معجم المصطلحات الكبير
بُولَس
الأديان

ثاني أهمّ شخصية في المسيحية بعد عيسى ابن مريم عليهما السلام، له شأن عظيم فيها، فهي تنسب إليه أكثر ممّا تنسب لأحد سواه، فرسائله هي التي شرحت المسيحية، وقد كان نشاطه كبيرا وتطوافه في الأقاليم مشرقا ومغربا، حيث أقام الكنائس في أنحاء غرب المتوسّط، لا سيّما في المراكز الحضرية، عبر إقناع الرومان الوثنيين أتباع الديانات الشركية داخل العاهلية، أنّ إله اليهود هو الإله الوحيد المستحقّ للعبادة، وأنّ يسوع كان ابنه الذي مات من أجل خطايا العالم، وأنّه سيعود قريبا للدينونة على الأرض. وقد تأثّر به المسيحيون تأثّرا عظيما، فاحتذوا حذوه، وسلكوا مسلكه، واعتبروه القدوة الأولى، فتعرّفوا أخباره وأقواله، ممّا ألقاه في الجموع وتناقلوه، وممّا دوّنه في رسائله، التي كانت هي الرسائل التعليمية بما اشتملت عليه من مبادئ في الاعتقاد، وبعض الشرائع العملية، وأصبح جزء من المجتمع المسيحي ينظر إلى ما كتبه على أنّه كتابات مقدّسة. زهاء ثلاث عشرة رسالة كتبت باسمه أصبحت جزءا من الإنجيل، على الرغم من أنّ الأناجيل لا تسلّط الضوء إلاّ على عيسى عليه السلام إلاّ أنّ الإنجيل نفسَه متأثّر ببولس، ذلك أنّ رسائل بولس في الواقع ليست سوى النصوص الأولى للعهد الجديد، لأنّها كتبت بين سنة 50 و60 للميلاد، بينما لم تكتب أناجيل العهد الجديد التي وصلت إلينا إلاّ بين 70 و110 للميلاد، أي أنّ مؤلّفي الأناجيل تأثّروا برسائل بولس التي كتبت قبلهم، وتشرّبوا أفكاره وتأويلاته لأعمال عيسى عليه السلام. لا شكّ أنّ مفاهيم بولس الشِّرْكية قد طغت على الأناجيل، وانتصرت نظرته على كلّ ما فعله المسيح على الأرض، جاء مرقص أوّلا ثم تلاه متّى، ثم لوقا، ثمّ يوحنّا، وعندما صدر إنجيل متّى، فإن بولس كان قد مضى على وعظه ودعوته ما يناهز العشرين عاما. لقد كانت هناك تفسيرات مختلفة عن تفسيرات بولس تتماشى مع المسيحية الأولى، غير أنّ هذه التفسيرات أزيلت، واُتّهم أصحابها بالكفر، عندما ثبّتت الكنيسة قائمة الكتابات التي صارت تعرف بعد ذلك بالعهد الجديد.

يُعرف بولس باسم بولس الرسول، أي أنّه رسول المسيح إلى الأمم، كما يعرف أيضا باسم بولس القديس. اسمه الحقيقي شاول أو شاوول أو شاؤول، وهو يهودي الأصل إلاّ أنّ بعض اليهود ينكرون انتسابه إليهم، كان مولده في طرسوس في آسيا الوسطى بعيدا عن القدس، لذلك يُسمّى أيضا عند المؤرّخين بشاول الطرسوسي، وقد جاء في سفر أعمال الرسل تفصيلا لحياته، حيث أخذت الشطر الأكبر من هذا السفر، فهو يبحث عن سياحاته الطويلة وجهوده ومتاعبه، وأعمال الرسل كتبها لوقا أحد أتباع بولس، ويُعتقد أنه صديق لبولس من الأمّيين أي ليس يهوديا، لم تُتَح له فرصة الالتقاء بعيسى عليه السلام، والجزء الأوّل من كتابه حول المسيحية المبكّرة هو الذي يحتوي على كتاب الأعمال. في الفقرة الثالثة من الإصحاح الثاني والعشرين، نقرأ هذا القول عن بولس: «إنّني رجل يهودي، ولدت في طرسوس كِيلِيكِيَّه، ولكنّي ربّيت في هذه المدينة (القدس) مُؤدَّبا عند رِجْلَي غمالائيل على تحقيق الناموس الأبوي»، ولقد جاء أنّه من الفريسيين الذين يقولون إنّ هناك قيامة يشاركون فيها ملك المسيح في الدنيا، فقد جاء في الإصحاح الثالث والعشرين: «ولمّا علم بولس أن قسما منهم صدوقيون، والآخرون فريسيون» صرّح في المجمع «أيّها الرجال الإخوة: أنا فريسي بن فريسي على رجاء قيامة الأموات، أنا أحاكم».

