معجم المصطلحات الكبير
رَناة
الإعلام والاتصال

مجموع الوسائل والصِّنْعات التي تستعمل في بثّ الصور المتحركة والأصوات والموسيقى عن طريق الأوْثِلة أو الإرناء والتي تُستعاد بجهاز استقبال، وكذلك الهيئات والأقسام التي تتكفّل بهذا البثّ وتقوم عليه، والإرناء هو البث عن طريق الموجات الكَوْدلية (الكهرومغناطيسية) لتصل إلى الجماهير الغفيرة من الناس في منازلهم أو في الأماكن العامّة والنوادي والمقاهي والمدارس الخ، وقد تمّ الإرسال التِّقاني للصوّر أوّل مرّة في سنة 1930م بفضل تطبيق الصِّنْعات المختلفة التي طُوّرت في كلّ من ألمانيا وفرنسا والمجر والولايات المتّحدة الأمريكية، ثمّ بعد تجارب متعدّدة تمّ تطوير الصارة الرناتية وتحسينها فأصبحت قادرة على نقل مناظر ومشاهد كاملة، وتقوم الصارة على أخذ الطاقة الضوئية الموجودة في مكان التصوير وتحويلها إلى إشارات كهربية، ثم يُجرى إرسالها على شكل موجات غير سلكية متناهية القصر بواسطة جهاز الإرسال، وتقوم المِرْناة بتحويل هذه الموجات إلى تيّارات كهربية تأثيرية يتمّ بها استعادة الصور المرسلة. يعتمد الإرسال الرناتي على خصيصتين من خصائص الإبصار البشري هما: قدرة التمييز الضعيفة للعين التي تُدرك 840000 نقطة ضوئية إدراكا عامّا، ثمّ بقاء الصورة في شبكية العين التي تستوعب الصور المتحركة بمقدار 24 صورة في الثانية. وبالتطوّر الصنعيائي الحاصل اليوم في العالم أصبح الإرناء يتمّ عبر الإنشاص، حيث تُرسل المادّة الإعلامية من الرَّناة ليتولّى المنشاص التقاط البثّ وإعادة إنشاصه مباشرة إلى المشاهدين، ويتمّ التقاط إشاراته بواسطة المِنْواش وهو الطبق اللاقط، وهذا يحوّل ما يلتقطه إلى المِرْناة ليظهر على شكل أصوات وموسيقى وصور متحركة.

طُبِّقت هذه الصِّنْعات الجديدة أوّل مرّة سنة 1940م حين تمّ أوّل إرناء إنْشاصي خارج حدود الولايات المتّحدة الأمريكية عندما قامت الرَّنَوات في المدن الأمريكية القريبة من المكسيك وكندا في بثّ مباشر لهاتين الدولتين، وفي تطوّر آخر للإرناء المباشر في عام 1954م من خلال رَناة أوروبا الغربية التي يوجد مقرّها في بروكسل ببلجيكا، وقد نقلت هذه الرناة أوّل مباراة في الدورة الأولمبية عام 1956م من إيطاليا، وفي عام 1959م ظهرت رناة أخرى في أوروبا الشرقية، وتوالى التطوّر حتّى كان عام 1992 بإعلان اتّحاد الإرناء الأوروبي الذي ضمّ 32 دولة في القارة الأوروبية، حيث بثّت نَهاجِلَها بستّ لغات من بينها العربية، وقد غطّى إرسالها أوروبا من جمهورية إرلندا وحتّى تركيا، ومن فلندا حتّى جنوب إسبانيا. وقد شهدت المنطقة العربية أيضا إنشاء الرَّنَوات الإنشاصية، فكان من أوّل ما ظهر منها رناة «الشرق الأوسط» والرناة «المصرية» في عام 1992م، ثمّ توالى ظهور هذا النوع من الرنوات العربية حتّى وصل إلى أزيد من 27 محطّة إرناء.

