معجم المصطلحات الكبير
بِنْيَوِية
اللغة والأدب

۞ يمكن تطبيق البنيوية في مفهومها العام على دراسة النظم اللغوية من حيث العناصر وأنماط تباينها وتركيبها، على نحو يعكس تأثير فرديناند دي سوسير. في مفهومها الضيّق، أو بشكل أكثر تحديدا، تطلق التسمية على مدرسة اللغويين البنيويين المرتبطة ببلومفيلد L. Bloomfield أكّد هذا النهج على تجزئة وتصنيف الوحدات اللغوية على المستويات النحوية والصرفية والصوتية بناءً على الشكل الخارجي للألفاظ بدلا من بِناها الأساسية، وهو الجانب الذي شكّل جزءا من نقد تشومسكي التفصيلي.

۞ البنيوية، بشكل عام تفترض أنّ كلّ النشاط الاجتماعي الإنساني ليس إلاّ ظواهر لأنظمة مستترة من القواعد المجرَّدة أو الأعراف التي تحكم الكيفية التي يرتّب البشر وجودهم في بِنًى هادفة، توجد هذه الأنظمة من القواعد على مستوى غير واعٍ، فعند صياغة جملة تعبيرية على سبيل المثال، لا يفترض أن يتلو المتحدّث مسبقا وبوعي القواعد النحوية والتركيبية التي تُبنى عليها الجملة، تماما مثلما لا يُستشار الكتاب عن الأعراف المتعلّقة بالملابس في حضور الجنائز. بشكل أساسي، فإنّ المبادئ الواردة في هذه الأنظمة هي مبادئ عامّة، وبالتالي فكلّ جوانب النشاط الاجتماعي، يمكن أن تتواجد فيه بِنًى عميقة شائعة في كلّ المجتمعات البشرية بصرف النظر عن المحدّدات التي تتميّز بها ثقافة عن أخرى. افتراض آخر للبنيوية يتمثّل في أنّ كلّ النشاط البشري هو بالأساس شكل من أشكال التواصل، وكذلك التواصل أمر ممكن تحديدا لأنّ الناس يلتزمون بالقواعد الأساسية. اللغة شكل من أشكال التواصل، وهي بالتالي محكومة بمجموعة من القواعد والأعراف في اليَوْع (اللاوعي). (التفسير الكتابي، دبليو. راندولف تاتي).

۞ البنيوية اتّجاه علماني في النقد والفكر والفلسفة، تَصوَّر واضعوها في بداية ظهورها أنّ هناك أبنية عقلية كلّية غير واعية في كلّ مجال من المجالات، مثل الأبنية الموجودة في نظام القرابة: الأب، الأمّ، الأخّ، الأخت، العم، الخال. واعتقدوا أنّ هناك أبنية عقلية كلّية غير واعية في الأدب والفلسفة والتِّياسة والثقافة. من أعلام البنيوية: كلود ليفي شتراوس (يعتبر أبو البنيوية)، وميشيل فوكو، ورومان بارت... وقد نشر شتراوس كتابه «المدارات الحزينة» سنة 1955م، وكان له أثر كبير في نشر البنيوية وانتشارها. لقد انصبّ عمل شتراوس وأبحاثه في التنقيب عن البنية العقلية للغة، واعتقد أنّه سيستطيع أن يتوصّل إلى الأبنية العقلية (ليس في اللغة فقط) ولكن في شتّى المجالات الأخرى، فطفق يبحث عن هذه الأبنية العقلية الكلّية غير الواعية ووعد بالبحث عنها والوصول إليها، منطلقا في ذلك المجال من منطق علماني لا يعتقد إلاّ في المعتقدات الماّدية العلمانية بعيدا عن الدين وبعيدا عن الغِيبياء (الميتافيزيقا) والغيبيات والنواحي الروحية. وقد اتّخذ اللغة ميدانا لأبحاثه ليطبّق ما يتوصّل إليه من نتائج على النواحي الأخرى. وبعد جهد وطول بحث قادته أبحاثه إلى غيبياء وغيبيات فأنهارت البنيوية... عندما اتّضح للمفكّرين العلمانيين في أوروبا أنّ أبحاث ليفي شتراوس قادته إلى غيب أو غيبياء حقيقية، انهالت عليه السهام من كلّ جانب، يسفّهون آراءه ويهاجمون البنيوية ويصفونها بالسخف، فأنهارت البنيوية وتبعتها مرحلة ما بعد البنيوية... كان انهيار البنيوية عند المفكّرين الأوروبيين يعني الانحياز إلى الأفكار التي تدعو إلى العودة لمجتمع مسيحي، وهي الأفكار التي تبنّاها ت. س. إليوت وغيره من المفكّرين، ويعني التراجع عن العلمانية من دون التخلّي عنها. (الثقافات والحضارات، محمد الجوهري حمد الجوهري).