نجد كتّاب المسيحية متّفقين على أنّه من اليهود، ولكن جاء في سفر أعمال الرسل أيضا ما يدلّ على أنّه روماني، ففي آخر الإصحاح الثاني والعشرين ما نصّه: «فلمّا مدّوه للسياط قال بولس لقائد المئة الواقف: أيجوز لكم أن تجلدوا إنسانا رومانيا غير مقضي عليه، فإذا سمع قائد المئة ذهب إلى الأمير وأخبره قائلا: أنظر ماذا أنت مزمع أن تفعل، لأنّ هذا الرجل روماني. فجاء وقال له: قل لي أنت روماني؟ فقال: نعم، فأجاب الأمير: أمّا أنا فبمبلغ كبير اقتنيت هذه الرعوية، فقال بولس: أمّا أنا فقد ولدت فيها، وللوقت تنحّى عنه الذين كانوا مزمعين أن يفحصوه، واختشى الأمير، لمّا علم أنّه روماني، ولأنّه قيّده». تعني الرعوية الرومانية أنّ لشاول الحق في التمتّع بجميع حقوق المواطن الروماني: له الحق أن لا يحكم عليه بالجلد قصاصا، ولا يقبض عليه إلاّ في كبائر الأمور، وله الحق أيضا في استئناف دعواه من الحكّام إلى عاهِل روما. تعلّم بولس صناعة الخيام ونسجها، وكانت هذه الصناعة رائجة في بلدته طرسوس، ولكن ليس بالضرورة أن تكون هي مورد معيشته. كان بولس في صدر حياته من أشدّ أعداء المسيحية، وأبلغهم كيدا لها، وأكثرهم إمعانا في أذى معتنقيها، جاء في سفر الأعمال في مواضع كثيرة منه. ففي الإصحاح الثامن منه، «وحدث في ذلك اليوم اضطهاد عظيم على الكنيسة التي في أورشليم فتشتّت الجميع في كور اليهودية والسامرة ما عدا الرسل، وحمل رجال أتقياء استفانوس، وعملوا عليه مناحة عظيمة، وأمّا شاول فكان يسطو على الكنيسة وهو يدخل البيوت، ويجرّ رجالا ونساءً، ويسلّمهم إلى السجن». وجاء في أوّل الإصحاح التاسع: «أمّا شاول فكان لم يزل ينفث تهديدا وقتلا على تلاميذ الرب، فتقدّم إلى رئيس الكهنة، وطلب منه رسائل إلى دمشق إلى الجماعات حتّى إذا وجد أناسا من الطريق رجالا أو نساء يسوقهم موثقين إلى أورشليم».

