ديوان اللغة العربية
بسم الله الرحمن الرحيم، المحمود الله جلّت آلاؤه والمصلّى عليه محمّد وآله.
ديوان اللغة العربية مؤسّسة غير حكومية، تعمل على الإشْباكة بجهود المتطوّعين تحت نظر الربيز : خضير شعبان، أستاذ في جامعة باتنة 2 بمدينة باتنة في الجزائر. يسعى الديوان إلى تطوير اللغة العربية وترقيتها لتصبح لغة العلم والحضارة كما هي لغة الدين والأدب، ويكوّن ذخيرة مصطلحية شاملة لكلّ مجالات المعرفة، فيجد فيها العالم والباحث والمترجم والطالب ما وُضع في العربية من مصطلحات في شتّى العلوم والفنون، كما يسعى إلى إنشاء منظومة اصطلاحية متكاملة ولغة علمية عربية موحدة، وذلك بجمع المصطلحات العلمية والفنّية من المعاجم التي نشرتها المجامع اللغوية العربية والمعاجم التي وضعها العلماء والأدباء والأفراد، وما وُجد في الكتب والمخائر والمجلاّت والمناقلات والبحوث العلمية المختلفة، وما هو مبثوث في المواقع الإشباكية التابعة للهيئات الدَّيْوَنِية والبحثية، فإن وجد للمعنى العلمي الواحد عدّة مصطلحات تخيّر أحسنها فجعله مصطلحا رئيسا وجعل الباقي مترادفا له، فإن لم يجد للمصطلح العلمي اسما في العربية وضع له اسما جديدا وفق المنهجية التي اعتمدها.
لا يعْتبِر ديوان اللغة العربية نفسه بديلا عن المجامع اللغوية العربية، ولا يريد أن يقوم بعمل مكتب تنسيق التعريب بالرباط العاصمة الذي تقع على عاتقه مهمّة جمع المصطلحات وإحصائها وتصنيفها وإعدادها للمراجعة والمناقشة ثمّ نشرها، فالديوان يرى أنّ ما وُضع اليوم من مصطلحات لا يفي بالغرض المطلوب على الصعيدين الكمّي والكيفي في ضوء كثرة الإنتاج المصطلحي المعاصر في جميع المجالات العلمية والمعرفية والذي يتطلّب إنشاء المقابل المناسب له في العربية. كما أنّ الديوان لا يرى أنّ كثرة المصطلحات للمعنى الواحد مضرّة بالعربية، بل يعتقد أنّ كلّ مصطلح جديد يوضع وفق قواعد العربية السليمة، هو فرصة أخرى تحظى بها العربية لتدقّق معاني مفرداتها وتجدّد أساليب بيانها، فالعبرة في ذلك كلّه بانتشار المصطلح واشتهاره وقبوله في المجتمع العربي، متمثّلا قوله تبارك وتعالى : « فأمّا الزبد فيذهب جفاء، وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض » وفي هذا الشأن يقول الأستاذ أحمد شفيق الخطيب في كتابه معجم المصطلحات العلمية والفنّية والهندسية : إنّ قضية الاقتصار على مصطلح واحد لمسمّى واحد هي قضية متّفق عليها نظريا، أو قل مبدئيا، لكنّ الاتفاق على تحديد المصطلح هو أمر لن يخلو من الأخذ والردّ، وما دام باب الترجمة مفتوحا فمجال الاختلاف (ضمن حدود المتوقّع) وارد، وليس لأي فرد أو جماعة مهما كانت سلطتهم اللغوية أن يشطبوا مصطلحا ليحلّوا آخر مكانه نهائيا فالمستقبل هو الحكم، والاستعمال هو الغربال.
