» أكثر ميلا إلى قواعد المستعصمي.

كان في آخر عصر الشيخ حمد الله خطّاط آخر من الماهرين هو أحمد قرة حصاري، ويُقال إنّ الشيخ أجازه توفي سنة 962، ومن تلاميذ الحصاري، الخطاط حسين جلبي خليفة، ومن بعده دلي يوسف، ثمّ من بعده قرة علي أفندي، ثمّ تكنه جي حسن جابي، وعند هذا انتهت سلسلة الحِصاري. كان ممّن أحيا طريقة الشيخ حمد الله من بعده خطّاط اسمه أمر الله أفندي، ثمّ انتهت جودة الخطّ إلى بير أفندي، أجازه والد درويش محمّد بالكتبة، وكان ممّن كتب عليه وعاصره حسن أفندي المعروف باسكداري حسن جلبي، وعنه أخذ خال أفندي، وكان في عصره من الماهرين قرة حسن أفندي، ثمّ انتهت جودة الخطّ إلى المعلّم القدير درويش علي الملقب بالشيخ الثاني، توفي سنة 1086. وكان ممن عاصره من الخطّاطين رمضان بن إسماعيل، توفي سنة 1097 وعلي أفندي نفسي زاده، وعمر نصوح باشا زاده، ومحمّد أفندي نقاش زاده، وخليل أفندي الملقب بالحافظ، ومحمّد أفندي عرب زاده المتوفى سنة 1122، ومحمّد أفندي خواجة زاده، ويُقال إنّ هذين الأخيرين أجازهما الدرويش علي، ومنهم مصطفى الأيوبي صيولجي زاده المتوفى سنة 1097، وإسماعيل أفندي خليفة المعروف بابن علي، وأحمد أفندي قزانجي زاده توفي سنة 1116، وفضل الله أفندي توفي سنة 1107، وعنبر مصطفى آغا توفي سنة 1117، وعمر أفندي كاتب السراي، وجابي زاده محمّد أفندي، ومنهم الخطّاط المجوّد الحاج الحافظ عثمان (1052-1110) الملقب بالشيخ الثالث، وهو ابن مؤذّن مسجد «خاصيكي» تربّى في قصر مصطفى باشا الشهير بكبريلي زاده ونال بتلك النشأة معارف جمّة، أخذ خطّي النسخ والثلث على يد درويش علي، ونال الإجازة وهو في الثامنة عشر، ثمّ بدأ بتجويد خطّه من أوّله على طريقة الشيخ حمد الله الأماسي بإشراف نفسي زاده سيّد إسماعيل، فأجاد الثلث والنسخ وكان بإجماع المؤرّخين خير من خطّ النسخ فدعوه «بأستاذ الكل» وقد أعطى الحافظ لطريقة الشيخ حمد الله فتحا جديدا، كان تقيا أمضى حياته في كتابة المصحف الشريف فقد بلغ مجموع ما كتبه 25 مصحفا، وحسب رواية صاحب كتاب «خطاطلر» فإنّ عدد المصاحف التي دبّجها قلمه بلغ سبعة ومئة، ويُروى عنه أنّه كان يُعلّم الخطّ وهو بلباس الإحرام، وكان يدرّس الفقراء يوم الأحد والأغنياء والوجهاء يوم الأربعاء، وهو أوّل من اتّخذ الأقلام القصيرة في خطّه بعد أن تجاوز الأربعين وقد أصيب بالفالج. ومن معاصري طبقة الحاج الحافظ، كوجك درويش علي أفندي، وكوجك عرب زاده محمد أفندي، وأحمد أفندي الدرويش، وعبد الله الوفائي، وإبراهيم بن رمضان، وعلي أفندي أمير آخور.