يذكر سفر الأعمال أنّ شاول الطرسوسي الذي كان يكيد للمسيحية ويؤذي أهلها، انتقل من الكفر إلى الإيمان فجأة من غير مقدّمات، ولا تمهيدات مهّدت له، وأبعد من ذلك، فقد أصبح نبيا أو رسول الأمّيين. يقول في الإصحاح التاسع: «في ذهابه حدث أنّه اقترب إلى دمشق، فبغتة أبرق حوله نور من السماء، فسقط على الأرض، وسمع صوتا قائلا له: شاول شاول: لماذا تضطهدني. فقال من أنت يا سيّد؟ فقال: أنا يسوع الذي أنت تضطهده، صعب عليك أن ترفس مناخس، فقال وهو مرتعد متحيّر: يارب ماذا تريد أن أفعل. فقال له الربّ: قم وادخل المدينة، فيُقال لك ماذا ينبغي أن تفعل». دخل بولس في المسيحية، وحاول أن يتّصل بتلاميذ المسيح، ولكنّهم لم يصدّقوا إيمانه، وأوجسوا منه خيفة، فشهد له برنابا بالإيمان، وما حدث له في الطريق، فقد جاء في الإصحاح التاسع أيضا من السفر المذكور، «ولمّا جاء شاول حاول أن يلتصق بالتلاميذ، وكان الجميع يخافونه غير مصدّقين، فأخذه برنابا، وأحضره إلى الرسل، وحدّثهم كيف أبصر الربّ، وأنّه كلّمه، وكيف جاهر في دمشق باسم يسوع». أصبح بولس الداعية للمسيحية الذي لا يكلّ، وقد اصطحب معه برنابا في رحلاته، حتّى اختلفا فافترقا. وحسب ما في سفر الأعمال 15 (41-36) أن سبب الخلاف بينهما كان بخصوص يوحنا مرقس، فرأى خالُه بَرنابا أن يأخذاه معهما في سفرهما للدعوة، ورأى بولس أن لا يرافقهما في سفرهما، فتشاجرا وافترقا فراقا لا لقاء بعده، حيث نقرأ ذلك فيما يلي: «(39) فحصل بينهما مشاجرة حتّى فارق أحدُهما الآخر، وبرنابا أخذ مرقس وسافر في البحر إلى قبرس (40) وأمّا بولس فاختار سيلا وخرج مستودعا من الإخوة إلى نعمة الله (41) فاجتاز في سورية وكِيليكية يشدّد الكنائس». يقول الربيز، محمّد أحمد ملكاوي: هذا الذي ذكره لوقا تلميذ بولس هو اختراع منه، في محاولة لإخفاء السبب الحقيقي في الخلاف والافتراق، فذِكْر الشجار بينهما وافتراقهما جاء بعد ذِكْر رسالة المجمع الأورشليمي في الإصحاح الخامس عشر نفسه من سفر الأعمال، وهو يدلّ على أن خلافهما نشأ فور وصولهما إلى أنطاكيا، عندما بدأ بولس ينسخ أحكام التوراة علنا غير مقيم وزنا لتعاليم الحواريين والتلاميذ ومنهم برنابا. ويلاحظ هنا تعصّب كاتب سفر الأعمال لبولس ضد برنابا، فقال إنّ برنابا سافر إلى قبرس، وأمّا بولس فخرج مُستوْدَعا من الإخوة إلى نعمة الله ليشدّد الكنائس، ولا يخفى ما في هذا القول من تحقير وتهوين لشأن بَرْنابا.