ممّا يميّز الرَّناة عن بقيّة الوسائل البَلَغِية الأخرى كونها أقرب وسيلة للاتّصال المُواجِهي، فهي تجمع بين الصورة والصوت والحركة واللون، كما تُقدّم المادّة الإعلامية في الزمن نفسه الذي حدثت فيه، مثلها في ذلك مثل الإذاعة، وتُضفي على نهاجِلها الإحساس الجماعي، ولا تتطلّب استعدادات خاصّة ومواعيد محدّدة كالمَخالة أو المسرح، ومِمّا زاد من فعّاليتها وقدرتها على التأثير انتشارها الإراضي الكبير الذي ازداد بتوسّع استعمال المناشيص في الإرناء، وأصبح بالإمكان بثّ أخبار الأحداث الهامّة التي لها صدى عالمي في العديد من القارّات وفي الوقت نفسه تقريبا، وإن كان قد أُعيب عليها ارتفاع أثمان المَراني إلى الحدّ الذي شكّل عبئا لا يتحمّله الكثيرون في الدول النامية وعلى الخصوص المراني العالية الجاد. ونظرا للأهمّية التي تتمتّع بها الرناة من بين الوسائل البَلَغِية الأخرى، فقد جعلت منها موضوعا لبحوث معمّقة، ولأنّها وسيلة اتصال جماهيري فقد تعرّضت لنقد شديد، فهي في نظر البعض أداة خمول وتبليد، وتفرض رأيها على الناخبين أثناء الحملات الانتخابية، وتقوم ببيع مشاهديها إلى الشركات الصناعية من خلال النهاجل الإشهارية، كما جعلت من المشاهدين قوّة سلبية ثمّ هي تُعطي الشعور بالعجز أمّام تطوّر العالم، وقد جعلت نهاجلها المستمرّة المُشاهدَ مرتبطا دائما بالصورة، يقول «جون بودريار» Jean Baudrillard: «الرَّناة هي الإنارة الدائمة التي تضع حدّا لتناوب الليل والنهار». هناك العديد من الانتقادات الشائعة للبَلَغ عموما وللرناة خصوصا وهي الوسيلة البَلَغِية الوحيدة التي يحبّها الجميع ويكرهونها في الوقت نفسه على حدّ قول «آرثر بيرغر»، وهذه الانتقادات موجّهة إلى التأثيرات السلبية المتعدّدة التي تأتي من إهدارنا للوقت مع البَلَغ بصفة عامّة والرناة على وجه الخصوص، لأنّها تغمرنا بكمية كبيرة من مضامينها من الصور السريعة الحركة، والموسيقى، والوَقَش، والأخبار، وهذا يجعلنا أقلّ قدرة على التفكير الواضح في اتّخاذ قرار عقلاني بشأنها. وتتلخّص هذه التأثيرات التي أوردها «آرثر بيرغر» في:

(1) فقدان المشاهدين الإحساس تجاه العنف: كثرة مشاهدة عروض العنف تؤدّي إلى قلّة الاهتمام بالعنف الحقيقي وبطبيعته، وربّما يؤدّي بالبعض للجوء إلى العنف في حياته لحلّ مشكلاته، حيث يمكن القول إنّه غالبا ما يكون هناك بعد نفسي وجنسي للعنف.

(2) تشويه صورة الواقِع: فالرناة لا تُظهر لنا العالم كما هو، فعالم الرناة مملوء بالعنف والتلميحات الجنسية، فمقابل العدد الكبير من جرائم القتل التي نراها في المِرْناة، لا يرى معظمنا حوادث من هذا القبيل تحدث أمامه، كما أنّنا لا نحصل على عيّنة تمثّل المجتمع تمثيلا صادقا، فالأقلّيات العرقية، والمعوقين، والأشخاص الملوّنون والأطفال وكبار السنّ والنساء، لا يتمّ تمثيلهم تمثيلا كاملا، فالمُبرِّزات طويلات القامة دائما ونحيفات، وغالبا ما يكون الرجال وسيمون جدّا، فالواقع الذي نشاهده على المرناة تمّ تحريره بشكل مُتقن، حتّى الأخبار فهي صورة مشوّهة للواقع، وقد أشار إلى هذا «تود غيتلين» قائلا: «الأخبار ليست ببساطة مرآة تعكس العالم، إنّها وسيلة لنقل الأفكار والرموز، مُنتَج صناعي يعزِّز مجموعات من الأفكار والذهنياءات، وتقوم بناءً على ذلك بدور الصابور (ثقل التوازن) الاجتماعي، وإن كانت في بعض الأوقات أيضا نذيرا للتغيير الاجتماعي. الأخبار نسيج معرفي، فالعالم على شكل والبَلَغ يظهره على شكل آخر» كما يرى أيضا أنّ البَلَغ الإخباري لا يعكس صورة العالم، بل يُبرزه وفق ما تمّ تفسيره من لدن المحرّرين وغيرهم من الذين يتحكّمون في الصور التي يُسمح لنا برؤيتها، والكلمات المسموح لنا بسماعها في نهاجِلهم الإخبارية.

(3) سرقة الفنّانين المبدعين الجادّين: العديد من الكتّاب المبدعين والمخرجين والفنّانين الذين يعملون في المسرح وغيره من أشكال فنّ النخبة، يتحوّلون إلى العمل في الرَّناة والمخالة تحت إغراء الأجور المرتفعة المقدّمة لهم، ومن ثمّ حرمان قطاع كبير من الجماهير من مساهمتهم في هذا النوع من الفنّ وإنتاج عدد أقلّ من الأعمال المسرحية والأدبية الجيّدة.

