معجم المصطلحات الكبير
مُنَظَّمَة غير حُكومِية
العلوم السياسية

يمثل ازدياد عدد المنظمات غير الحكومية أحد أبرز أوجه العلاقات الدولية المعاصرة، فالترابط المتزايد المقترن جزئيا بالتحسينات في مجالي صِنْعِياء الاتصالات والنقل ساهم في إنشاء آلاف المنظمات، والوكالات، والمجموعات المتخصّصة. وهي تتألّف من أفراد لا يشغلون منصبا عامّا، يتلقون أجرا، أو يعملون من دون أجر، ويلتزمون بطائفة واسعة من الموضوعات ومن ضمنها حماية البيئة، وتحسين مستوى الحاجات الأساسية في العالم الثالث، والحدّ من انتهاك حقوق الإنسان، وتأمين الغذاء والدواء للمناطق التي تشتعل فيها نيران الحرب، والدعوة الدينية، وتعزيز قضية المرأة. ولا يمكن إغفال أن هذه المنظّمات تقيم شبكات وصلات معقّدة بين الأفراد في العالم أجمع.

تقول الحكمة التقليدية إنّ هذه الكيانات ثانوية بالنسبة إلى دراسة العلاقات الدولية. ولكن من الصعب الأخذ بهذا الرأي. فكثيرة هي المنظمات غير الحكومية التي تمثّل قوةً يحسب لها حساب، فعدد أعضائها هائل، وميزانياتها ضخمة، وهي تتمتّع بسلطة التأثير في سياسة الحكومة وصقل معالمها. لذلك، يقوّض التعامل مع هذه المنظمات على أساس أنها وجه هامشي من العلاقات الدولية احتمال تفهّم تأثيرها تفهما كاملا.

على الرغم من أنّ المنظّمات غير الحكومية تمثّل مفهوما أساسيا في مصطلحات العلاقات الدولية، ثمّة اتّفاق علمي ضئيل حول المعيار الذي يتمّ على أساسه تحديد المنظمات التي ينبغي تصنيفها ضمن المنظّمات غير الحكومية وتلك التي لا ينطبق عليها هذا التصنيف. فبالنسبة إلى بعض الكتّاب، تنطبق على كل منظمة عبر الحدود القومية لم تقم دولة بإنشائها صفة المنظمة غير الحكومية. وعلى هذا الأساس، تندرج المنظّمات الإنسانية التي تمنح المساعدات، ومجموعات حقوق الإنسان، والمجموعات الضاغطة (اللوبي)، والعاملون في شؤون البيئة، والهيئات المهنية، والحركات الاجتماعية الجديدة، والشركات المتعدّدة الجنسيات، والمنظّمات الإجرامية والإرهابية، والمجموعات الدينية والجَناثِية (الإثنية) في قائمة المنظّمات غير الحكومية. وتضيق حدود استعمال هذا المصطلح بالنسبة إلى آخرين، فتمثّل المنظّمات غير الحكومية أي جهة عابرة للحدود القومية، لا تبغي الربح، ولا تدافع عن العنف، وتوافق على مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول المحلّية، وتقيم علاقة وثيقة بمنظّمة الأمم المتّحدة ووكالاتها. وانطلاقا من هذا الرأي، يقتصر هذا المصطلح على المنظمات الإنسانية، وبالتالي تتّضح لنا عدم دقّة هذا المفهوم.

تكمن الطريقة الوحيدة في توضيح غموض هذا المصطلح في التمييز بين دوافع مختلف المنظّمات غير الحكومية، لا سيما تلك التي تمتلك تطلعات حيادية عالمية من جهة، والمنظّمات التي يحرّكها دافع رئيس وهو المصلحة الذاتية من جهة أخرى، فتنطبق مواصفات الفئة الأولى على منظّمة الهلال والصليب الأحمرين، ومنظمة العفو الدولية، وجيش الخلاص، وأوكسفام، وكير، والسلام الأخضر (غرين بيس)، ومنظمة أطبّاء بلا حدود. ويتمثّل هدفها بالمعنى الشامل في تحسين أوضاع البشرية بصفتها كيانا واحدا، في حين تنطبق مواصفات الفئة الثانية على الشركات المتعدّدة الجنسيات، والكثير من المنظّمات الخاصّة لقد سال الحبر الوفير حول تأثير المنظّمات غير الحكومية في العلاقات الدولية. ثلاث نقاط تستحقّ الذكر في هذا الخصوص:

أولا: على الرغم من أن المنظمات غير الحكومية هي عبارة عن جهات مستقلة ذاتياً إلا أن الكثير منها يعمل عن كثب مع منظمات حكومية دولية أنشأتها دول بغية ترويج مصالحها، وأبرزها منظمة الأمم المتحدة بالإضافة إلى صندوق النقد الدولي، ومنظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، والاتحاد الأوروبي، ومنظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ويمثل أعضاؤها جميعا دولا لا أفراد تتميز سياسة شبكة الاتصالات بين المنظمات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية بفاعليتها، لا سيما في مجالات حقوق الإنسان والتنمية. وكثيرة هي المنظمات غير الحكومية التي تتمتع بالخبرة في تأمين المساعدات وأعمال الإغاثة وتسليمها، بالإضافة إلى تجميع المعلومات وتحليلها، بينما تؤمن المنظمات الحكومية الدولية تمويل نشاطات المنظمات غير الحكومية. فعلى سبيل المثال، تدعم الحكومات الوطنية نصف ميزانية منظمة أطباء بلا حدود تقريباً. بالإضافة إلى أن المنظمات غير الحكومية هي منظمات حيادية سياسياً في أكثر الأحيان، ما يعني أنها قادرة على الانتقال إلى مناطق القتال، وإقامة الصلات مع الفصائل المتنازعة، وتأمين المساعدة للمدنيين. ولا يسهل على الدول إنجاز أعمال مماثلة من دون انتهاك مبدأ عدم التدخل. لهذه الأسباب، تؤدي المنظمات غير الحكومية دوراً مفيداً بالنسبة إلى الدول؛ ويصح القول إن المنظمات الحكومية الدولية تستغل على نحو متزايد مكانة المنظمات غير الحكومية الفريدة. وتجدر الإشارة، على سبيل المثال، إلى أن نسبة حجم المساعدات الأجنبية الأوروبية الموزّع من خلال المنظمات غير الحكومية قد ارتفعت من 42 إلى 67 في المئة بين العامين 1990 و1994م. وفي الوقت نفسه، تمارس بعض المنظّمات غير الحكومية الضغط على مثيلاتها. فيتعيّن على شركات النفط مثل شركتي شل وأكسون التعامل مع الناشطين في منظمة السلام الأخضر (غرين بيس). وعلى نحو مشابه، قطع اللوبي المناهض للتدخين حول العالم شوطا طويلا في استجواب شركات التبغ حول ممارسات التسويق الخاصّة بها. وتتمكّن المنظّمات غير الحكومية من أداء مهامّها بالضغط على السياسيين، وفضح الممارسات الفاسدة من خلال الإعلام، وحشد الجماهير وتنظيمها.

ثانيا: يحاجج بعض العلماء قائلين إن المنظمات غير الحكومية قد أصبحت جزءا مهما من الصورة الدولية إلى درجة أن مجتمعا مدنيا عالميا يظهر على الساحة. ففيما يتفاعل الأفراد على المستوى الدولي، تتّخذ مواقفهم طابعا فَوْقَميا (كسموبوليتيا)، ويتضاءل تمسّكهم بسيادة الدولة. فهل نستنتج من هذا أن المنظمات غير الحكومية تدمّر تدريجا سلطة الدولة؟ ليس تماما. ففيما تدير آلاف المنظمات غير الحكومية أعمالها حرفيا حول العالم، تمثّل هذه المنظّمات على الصعيد العالمي عددا ضئيلا من الأفراد. فإذا رأى مجتمع مدني عالمي النور، سيضم أفرادا من النخبة والاختصاصيين.

ثالثا: يسلط نمو المنظمات غير الحكومية الضوء على نمو «سلطة الشعب» الملحوظ في العلاقات الدولية، بسبب فشل الدول أساساً في تلبية حاجات الأفراد الصحية، والبيئية، والسياسية، والاجتماعية العاجلة. ويتجلى هذا على أحسن صورة في المؤتمر العالمي الرابع حول النساء المنعقد في بكين عام 1995 حيث اجتمعت عشرات آلاف النساء من المنظّمات غير الحكومية حول العالم لمناقشة طائفة من القضايا، لا سيما تلك التي تمسّ المرأة. وليس من دليل يشير إلى أنّ نزعة المنظمات غير الحكومية إلى التدخل على نحو متزايد في العلاقات الدولية المعاصرة ستتضاءل. (المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية. مارتن غريفيش، تيري أوكالاهان).

لغة كلزية

Non-Governmental Organisation (NGO)
لغة فرنسية

Organisation non gouvernementale (ONG)
مراجع

  • المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية. مارتن غريفيش، تيري أوكالاهان. مركز الخليج للأبحاث، 2008م. دبي، الإمارات العربية المتّحدة.