بعد مشاجرة بولس وبرنابا وافتراقهما في أنطاكيا سوريا، خرج بولس وبرفقته سيلا واتّجها إلى طرسوس، ثمّ إلى دَرْبة، ثمّ إلى لِسْترة، وفي لسترة التقى بولس بتيموثاوس، ثمّ واصل سفره إلى أيقُنِية وأنطاكيا بيسيديا، وفريجيا، وكورة غلاطيا ومِيسِيّا، حتّى وصل إلى تَرُواس على الأرخبيل (الدردنيل وبحر إيجه) ثمّ بدأ سفره إلى أوروبا حتّى وصل إلى فيلبّي التي هي أوّل مدينة في مقاطعة مقدونيا وهي كولونيا. وفي مدينة فيلبّي سجن بولس وسيلا، وضربا بالعصي بسبب إحداثهما بلبلة في المدينة، ثمّ سافرا إلى تسالونيكي بعد خروجهما من السجن، وبدأ بولس بنشر أفكاره وتعاليمه، فهاج عليهما الناس فاختبآ في بيت ياسون، وفي الليل هربا إلى بيريّا، وهناك هاج عليه الناس مرّة أخرى، فترك فيها سيلا وتيموثاوس وهرب وحده إلى أثينا، وفي أثينا التقى بالفلاسفة الذين يقدّسون الأوثان، ثمّ أُخذ بولس إلى المحاكمة في أريوس، لكن الأثينيين قابلوه بالاستهزاء والسخرية، فلم يكمل خطابه، ولم يسمعوا لوعظه فسافر إلى كورنثوس الواقعة غربي أثينا، وفيها ضافه يهودي بُنْطي الجنس اسمه أكيلا، وامرأته اسمها بِرِيسْكِلا، وهما إيطاليان طردهما حاكم روما، فسكنا كورنثوس، وعندهما أقام بولس، ثمّ لحقه سيلا وتيموثاوس، وبقي الجميع فيها مدّة سنة ونصف السنة، ثمّ شُكي على بولس، فخرج منها مسرعا باتجاه كَنْخِريا، وهو ميناء كورنثوس على بعد 10 إقاس شرقي المدينة، وفيها حلق رأسه لأنّه كان عليه نذر ديني خصوصي نذره، وكان قد طال شعره كثيرا. ومن كنخِريا ركب بولس إلى أفسس، ومنها إلى قيصرية فأورشليم، حيث حضر فيها أعمال العيد اليهودي، ففي سفر أعمال الرسل 18 (21): «بل ودّعهم قائلا: ينبغي على كلّ حال أن أعمل العيدَ القادم في أورشليم». يقول الربيز، محمّد أحمد ملكاوي: «صرّح نفسه بوجوب حضوره العيد في أورشليم، وكان عليه نذر ديني يهودي خصوصي، فحلق شعره الطويل قبل سفره إلى أورشليم، وأسرع بالعودة إليها لكي يصلها قبل مضي أيّام الذبيحة الواجبة بعد الحلاقة، وكلّ ذلك دليل على تمسّكه بالطقوس اليهودية، فبالجزم يكون قد دخل أورشليم متخفّيا وعمل الطقوس اليهودية فيها سرّا، ولم يظهر فيها للحواريين والتلاميذ، والأغلب أن يكون قدّم للمجمع اليهودي (السنهدريم) في أورشليم تقريرا وافيا عن عمله في إفساد دين المسيح عليه السلام وأغرائه الأمم بالدخول في دينه». بعد خروج بولس من أورشليم عاد إلى أنطاكيا مُنهيا بذلك رحلته الثانية في الدعوة للدين الجديد، والتي استغرقت ما بين عامي 51-53م.

بدأت رحلة بولس الدعوية الثالثة بالطريق نفسه الذي سلكه في رحلته الثانية، حيث خرج من أنطاكيا سورية إلى مدن كورة غلاطيا وفريجيا، ثمّ مدينة أَفَسُس، وهي من المدن الكبيرة في آسيا الصغرى، كان أهلها مجمعين على عبادة الأصنام، فوعظهم بولس ثلاث سنين، ولم ينجح في اجتذابهم إلى دينه الجديد، بل هاج عليه الناس، حتّى اضطرّ لمغادرة أفسس، وتوجّه إلى مقدونيا، وجال في عدّة مدن حتّى وصل إلى ميليتس، فبعث واستدعى أتباعه في أَفَسُس وخطب فيهم خطبة تكلّم فيها كثيرا عن نفسه، ثمّ حذرّهم من اتّباع أي تعليم آخر، فقال: «لأنّي أعلم هذا أنّه بعد ذهابي سيدخل بينكم ذئابٌ خاطفة لا تُشفِق على الرعّية، ومنكم أنتم سيقوم رجال يتكلّمون بأمور ملتوية ليجتذبوا التلاميذ وراءهم». (29-30)، ثمّ ودّع أتباعه في ميليتُس، وسافر بحرا حتّى وصل إلى قيصرية ثمّ سافر إلى أورشليم.