والمتتبّع للإنتاج المصطلحي في العالم العربي يرى قصور هذا الانتاج عن تأدية كلّ المعاني العلمية في العلوم، إمّا لسوء الوضع أو لكثرة المصطلحات الدخيلة، والقول إنّ العربية اليوم تمتلك خصيصة التعبير عن جميع المضامين العلمية والفكرية المختلفة أمر يخلو من الصحّة، ولا يقول ذلك إلاّ رجل جاهل بالحال المتردّية التي تعيشها العربية، أو رجل يعلم ذلك إلاّ أنّه مشفق عليها من تضعضعها وتكالب الأعداء عليها فهو يجادل ليبقي لها رمقها الأخير ويدفع عنها غوائل الفناء والاندثار، وهنا يجب أنّ نفرّق بين أمرين :
- الأوّل فقر العربية الشديد في المصطلحات العلمية والفنيّة وهذا يعود إلى أسباب كثيرة منها : ترك علماء اللغة يعملون وحدهم من دون أن يعمل معهم علماء متخصّصون في المادّة التي يعرض لها الباحث، وذلك بسبب الجهل بمادة العلم نفسه، ثمّ تحميل المجامع اللغوية العربية ما لا تُطيق، حيث كُلّفت بما لا ينبغي أن تقوم به، فوظيفتها الأساسية التوجيه والتنبيه والمراقبة، أمّا وضع المصطلح ذاته فهو منوط بالعلماء في تخصّصاتهم المختلفة؛
- الأمر الآخر هو غنى العربية وقدرتها الكبيرة على التوليد والاشتقاق والنمو والتوسّع، ولكن ما يفيد غناها إذا كانت الأيدي مغلولة والعزائم خامدة وروح التفرنج ترسل موجاتها تباعا كما يقول الشيخ رشيد عطية.
إنّ المصطلحات التي وضعتها المجامع اللغوية العربية، فيها ما هو موفّق التوفيق كلّه وفيها ما كان نفخة في رماد، فمراجعة هذا الانتاج ضروري جدّا لمعرفة موقع العربية اليوم فيما أنجزته وفيما بقي عليها أن تُنجزه. وقد أقرّت المجامع اللغوية الاقتراض من اللغات الغربية ولم تُدرك مخاطره على العربية، وحصرته في :
- المصطلحات العالمية أو ما كان من أصل يوناني أو لاتيني وشاع استعماله؛
- ثمّ المصطلحات المُسْتَوْسَمة أي التي وُضعت على اسم علم من الأعلام.
فالمصطلحات التي تأخذ صفة العالمية هي تلك المرتبطة بالتَّسْمَانِيات التي وُضعت في اللغات الغربية لضبط أسماء الأشياء الداخلة تحت صنف واحد، مثل الكائنات الحيّة، والمركّبات الكيميائية والمعادن والنجوم وغيرها، فعجز المجامع اللغوية اليوم عن إنشاء تسْمانِيات لتضبط بها أسماء هذه الأشياء جعلها تركن إلى الاقتراض من اللغات الغربية بحجّة عالميتها، كما أنّ المصطلحات المُسْتوْسمة جعلتهم ينظرون إليها على اعتبارها حكرا على مكتشفي ظواهرها الطبيعية، وأنّ السبق في الاكتشاف قد جعل لأصحابها الحقّ في إلزاقها بأسمائهم أبد الدهر.
ومن الأسباب الأخرى التي تدعو الباحثين والتُبناء والعلماء إلى الاقتراض، هي أنّهم يتّفقون جميعا على المصطلح الأجنبي في معناه ومبناه، ممّا يعني أنّ استعماله في البحوث والدراسات يضمن فهما جيّدا للمواضيع، ويُغني عن الكثير من الشروح والتفسيرات، عكس المصطلح العربي الذي غالبا ما يكون غميسا واستعماله يكون مدعاة للغموض والخطأ، وقد فتح هذا العذر الأبواب للاستيطان اللغوي الأجنبي والهجرات الوافدة من دون رادع ولا قيود، ووصل الدخيل إلى حدّ تكاد تذهب معه معالم اللغة العربية لا سيما في مجال العلوم والصِّنعياء، ومثال ذلك هذا النصّ الذي نورده وهو مقتطع من كتاب في علم المعادن، يقول صاحبه:
«يُعتبر الموناسيت من الفلزّات النادرة التي ترتبط بصخور الباغمتيت السيانيت النيفيليني، وبالعروق الفلدسباتية وبعض الصخور كالغرانيت القلوي والغنيس، ويتواجد أيضا في العروق الهيدروتيرمالية الدولوميتية بالترافق مع الماغنيتيت، وهناك نوع يُدعى بالإيلمينوروتيل ويحصل نتيجة المزج الإيزومورفي بين الروتيل والموسيت، منشأه ماغمي وهيدروتيرمالي (في عروق الكوارتز)، ويُرافقه الماغنيتيت والإيلمينيت والكوارتز والأباتيت، أمّا منشأ البيروكلور فبنيماتوليتي هيدروتيرمالي».