تعليق

البنيوية كما تطبّق على الحديث الأدبي تُبنى على ثلاثة مفاهيم، اثنين من سوسير، وواحد من شتراوس، (1) التفرقة بين اللغة langue والكلام parole؛ (2) تعريف العلامة sign؛ (3) مفهوم التقابل الثنائي من حيث علاقته بمفهوم الأسطورة.

(1) اللغة والكلام : وَفْقا لسوسير، يعتمد المعنى على منظومة بنائية من الأعراف والعلاقات، وهو ما يشير إليه سوسير باللغة langue وعلى الحالات الفردية للكلام الفعلي، وهو ما يسمّيه بالكلام parole. الكلام يشير إلى فعل الكلام الهادئ والفردي المبني على منظومة من اليَوْع (اللاوعي) للأعراف والعلاقات الأدبية. الآن إذا ما حُكمت كلّ الأنشطة البشرية بمنظومة في اليوع، وإذا كانت كلّ هذه الأنشطة هي فعليا أشكال من التواصل، فقد نفترض أنّ العمل الأدبي هو شكل من أشكال التواصل، وبالتالي يُحكم بمجموعة من الأعراف أو القواعد الأساسية. وهذا، يمكن التعبير عنه بالمعادلة التالية:

 

986.jpg 

ولأن البِنى العميقة (الأعراف الأساسية الضمنية) شائعة في كلّ اللغات، يمكننا افتراض هذا كشكل للتواصل، وهناك كذلك بنى عميقة مشتركة داخل الأعمال الأدبية بشكل عام، وفي السرد القصصي بشكل خاص، ولأنّ الكلام هو مناسبة لحديث فردي، بناءً على المنظومة الضمنية الممكنة للغة، فالنص السردي هو تجسيد خاصّ مبني على المنظومة الممكنة للسرد. هذا يعني أنّ المجموعة المحدودة لأعراف السرد تتجاوز الثقافات والتقاليد الأدبية والزمان والمكان. كلّ التقاليد السردية تتشارك في الأعراف الأساسية نفسها، ومهمّة البنيوية الواضحة وهدفها، هو كشف النقاب عن هذه البِنى العميقة داخل السرد، الذي يولّد ما يُشار إليه بتأثير المعنى على القرّاء، ولأنّ كلّ السرد يوصل معناه خلال نظام مشترك للأعراف، اُستبدل الاهتمام بالمعنى النصّي الفردي بالاهتمام بتأثير النصّ على القرّاء. هذه البِنى تعمل على مستويات الكتابة والقراءة على حدّ سواء. كتّاب النصوص السردية هضموا هذه البنى العميقة، ليس هذا فحسب، لكنّ القرّاء الأكفاء قد هضموها أيضا. هذه هي الوسيلة الوحيدة الممكنة لفهم نصّ سردي.

وَفْقا لأنصار البنيوية، النصّ لديه ثلاثة مستويات لتأثير المعنى، ترتبط بأنواع البنية.

  • - المستوى الأوّل : هو بِنْية اللفظ enunciation، هذه البنية تُحدَّد بسمات مثل: قصد الكاتب، والإطار الحياتي للكاتب، والجمهور (وهذه اهتمامات الأسلوب النقدي التاريخي)؛
  • - المستوى الثاني : بِنى الثقافة، التي تتكوّن من جُفْرات محدّدة لشعب محدّد في زمن محدّد؛
  • - المستوى الثالث : تأثير المعنى، الذي يُحدَّد بالبِنى العميقة للنصّ والتي تتميّز بصفة العمومية في كلّ النشاط البشري.

على مستوى أي جنس أدبي لأيّ عمل أدبي مثل: السرد القصصي، فإنّ بِنًى سردية وإسطارية (ميثولوجية) تكون موجودة. أمّا بالنسبة لأنصار البنيوية الأكثر محافظة، تجتمع هذه المستويات الثلاثة لتأثيرات المعنى بما يصاحبها من بنى معا لتنتج تأثيرا مركّبا للمعنى، وبالتالي، النصوص بها إمكانية تعدّدية المعنى.

(2) العلامة وطابعها الثنائي : المفهوم الثاني لسوسير الذي يبني عليه البنيويون، هو العلامة sign وطابعها الثنائي، فيما يتعلّق باللغويات، زعم سوسير أنّ اللغة تتألّف من سلسلة من العلامات كلّ علامة تتكوّن من مؤشّر ومشار إليه. المؤشّر: هو «الموضوع المباشر لإدراك» كلّ علامة تتكوّن من مؤشّر ومشار إليه. على سبيل المثال، كلمة «وردة» هي علامة تشير إلى زهرة معيّنة في العالم الواقعي. المؤشّر: هو صوت كلمة «وردة» والمشار إليه هو الزهرة نفسها. ربّما تقول إنّ الزهرة في العالم الحقيقي يشار إليها بالمؤشّر «وردة». هذا يقودنا إلى نقطة مفصلية للبنيوية. المشار إليه ربّما ليس له معنى إشاري فحسب، وإنّما معنى تلميحي أيضا. على سبيل المثال، المؤشّر «وردة» قد يشير إلى الزهرة في العالم الحقيقي، أو إلى امرأة تشبه الوردة في الجمال. هذا إذا كان النصّ (السردي) ذاته علامة، فقد يكون لديه معنى إشاري وضمني. على المستوى الإشاري متوقّع أن نجد تجلّيات لقصد الكاتب. بينما على المستوى الضمني توجد من منظومة من اليَوْع (اللاوعي) عن الأعراف، والأعراف التي تسبق قصد الكاتب. في الواقع الأدقّ أكثر أن نتحدّث عن تعدّدية في مستويات المعنى الضمني.