عندما رجع بولس بعد رحلته الثالثة ووصل إلى أورشليم سنة 58 للميلاد، سمع بوصوله اليهود، وأنّه ما يزال مصرا على نشر أفكاره بنسخ الختان وسائر طقوس التوراة، فثارت ضدّه ضجّة وبلبلة عظيمة، فأراد أن يثبت لهم بولس أنّه ما يزال يهوديا متمسّكا بالناموس، وأنّ القول بنسخ أحكام التوراة العملية، إنّما هي لغاية في نفسه خفيت على الكثير من اليهود، ولا يستطيع أن يصرّح بها علنا. وهي بلا شكّ محاربة عيسى عليه السلام ومحاربة تعاليمه وتشويهها عند الأمم الأخرى غير اليهودية، فلمّا حان موعد الحلق والذبح حلق رأسه وقدّم الذبائح على سنّة اليهود. وفي الغد أخذ بولس الرجال وتطهّر معهم وذهب معهم إلى الهيكل، واشترى الحيوانات للذبيحة، واخبر الكاهن بأنّ أيّام نذرهم قد تمّت وأنّه اشترى الحيوانات وقصده أن يشاركهم في نذرهم بانتظاره إلى حين تقديم الذبيحة، وحلق شعره وحرقه على المذبح. إلاّ أنّ ما قدّمه بولس لم يكن ليقنع بعض اليهود، وربّما وصفوه بالنفاق، وقد هاج ضدّه جموع اليهود القادمون إلى الهيكل من آسيا، حتّى قبضوا عليه بتهمة محاربة الناموس الموسوي وتدنيس الهيكل، وضربوه ضربا شديدا بقصد إزهاق روحه، ولم ينقذه من بين أيديهم سوى أمير العسكر المتمركزين في الحصن الملاصق للهيكل، فحجز عنه الناس وقيّده وساقه إلى المعسكر، ثمّ طلب من أمير العسكر أن يخطب في الناس، فأذن له فخطب بالعبرانية، وممّا قاله، إنّه ولد يهوديا وتعلّم العلم اليهودي في أورشليم عند رِجْلي غمالائيل، وكان غيورا، ولم يكن في كلامه شيء يدل على احتقار الناموس والهيكل، لكنّ الجمهور الثائر أبكمه وطرحوا ثيابهم وأثاروا عليه الغبار، فأمر الوالي ليسياس أن يأخذوه إلى المعسكر ويجلدوه، ولمّا قال لهم بولس إنّه روماني حلّوه من قيوده ولم يضربوه، وفوّض الأمير محاكمته إلى مجمع اليهود في أورشليم. فأمر حنانيا رئيس الكهنة بضرب بولس على فمه فضربوه، فتلوّن بولس حسب اقتضاء المقام، جاء في سفر الأعمال 23 (6-8): «ولمّا علم بولس أن قسما منهم صدوقيون والآخر فريسيون صرخ في المجمع أيّها الرجال الإخوة: أنا فريسي ابن فريسي، على رجاء قيامة الأموات أنا اُحاكم، ولمّا قال هذا حدثت منازعة بين الفريسيين والصدوقيين وانشقّت الجماعة، لأنّ الصدوقيين يقولون إنّه ليس قيامة ولا مَلاك ولا روح، وأمّا الفريسيون فيقرّون بكلّ ذلك».

لمّا علم أمير العسكر بانشقاق المجمع اليهودي في أمر بولس ومحاولة قتله، أرسله مع الجنود إلى فِيلِكس والي قيصرية، وكانت زوجته دُرُوسلاّ يهودية فاحتفظ ببولس مسجونا عنده في قيصرية سنتين، ثمّ أوتي بحاكم جديد لقيصرية هو فَسْتوس، فجاء أغريباس ملك خلكس وهي بلاد واقعة شرقي أنطاكيا ونهر العاصي، إلى قيصرية لتهنئة فستوس بالولاية، فسمع ببولس ودعوته، فرغب في رؤيته والسماع منه، فجيء به إليه وكلّمه، فبرّأ بولس نفسه من تهمة الهرطقة ضد الناموس اليهودي، ولم يخالف اليهود إلاّ في قوله: إنّ الوعد العظيم لليهود من الله قد تمّ وكمل بعيسى، فيسوع الناصري هو المسيح الموعود لا آخر غيره، وأنّ المسيح أرسله رسولا إلى الأمم، وهنا لم يستطع الوالي فَسْتوس الصبر وعارضه، حسبما جاء في أعمال الرسل 26 (34): «وبينما هو يحتجّ بهذا قال فستوس بصوت عظيم: أنت تهذي يا بولس. الكتب الكثيرة تحوّلك إلى الهذيان». ثم أرسل الواليان بولس إلى روما ليحاكم عند أغسطس قيصر، فوصلها في سفينة سنة 61 للميلاد، فجُعل عليه حرس في سجن خاص، وبعد ثلاثة أيّام سُمح له بالاجتماع بيهود روما، فخطب فيهم، وتأخّرت محاكمته في روما سنتين، وعند هذا الحدّ من سيرته انتهى سفر أعمال الرسل.

