اعتبر «دفيد ليرنر» القدرة على التَّسامُد الذي هو التقمّص الوجداني إحدى الخصائص الأساسية اللازمة لانتقال المجتمع التقليدي إلى الشكل الحديث، وقد عرّفه بالقدرة على تخيّل حياة أفضل، وهذه القدرة تمثّل خبرة أساسية ينبغي أن تتوفّر في الإنسان الحديث، أمّا الأفراد في المجتمع التقليدي، لا سيما المجتمع الريفي فإنّهم لا يساهمون في الحِراك الاجتماعي، وتمثِّل القرابة أساس التعامل فيما بينهم، وتعتبر الروابط التقليدية التي تنشأ بين الأفراد ركن من أركان المجتمع ممّا يضيّق آفاقهم ويحدّ من قدراتهم على التخيّل والتصوّر، زيادة على أنّ انعزال تلك المجموعات الصغيرة وقلّة حاجاتها يحُول دون ظهور حاجة الأفراد والجماعات إلى الخوض في الأمور العامّة التي تهمّ المجتمع ومناقشتها، ويرى «ليرنر» أنّه توجد علاقة بين التحضّر ومعرفة القراءة والكتابة من ناحية، ومعرفة القراءة والكتابة مع التعرّض للبَلَغ من ناحية أخرى، كما يعتقد أن التحضّر هو الخطوة الأولى، وتقوم نظريته على أنّ في المدينة وحدها تتنوّع مراكز المعرفة وتتعدّد، فالتحضّر من هنا حالة ذهنية واستعداد عقلي للتغيّر والتكيّف وتقبّل المعلومات الجديدة غير تلك التي توجد في المَحاطات التقليدية، حيث تتطوّر معرفة القراءة والكتابة وتنمو وسائل الإعلام، وتُطوِّر معرفةُ القراءة والكتابة من جهتها أجهزة الإعلام التي تنشر بدورها المعرفة بالقراءة والكتابة.