الخطّاطون المجوّدون الأتراك كثيرون لا يدخلون تحت حصر، منهم بوردوري قايش زاده عثمان أفندي، وإبراهيم أحمد باشا، ومحمّد نظيف، ومحمّد ظاهر أفندي، وسليمان سعد الدين مستقيم زاده صاحب كتاب «تحفة خطاطين» ومنهم الخطاط الشهير مصطفى راقم أفندي بن محمود قبطان، شقيق إسماعيل زهدي الخطّاط، (1171-1241). ومن المجوّدين حسين أفندي شهاب الدين من تلاميذ ضحكى مصطفى، ومحمود جلال الدين، ومصطفى الكوتاهي، والسيّد علي الرفاعي (1243)، ومحمد الوصفي كاتب السراي تلميذ لاظ عمر (1252)، والحاج طاهر أفندي معلّم السلطان عبد المجيد، وحافظ مصطفى قباق زاده، توفي سنة 1270، ومنهم محمّد راضي أفندي، وممتاز أفندي واضع قواعد خطّ الرقعة توفي سنة 1287. ومنهم أبو بكر راشد معلّم المشق في جامع أياصوفيا، والحاج أمين أفندي الرشدي، ويسار أفندي، ويحيى حلمي أفندي (1282)، وتوفيق أفندي الذي قام بزخرفة قصر يلدز في استنبول، ومصطفى عزّت تلميذ يساري أفندي، وتحسين الإمام، وزكي دده، ومحمّد شفيق بك سيفي، وعلاء الدين بك، وفائق أفندي، وطغراكش حقي بك هؤلاء الأربعة الذين اشتهروا بالخطّ المُثنّى أو المزدوِج. وعبد الله زهدي الذي استهواه خديوي مصر فاستبقاه معلّما للخطّ في مصر، توفي سنة 1292، وعنه تخرّج الكثيرون من المجوِّدين في الخطّ. وممن اشتهر في ذلك العصر شهلا باشا مجوّد الخطّ الديواني، ومنهم الفنّان الكبير مصطفى راقم، الذي برع في الخطّ والرسم.

وقد ظلّ الخطّ يلقى العناية والرعاية في هذه المحضرة حتّى ألغى القائد التركي كمال أتاتورك استعمال الحروف العربية في تركيا، وأحلّ محلّها الحروف اللاتينية، فهاجر العديد من أحفاد الخطّاطين الأتراك إلى مصر حيث وفّر لهم إسماعيل باشا الحماية والعناية، منهم أحمد شكري (1346)، وعلي أفندي قيوم باشي، وقد كان آخرهم عبد القادر ومحمّد شوقي، ويُعتبر حامد الآمدي آخر عمالقة الخط الأتراك العثمانيين، وقد أجاز معظم خطّاطي هذا العصر، وتلميذه ماجد التركي الذي تولّى تعليم الخطّ في معهد الفنون الجميلة في بغداد، وعبد العزيز الرفاعي الذي لم يكن يُباريه أحد في خطّ الثلث. هؤلاء العظام كانوا بقية صالحة من أجيال كثيرة خدمت هذا الفن بإخلاص منقطع النظير، وعن هؤلاء أخذ معظم الخطّاطين المعاصرين.

إنّ العصر العثماني هو العصر الذهبي للخطاطة الإسلامية، ويعود ذلك لأسباب كثيرة منها:

  • 1- أنّ العاهِلِية العثمانية قامت على أصقاع واسعة، وجمعت شعوبا وألسنا وألوانا متعدّدة تحت مظلّة الإسلام.
  • 2- أنّ مدّة حكمها طالت حتّى بلغت أربعة قرون.
  • 3- لمّا كان التصوير حراما فيما هو شائع من أحكام الإسلام، شجّعت الدولة الخطوط والزخارف لسدّ فراغ هذا التحريم.
  • 4- كان الخلفاء يقرّبون منهم العلماء والأدباء والمبدعين، ويستقطبونهم إلى عاصمة خلافتهم، ويُغدقون عليهم المنح، بل يوجد من الخلفاء العثمانيين من تتلمذ على أيدي الخطّاطين.
  • 5- بلغ الشعب التركي من الترف ما جعل ذوي الإبداع يعملون في قصورهم الزخارف والنقوش والكتابات بأسوام عالية.
  • 6- استطاع الخطّاطون العثمانيون في ظلّ تكريم الدولة لهم، أن يبتكروا خطوطا جديدة كالرقعة والطغراء والديواني والسنبلبي.