هناك حلقة مفقودة، فسفر الأعمال لم يبيّن على من تلقّى بولس مبادئ المسيحية التي أخذ يبشّر بها، ولعلّ المسيحيين يعتقدون أنّه ليس في حاجة إلى التلقّي من أحد، لأنّه انتقل من مرتبة الكافر المناوئ للدين إلى مرتبة النبي الرسول، وصار ملهما ينطق بالوحي، فالوحي قد كفاه مؤونة الدرس والتعلّم. كان بولس يزعم أنّ نظرياته ليست افتراء أو اجتهادا شخصيا، إنّما هي الوحي الذي أنزل عليه، فرؤاه الصوفية أهمّ من معرفته الشخصية لعيسى عليه السلام أيّام حياته على وجه الأرض. لا يعرف تاريخ ميلاد بولس على وجه اليقين فهو لم يرَ المسيح عليه السلام أبدا، ولم يعرفه، ولم يسمع منه أو من حوارييه، وكان يدّعي أنّه يرى عيسى بعد بعثه، وأقدم إشارة إليه في الإنجيل هي ظهوره بعد رفع المسيح عليه السلام كأحد أعداء اليهود المسيحيين الأوائل، أمّا عن وفاته، فقد بقي بولس مسجونا في روما سنتين، ثمّ أطلق سراحه، وربّما كان ذلك بتأثير زوجة العاهل نيرون اليهودية، وقد اُختلف في وقت موته، فذهب بعضهم إلى أنّ نيرون قتل بولس صلبا بعد صفعه وحلق لحيته، وذلك في سنة 64 للميلاد، حيث اتّهم نيرون النصارى بحرق روما. وذهب بعضهم الآخر إلى أنّه أُطلق من حبسه في روما، فذهب إلى إسبانيا، ثمّ أعدم بعد عودته. يقول «هيام ماكوبي» في هذا الشأن: تزعم أساطير الكنيسة أنّه مات شهيدا في روما، وهذا ما ليس له دليل تاريخي أبدا. ومن الأرجح أنّه عاش في روما حتّى سنّ متقدّمة وشيّد كنيسته وكرّس لها وقته وحذقه والمال الذي نهبه، أمّا الأناجيل وأعمال الرسل فلا تذكر شيئا عن دعوى استشهاده على يد الجنود الرومان.

اكتشف برنابا زيف بولس ونواياه في إبطال دعوة المسيح عليه السلام، فألّف إنجيله، حيث يقول في مقدّمته: «أيها الأعزاء، إنّ الله العظيم العجيب قد افتقدنا في هذه الأيام الأخيرة بنبيه يسوع برحمة عظيمة؛ للتعليم والآيات التي اتخذها الشيطان ذريعة لتضليل كثيرين بدعوى التقوى، مبشِّرين بتعليم شديد الكفر، داعين المسيح ابن الله، ورافضين الخِتان الذي أمر به الله دائما، مجوِّزين كلَّ لحم نجس، الذي ضلّ في عدادهم أيضا بولس الذي لا أتكلَّم عنه إلاّ مع الأسى، وهو السبب الذي لأجله أُسطِّر ذلك الحق، كما رأيتُه وسمعته أثناء معاشرتي ليسوع، لكي تخلصوا ولا يُضلّكم الشيطان، فتَهلِكوا في دينونة الله، وعليه فاحذروا كلَّ أحد يُبشِّركم بتعليم جديد مضادٍّ لما أكتبه؛ لتخلصوا خلاصا أبديا، ولكن ليكُن الله العظيم معكم، وليحرسكم من الشيطان، آمين». كما يتحدَّث برنابا عن مدى الاضطراب الذي أحدثه القول بألوهية عيسى وأسبابه، فيقول: «وحدَث في هذا الزمن اضطراب عظيم في اليهودية كلّها لأجل يسوع؛ لأنّ الجنود الرومانية أثارت بعمل الشيطان العبرانيين، قائلين: إنَّ يسوع هو الله، قد جاء ليفتقدَهم، فحدثت بسبب ذلك فتنةٌ كبرى، حتى إنّ اليهودية كلّها تدججت بالسلاح مدة الأربعين يوما، فقام الأب على الابن، والأخ على الأخ؛ لأنّ فريقا قال: إنَّ يسوع هو الله، قد جاء إلى العالَم، وقال فريق آخر: كلاّ بل هو ابن الله، وقال آخرون: كلاّ؛ لأنّه ليس لله شبهٌ بشري، ولذلك لا يلد، بل إنَّ يسوع الناصري نبي الله، وقد نشأ هذا عن الآيات العظيمة التي فعلها يسوع الناصري نبي الله».