إنّ كلّ كلمة في هذا النصّ تقول لصاحبها دعني، فهل بهذه الحماسة السلبية نخدم لغتنا الجميلة ؟ وممّا هو واضح فإنّ نصّا كهذا قد دُفع إليه صاحبه دفعا لفقر العربية الشديد في المصطلحات العلمية، ولعلّه حينما أراد أن يجتهد في هذه الأسماء على طريقة العرب في وضع المصطلحات، وجد من يقول له : ليس لك أن تقيس على وزن علانية ورفاهية، ولا أن تقيس على وزن خمر وتمر، ولكن لا بأس بتعريب المصطلحات العالمية ونحن جزء من هذا العالم، والمصطلح العالمي في حقيقته هو مصطلح الدول الكبرى ذات الاقتصاد المتقدّم والصنعياء المتطوّرة، هؤلاء الذين يقولون ذلك يعتقدون أنّ رأس المشكلة وبَعَاعَها يكمن في همزة التعدية (كألبس وأركب وأحمل) أو في الاشتقاق من أسماء الأعلام والأعيان (كبستر وغلفن وفولط)، وكما هو معلوم فإنّ المجامع اللغوية قد أقرّت كلّ ألفاظ المعادن والصخور كما هي في اللغات الغربية، ولم يفعل المؤلّف في هذا سوى أنّ وظّف هذه المصطلحات على قرارات هذه المجامع، والسؤال الذي يُبحث له عن جواب هو: إلى أي مدى يُمكن توظيف المصطلحات المقترضة؟.
يُقدِّر علماء الأحياء عدد الأنواع النباتية والحيوانية التي ظهرت على وجه الأرض منذ بدايتها إلى اليوم زهاء 500 بَلْف نوع، بقي منها من 2.000.000 إلى 4.000.000 نوع، كما يوجد في الكيمياء 12.000.000 مركّب عضوي وأزيد من 600.000 مركب معدني، أمّا المخاليط فلا عدد لها، ويفوق عدد المعادن المكتشفة في الطبيعة 4170 معدن، وقد وُضع لكلّ هذا تَسْمانِيات في اللغات الغربية وفق نظمها اللغوية والصرفية لتضبطه وتضبط زياداته المطّردة باستمرار، ووُضعت أيضا ضوابط لتسمية الأدوية والسموم حتى النفايات. فهل تقرّ المجامع اللغوية كلّ أسماء هذه الأنواع والمركّبات وغيرها لتصبح من صميم اللغة العربية وكيانها؟!
المنهجية التي اعتمدها الديوان هي أنّ المصطلح الموجود والموفّق في وضعه والذي انتشر وأصبح صميمة عربية يوظّف كما هو من دون تغيير، والمصطلح الذي وُضع وبقي حبيس الكتب والمعاجم يستردّه الديوان ويوظّفه مرّة أخرى، ولا يرى ضرورة لوضع مصطلح جديد إلاّ لمقابلة تلك المصطلحات الدخيلة الأعجمية والتي لم يجتهد أحد في وضع ما يقابلها في العربية، مثل. الاستراتيجية والإيبيستيمولجيا والفيلولوجيا والفيسيولوجيا واللوجستيك، ومثل هذا كثير. كما لا يقرّ الديوان المصطلحات الدعيّة التي كادت أنّ تتأصّل لشيوعها عند العامّة وقد تسربّ بعضها إلى مناهجنا الدراسية، مثل : بنطلون وزنبرك وقلاووظ وبوضة وباص وتلفزيون وبالون. أمّا طرائق الوضع فتقوم عنده على : الاقتياس والإلحاق والاقتصار والتبديل والنحت والاشتقاق والمجاز والاحتوال بأشكاله الثلاثة التثقيل والتخفيف والتحوير، وهي طرائق خرج بها عمّا هو مألوف عند المجامع اللغوية وما سارت عليه في توليد المصطلحات الجديدة للمعاني المستحدثة، لذلك سيجد المتصفّح لهذا الموقع الكثير من المصطلحات الغميسة والتي لم يعهدها من قبل.
كما يسعى الديوان أيضا إلى تتبّع الكلمات العربية في اللغات العالمية، لا سيّما ما كان في اللغتين الكلزية والفرنسية بالبحث والتقصّي والتقييد، ليبيّن تأثير العربية في الحضارات الإنسانية المختلفة، فالديوان يتبنّى النظرية العروبية في أصل اللغات التي تذهب إلى أنّ اللغات كلّها تعود إلى أصل واحد مشترك هو اللغة العربية، معتمدا على المناهج العلمية واللغوية في إثبات صدق هذه الدعوى التي قال بها بعض علماء العرب في العصر الحديث.
وخلاصة القول إنّ ديوان اللغة العربية سيقوم بحول الله وقوّته بإنجاز.
- معجم المصطلحات الكبير؛
- المعجم البصري؛
- العربية في اللغتين الفرنسية والكلزية.
والله ولي التوفيق.