زيادة على ما ذُكر آنفا فإنّ الأساتذة الأتراك كانوا يكتبون الخطّ بخشوع كبير، وكانوا لا يُلقون بُراية القلم مع القمامة، بل أغلبهم كان يضعها على سطح منزله في أرفع موضع، وقد أوصى بعضهم أنّ يُغسّل بعد موته بماء براية قلمه، من أجل ذلك كانت المحضرة التركية العثمانية هي أعظم محضرة خطاطية عرفها العالم الإسلامي شرقه وغربه، وأخصبها إنتاجا وأبدعها أسلوبا. وممّا ينبغي التنبّه له والتنبيه عليه أنّ عناية الأتراك بالخطاطة الإسلامية بُعثت مرّة أخرى من جديد في العقدين الأخيرين لا سيّما منذ استلام حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في تركيا، ومن الخطّاطين الأتراك المعاصرين: داود بكتاش، ومحمّد اُوزجاي، وإيدين أركون، وعثمان أونال، وأفضل الدين فيلج، وعلي طُوي، وتحسين قورت، وآي تكين أرسلان، ثمّ يتقدّم هؤلاء كبيرهم الأستاذ حسن جلبي خطّاط الجمهورية التركية.

مترادف

مَدْرسة خِطاطِية تُرْكِية

مصطلح مرغوب عنه، لأنّ «المدرسة» لها مدلول معرفي مُهيكل في النقد الفنّي. على العكس من مصطلح المحضرة الذي يُستعمل للدلالة على أي مركز إراضي ثقافي يجود فيه الخطّ من دون أن يُؤخذ أي تصنيف عِلْميائي (إبستيمولوجي) في الاعتبار، مثل المحضرة الأندلسية أو القرطبية، والمحضرة القيروانية، والمحضرة التركية.

مصطلح قريب

مراجع

  • معجم الكتابة. خضير شعبان. الطبعة الأولى، 1419. دار اللسان العربي، الجزائر.
  • الخطّ والخطّاطون. حبيب أفندي بيدابيش، ترجمة وتقديم: سامية محمّد جلال، مراجعة: الصفصافي أحمد القطوري. الطبعة الأولى، 2010. المركز القومي للترجمة، إشراف جابر عصفور.
  • مصوّر الخط العربي، ناجي زين الدين المصرّف. الطبعة الثالثة، 1400. مطبوعات المجمع العلمي العراقي ببغداد. دار القلم، بيروت. لبنان.

قطعة رائعة للخطّاط حمد الله الأماسي. مصدر الصورة: ويكيبيديا من مشروع غوغل للفن.

مرقّع للخطّاط الحافظ عثمان. مصدر الصورة: ويكيبيديا من مشروع غوغل للفن.

لاحة للخطّاط الكبير محمّد سامي. مصدر الصورة: ويكيبيديا من مشروع غوغل للفن.

الخطاطة الإسلامية جزء من العمارة الإسلامية، فحضورها الدائم هو ما ميّز المنشآت العمرانية في كلّ العصور، وقد بلغ الخطّ النضج أيّام السلطنة العثمانية، وهذا الإبريج يبيّن مدى مقدرة الخطّاط التركي على الإبداع، وهو من أجمل ما كتب محمّد شفيق سنة 1282. مصدر الصورة: ديوان اللغة العربية.

لاحة خطاطية بالديواني الجلي للحاج أحمد كامل آقديك. مصدر الصورة: turkislamsanatlari

قطعة للخطّاط التركي محمّد اُوزجاي أنشأها سنة 1426، والزخرفة لاخته فاطمة اُوزجاي. مصدر الصورة: islamoriente