معجم المصطلحات الكبير
اِحْتِوال لُغَوي
الاصطلاح

تغيير يلحق الاسم في العربية فينقله من شكل لفظي إلى شكل لفظي آخر، مع وجود مناسبة لغوية ولو ضئيلة تجمع بين الكلمة المُحْتولة وأصلها. ونجد في الاحتوال التخفيف والتثقيل والتحوير والتبديل. يوجد في العربية الكثير من الأحكام اللغوية التي تؤدّي إلى تغيّر الألفاظ، فيقولون على سبيل المثال، الدمْرص وهو الأبيض البرّاق مخفّفة عن الدُّمارِص، وكلمة النعنع مقصورة عن النعناع، والزمن من الزمان، والمنافق من النافقاء، وأمعن مقلوبة عن أنعم، وبتتبّع أصناف هذه الكلمات نستطيع أن نخرج بنتيجة مفادها أنّ تحويل الكلمات من صيغة إلى أخرى ومن شكل إلى شكل آخر أمر مطّرد في العربية، وأنّ العرب يتصرّفون في لغتهم بسعة كبيرة، فيزيدون في الكلمات ويُنقصون، ويقلّبون ويحوّرون، وأنّ العربية فيها من المرونة والطواعية ما يجعلنا نُقبل على توليد الألفاظ للمعاني الجديدة بثقة واطمئنان كبير، ومن هذا الباب ما ذكره ابن فارس أنّه سمع من يثق به يقول إنّ العرب تُشوّه صورة اللفظ وتقبّحها لمقابلة مثل ذلك في المعنى، كقولهم للبعيد ما بين الطرفين المفرط الطول: طِرِمّاح وإنّما أصله من الطرح، وهو البعيد، لكنه لمّا أُفرط طوله سُمّي طرمّاحا، ومثل ذلك كثير في أبواب الصفات. ولعلّ الاحتوال هو الكلمة المناسبة لتأدية هذه المعاني مجتمعة، وهو نقل الكلمة العربية من صورة لفظية إلى صورة لفظية أخرى، وذلك بزيادة حرف من حروف اللين التي تقوم عليها الصيغة في العربية أو إنقاصها أو تبديل حركات الكلمة، فإنّ كان التحويل بالزيادة سُمّي تثقيلا، وإن كان بالحذف والإسقاط سُمّي تخفيفا، وحين يقترن التحويل بتغيير حركة بأخرى يُسمّى حينئذ تحويرا، على أنّ تكون هناك مناسبة ولو ضئيلة في المعنى بين الكلمة المحتولة وأصلها، أمّا التبديل فتغيير يلحق الصيغة بعد تجريدها من زوائدها للوصول بها إلى مادّتها الأصلية ثمّ تُصاغ من هذه المادّة كلمة جديدة فيها شيء من معنى الكلمة الأصلية، كقول العرب قديما الإثمد من الثمد وهو الماء القليل لأنّه يُؤخذ قليلا قليلا ويُكتحل به، والأُمْهُجان وهو الماء الصافي من المُهْجة التي هي خالص النفس والندوة من الندي، ولعلّ التصغير نوع من الاحتوال مع ارتباط معنى الكلمة بأصلها المُصغّر.

كما يُمكن إدراج الكثير من الظواهر اللغوية المعروفة في العربية في باب الاحتوال مثل القلب والإلحاق وجمع التكسير وتصغير الترخيم، ولعلّ العدل هو أقربها إلى مفهوم الاحتوال كما عُرّف آنفا، والعدل هو نقل الاسم من حالة لفظية إلى حالة لفظية أخرى، إلاّ أنّه قد ضُبط بضوابط محدّدة، ففي اسم العلم وزنان، فُعَل وفَعَال معدولان عن فاعِل وفاعِلة، مثل عُمر معدولة عن عامِر، وكَذاب معدولة عن كاذِبة، وللعدل في الصفات ثلاث صيغ، فُعَل معدولة عن فَعْلاوات، مثل جُمَع معدولة عن جَمْعاوات، وفُعال ومَفْعَل في الأعداد من واحد إلى عشرة، مثل أُحاد، ثُناء، ثلاث... ومَوْحَد ومَثْنى ومَثْلَث...  والغرض من العدل تخفيف اللفظ باختصاره غالبا، أو لتخفيفه وتمحّضه للعلمية فيبتعد عن الوصفية، مثل: زُفر المعدولة عن زَافِر لاحتمالها الوصفية قبل العدل، فظاهرة الاحتوال في العدل واضحة جلية وشيء من العربية في الصميم، وعلى هذا يُمكن اعتبار العدل احتوالا، والاحتوال عدلا موسّعا من دون ضوابط. وبتوظيف الاحتوال في مجال وضع المصطلحات سنتجاوز صعوبات كثيرة، ونتمكّن من إنماء ثروتنا اللفظية، ومن تدقيق المعاني العلمية المختلفة، واصطناع القواعد التصنيفية للأنواع المتشابهة، ويُمكن تبيان ذلك على النحو التالي: يوجد في اللغات الغربية مصطلح «plagioclase» وهو اسم معدن شائع جدا في الصخور المُهلية، يتميّز بِطُرَقِهِ (جمْع طُرْقة: twin) المتكرّرة التي تبدو تحت المجهر كأنّها شرائط بيض وسود تجعل العين لا تُخطئ أبدا التعرّف عليه، وبالاعتماد على هذه الصفّة وجعلها علّة التسمية، وبالرجوع إلى المعجمات العربية نجد كلمة «بُرْجُد» فيها شيء من هذا المعنى، والمُراد به في اللغة كساء مخطّط من أكسية الأعراب وهي كلمة عربية صحيحة صريحة العروبة مأخوذة من بُرْد وبِجاد، ومن دون استعمال المجاز على اعتبار أنّ هذه الكلمة غريبة ويُمكن توظيفها من جديد، فإن الاحتوال سيمكّننا من تسمية هذا المعدن والإبقاء على أصل الكلمة من دون إضافة معنى جديد لها، فنقوم بتحوير كلمة «البُرْجُد» إلى كلمة أخرى هي «البَرْجَد» بفتحتين وسكون بينهما، لندلّ بهذه الكلمة المحوّرة على هذا المعدن الذي يُشبه البُرْجُد في تخطيطه الأبيض والأسود، كما يُمكن أن نُقابل «plagioclasolite» وهو الصخر الذي يتألّف أساسا من هذا المعدن «بالبَرْجاد أو البِرْجِيد» وذلك بتثقيل كلمة البَرْجَد.

مراجع

  • الصرف. تأليف الأستاذ الربيز : حاتم صالح الضامن. كلّية الدراسات الإسلامية والعربية. دبي.