في عمق النصّ هناك ثلاثة مستويات يحاول أنصار البنيوية التنقيب عنها: بنى السرد القصصي المشتركة في كلّ السرديات، لكنّها تتجلّى ثقافيا على المستوى السطحي الخارجي. وبِنًى إسطارية عامّة، والعالم السيميائي (السيمانطيقي) للكاتب، أي منظومة الأعراف التي يُبنى عليها عمل الكاتب. المستوى الأدنى يمكن الوصول إليه فقط من خلال تحليل بِنَى السرد والبنى الإسطارية. كلّ سرد له سلسلة من ثلاثة تتابعات. التتابع الأوّل، هو الأزمة التي تصف بعض الخلل في النظام الاجتماعي، ثمّ يلي التتابع الأوّل الحبكة، التي تتألّف من تتابع أو تتابعين موضوعيين، وتتضمّن محاولات لاستعادة النظام الاجتماعي. وفي التتابع الأخير تأتي الانفراجة dénouement، حيث ينجح البطل في استعادة النظام الاجتماعي. صياغة هذه التتابعات تختلف على المستوى السطحي من سرد إلى آخر، بناء على المحدِّدات الثقافية، لكن على المستوى الأعمق من النصّ، هذه المستويات الثلاثة موجودة دائما. كلّ من هذه التتابعات قد يتضمّن حتّى إلى ستّة أدوار، يدعونها أنصار البنيوية الفاعلين actants. الفاعلون تجمعهم علاقة من ثلاثة محاور مختلفة. المرسل يرسل شيئا إلى المستقبِل، والشيء يُحمل إلى المستقبِل بواسطة الفاعل، وفي النهاية قد يحصل الفاعل على مساعدة من مساعدين، وقد يُحبط من مقاومين. العلاقات بين الفاعلين يمكن أن تمثّل بالشكل التالي: كلّ سرد يمكن دراسته كسلسلة من التتابعات من خلال استعمال أشكال توضيحية كالشكل السابق.

(3) البِنى الإسطارية والتقابل الثنائي : بالإضافة إلى دراسة البنى المستوطنة للسرد، يتعمّق أنصار البنيوية أكثر في محاولة لتحديد وجود بنى إسطارية. قد تتضمّن السردية عناصر أسطورية حتّى وإن كانت أسطورية بالمعنى العام، وبالتالي قد يتضمّن السرد عناصر أسطورية حتّى إذا كان السرد (على عكس الأسطورة المحضة) يمثّل حجّة منطقية واعية. يوظّف البنيويون فكر ليفي شتراوس Lévi-Strauss بأنّ الأساطير هي محاولات للتعامل مع تقابلات ثنائية binary oppositions مترسّخة في الوجود الإنساني. هذه التقابلات الأساسيىة لا يمكن التوسّط بينها منطقيا. بعض هذه التقابلات: الحب\ الكراهية، الحياة\ الموت، الشباب\ الشيخوخة، الخطيئة\ البرّ. تحاول الأساطير التوسّط بين هذه التقابلات بتقديم تقابلات متوازية متناسبة مع التقابلات الثنائية وقادرة على التصالح. يسعى أنصار البنيوية إلى كشف النقاب عن هذه البنى الأسطورية، وبترتيبها في ترتيب نسقي يكتشفون العالم السيميائي للكاتب (أي المنظومة الأساسية للأعراف التي يعمل الكاتب وَفْقا لها). (التفسير الكتابي، دبليو. راندولف تاتي).

مصطلح قريب

لغة كلزية

structuralism
لغة فرنسية

structuralisme
مراجع

  • التفسير الكتابي، اتباع نهج تكاملي. دبليو، راندولف تاتي. ترجمة الربيز: عادل زكري. مكتبة دار الكلمة، 2017م. القاهرة، مصر.
  • الثقافات والحضارات، اختلاف، النشأة والمفهوم. الربيز: محمد الجوهري حمد الجوهري. الدار المصرية اللبنانية، الطبعة الأولى، محرّم 1430، يناير 2009م. القاهرة، مصر.
  • vitrinelinguistique.oqlf.gouv.qc.ca/fiche-gdt/fiche/18047083/structuralisme

كلود ليفي شتراوس 1973م، (يعتبر أبو البنيوية). مصدر الصورة: ويكيبيديا.