تأسّست هذه الرَّناة في قطر في نوفمبر 1996م، وبدأت بالبثّ ستّ ساعات يوميا، وزيدت إلى 12 ساعة في منتصف عام 1997م، ثمّ إلى 24 ساعة في فبراير 1999م، وتعتبر رناة الجزيرة علامة بارزة في الإعلام العربي في العصر الحديث، وهي نموذج لقدرة الإعلاميين العرب على الإبداع وتقديم أداء إعلامي عالمي، إذا ما أتيحت لهم الإمكانات، وحجبت عنهم الرقابة، وهيمنة الاعتبارات السياسية المحلّية، وقد كان تأسيسها بعد مبادرة أمير قطر الشابّ الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني رغبة منه في تمييز نظامه الحاكم عمّا سبقه، وقد فكّر أوّلا في إنشاء رناة ترفيهية على نمط الرنوات التي أسّسها العديد من الأثرياء السعوديين، لكنّ مستشاريه نجحوا في إقناعه بتأسيس رناة إخبارية بدلا عنها، وكان من المفترض أن ينتهي القرض الحكومي المخصّص لها بعد خمس سنوات من تأسيسها، إلاّ أنّ الحكومة لم تتراجع في دعم هذه الرناة إذا تعرّضت لأزمة مالية، حيث إنّ رناة الجزيرة وضعت دولة قطر للمرة الأولى على الخريطة العالمية، وجعلت لها تأثيرا إقليميا أكبر.
ويُعتقد أنّ رناة الجزيرة قد ترغم الحكومات العربية على تغيير خطابها السياسي والإعلامي، بما تطرحه من معالجات حسّاسة محظور تناولها في الرنوات الحكومية، مثل: قضايا حقوق الإنسان، والديمقراطية والإصلاح السياسي، وعملية السلام بين مؤيّديها ومعارضيها، وهذا التناول الجريء والصريح لهذه القضايا الحسّاسة جعل كلّ الحكومات العربية تقريبا تتّخذ مواقف غير وُدّية من الجزيرة، إمّا بإغلاق مكاتبها في العواصم العربية، أو بتقييد تحركات مراسليها، بل وصل الأمر بالسعودية والدول الثلاثة الأخرى المشاركة لها في مقاطعة قطر وفرض الحصار عليها أن طلبت من الحكومة القطرية غلق هذه الرناة. وعلى الرغم من عدم توفّر بيانات موثوق بها عن تعرّض الجمهور العربي للرَّنَوات العربية الأخرى، إلاّ أنّ المراقبين يعتقدون أنّ الجزيرة هي المصدر الرئيس للمواطنين العرب لا سيّما أثناء الأزمات.
وعلى الرغم من حجم الإمارة المضيفة لهذه الرناة، وحجم المبنى نفسه الذي تستقلّه الجزيرة والذي جعل الرئيس المصري حسني مبارك يعبّر عن دهشته بقوله ساخرا «هل تأتي كلّ هذه الضجّة من علبة الكبريت هذه؟» فقد أصبحت الجزيرة من أهمّ مصادر المعلومات والمعرفة للعالم العربي، متحدّية بذلك هيمنة البَلَغ الأمريكي، وهي التي كسّرت قاعدة تدفّق المعلومات من الغرب إلى الشرق فأصبحت تخرج اليوم من الشرق متّجهة إلى الغرب، واستطاعت أنّ تطرح تحدّيات قويّة للولايات المتّحدة والإعلام الأمريكي، لا سيّما فيما يتعلّق بتلحيص موضوعات الحرب بدءا بأفغانستان ووصولا إلى العراق، واستطاعت أن تُدخل الشكّ في مدى مصداقية الإعلام الأمريكي وما ينشره عن العمليات العسكرية التي يخوضها الجيش الأمريكي في العالم الإسلامي، وبيّنت بالدقة والموضوعية والالتزام أنّ الحرب الأمريكية على العراق كانت ظالمة ومدمّرة ووحشية، وفضحت الادّعاءات الكاذبة بأنّ الحرب على العراق ستكون حربا نظيفة وغير مكلفة. وقد تعرّضت الجزيرة مرارا لاعتداءات الجيش الأمريكي في العراق، ومن قبل في أفغانستان، للحيلولة بين مراسليها وتلحيص أنباء الممارسات الأمريكية فيهما، وعلّق «روبرت فيسك» الكاتب في صحيفة «الغارديان» البريطانية على هذه الاعتداءات بأنّها قد أظهرت الأمريكيين يشبهون القتلة.