(4) الهروبية: وهي لجوء المشاهدين إلى مشاهدة النهاجِل الهزلية والسطحية والمواد القليلة القيمة الاجتماعية التي لا تتناول القضايا الجادّة والمخطرة، والتي يستهلكها الناس بكثرة للهروب من واقعهم المرير أو طلبا للتنصّل من فروض الواجبات وآلام الضمير.

(5) خلق الوعي الزائف: تحتلّ الرناة موقعا أساسيا في الحياة اليومية وتُسيطر على المَحاط الرمزي للإنسان وتهيمن عليه، وتمثّل رسائلها بديلا عن الواقع الحقيقي، بحيث أصبح الإنسان يستمدّ من هذه الرسائل خبراته الشخصية ومعارفه عن العالم المحيط به، ويرى «جربنر» أنّ التعرّض المستمرّ للرناة  يؤدّي إلى اعتناق ما تقدّمه من رؤية للحياة والمجتمع، ومن ثَمّ ينبني سلوك الفرد على أساس هذه الخبرات المستمدّة من البَلَغ. كما أنّ معظم الشخصيات السردية في الرناة تميل لأنّ تكون من الطبقة المتوسّطة أو الغنية، وهذا يعني لا وجود لطبقية في الدول الغربية، في حين أنّ الأقلّيات والجماعات العرقية والجماعات الأخرى يتمّ تجاهلها، ونادرا ما يُركز على الصعوبات الرهيبة التي يواجهها العمّال.

(6) النمطية: يستعمل كتّاب السِّراد الرناتي شخصيات تقليدية نمطية، لتجنيب المشاهدين قدرا من الجهد الذي يتطلّبه العمل الفنّي الإبداعي لفهمه، لذلك يجد الكثير من الشباب والمراهقين صعوبة في بذل الجهد المطلوب لقراءة الكتب، والشخصيات التقليدية تمتلك خطوطا معروفة لسير أحداث القصّة تُفهم بسهولة لدى الجماهير.

(7) التجزئة أو التشرذم: وهو قطع البث بالهواذم الإشهارية ممّا يؤدّي إلى الشعور بتجزئة الحياة وأنّها غير منتظمة، وكذلك الإعلانات المتتالية لمنتجات مختلفة تفاقم من المشكلة، والانتقال بين نَهْجل رعب إلى آخر هزلي أو إخباري أو نهجل مملوء بالحركة والمغامرات، كلّ هذا يعزّز من التشرذم الذي يشعر به المشاهد، وأنّ الحياة مشوّشة وتفتقر إلى التماسك. فالنهاجل الرَّناتية صُمّمت على أساس ترك مساحات للهواذم الإشهارية، وذلك بتقسيم الموادّ الرناتية إلى وحدات قصصية قصيرة لكلّ واحدة منها حبكتها الصغرى الخاصّة بها، حتّى وإن كان النَّهْجل لا تتجاوز مدّته بضع دقائق، والهدف من ذلك هو خلق سَتَلَة لا تنتهي من الانعكاسات ولحظات من النشوة والترقّب، التي تُسلب ليُدرج فيها هاذِم إشهاري، وتؤدّي هذه العملية إلى نقصان الاهتمام للكثير من الناس، ولهذا ظهر ما يُعرف بمصطلح «مدى الانتباه» attention span.

مترادف

مِرْناة

[مصطلح مرغوب عنه في معنى الرَّناة، لأنّه مُستعمل في غير أصل وضعه، فالمراد بالمِرْناة جهاز استقبال الإرناء أي البثّ الرناتي، وهو الجِهاز الذي يكون في المنازل ويُشاهده الناس وتظهر عليه الصور المتحركة، يُسمّى في الفرنسية téléviseur وفي الكلزية television set, television receiver وهي على صيغة اسم الآلة]

رائي

[مصطلح مبتذل مرغوب عنه، ولا يصحّ أن يكون على صيغة اسم الفاعل]

تِلِفِزْيون

[مصطلح دخيل ثقيل مرغوب عنه]

تلْفزة

[مصطلح دخيل مرغوب عنه، وهو أليق بمصدر الفعل تَلْفز يُتلفِز]

مصطلح قريب

لغة كلزية

television
لغة فرنسية

télévision
مراجع

  • مصطلحات في الإعلام والاتصال. خضير شعبان، دار اللسان العربي. الطبعة الأولى، 1422، الجزائر.
  • وسائل الإعلام والمجتمع، وجهة نظر نقدية، تأليف: آرثر أسا بيرغر، ترجمة: صالح خليل أبو اصبع. عالم المعرف، عدد 386، مارس 2012.
  • ظاهرة القنوات التلفزيونية الفضائية. إعداد الباحث السياسي: ذياب محمد بردي الديحاني، إشراف: الأستاذ الربيز رمزي سلامة. 1997م، إدارة البحوث، مجلس الأمّة، دولة الكويت.