يرى «هيام ماكوبي» Hyam Maccoby (1924-2004) وهو باحث يهودي بريطاني، وكاتب مسرحي، ومتخصص في دراسة التقاليد الدينية اليهودية والمسيحية، أنّ بولس:

(1) لم يكن حاخاما فريسيا على الإطلاق، بل كان مغامرا من أصل غير واضح، ربّما هيلينيا، لم يعرف اليهودية إلاّ في فترة متأخّرة من حياته وبشكل سطحي، وقد كان في خدمة الصدوقيين، يمارس مهمّات أمنية شُرَطية لخدمة الراهب الأكبر، وذلك قبل اعتناقه المسيحية، وقد شوّه بولس سيرة حياته عمدا ليزيد من نشاطه التبشيري، أمّا الزعم الذي يذهب إليه بولس بأنّه كان فريسيا، فقد أراد من خلاله تلميع صورته وتحسينها، يومها لم يكن لكلمة فريسي دلالة سيئة أو معنى مشين، كما جرى على ذلك المعنى في القرون الوسطى والعصور الحديثة، فقد كان للفريسيين يومها سمعة حسنة داخل العاهلية الرومانية، لأنّهم كانوا يدافعون عن المثل الدينية، ويدعون إلى التسامح وتطبيق الشريعة بالحسنى، كما كانوا يناصرون الفقراء ويدافعون عنهم حين يظلمهم أهل الشرّ. الغريب في الأمر أنّ الراهب الأكبر لم يكن فريسيا بل كان صدوقيا، والصدوقية طائفة معادية للفريسيين عداء شديدا، فكيف كان بولس الفريسي كما زعم لوقا، يعمل لحساب الراهب الأكبر الصدوقي؟ ثم كيف لبولس أن يطارد أتباع المسيح من اليهود إذا كان فريسيا؟ ألم يناهض الفريسيون ملاحقة أتباع المسيح، وعارضوا محاكمة بطرس، وطالبوا بالعفو عنه؟ أي فريسي كان بولس ليتصرّف بطريقة لا توافق الفريسيين ولا تنسجم مع مواقفهم؟ أليس عجبا أن يناقض كتاب أعمال الرسل نفسه فيزعم أن بولس كان عدوا للمسيحية انطلاقا من قناعته الفريسية، ثمّ يذهب إلى القول إن الفريسيين كانوا يوادّون المسيحيين الأوائل، بل كانوا يدافعون عنهم وينقذون حياتهم؟

(2) كان عيسى (عليه السلام) وحواريوه من الفريسيين، ولم يَسْع عيسى إلى تأسيس دين جديد، لقد كان يعتبر نفسه المسيح، ولم يكن رجل حرب، ولم يؤسّس جيشا لمحاربة الرومان، ولم يكن في نية المسيح (عليه السلام) أن يُصْلَب ليخلّص الإنسانية من لعنتها الأبدية، ولم يعتبر نفسه أبدا كائنا إلهيا. أسّس يعقوب أخو المسيح وبطرس، وهما حواريي عيسى (عليه السلام)، كنيسة القدس بعد موته، ولم يكن أتباع كنيسة القدس يؤمنون بأنّ عيسى ابن الله أو كائن إلهي، وأنّه لم ينسخ ما جاء به أنبياء اليهود ولم يبطل التوراة، وبما أنّهم صحبوا المسيح، فقد كانوا يعرفون أنّه طبّق الشريعة... وقد أظهروا تحفّظا شديدا على بولس حين علموا بأنّه يبشّر بدين جديد، وحاولوا التحاور معه في البداية، ولكنّهم لم يلبثوا أن تولّوا عنه وانتبذوه وأنكروه.

(3) إن بولس، وليس عيسى (عليه السلام)، هو مؤسّس هذه المسيحية، إنّ أسطورة الخلاص الوحيد هو الإيمان بهذه التضحية، استقاها بولس من مصادر هيلينية، كما خلط ذلك بما استوحاه من الغنوصية والأديان الباطنية، لا سيّما من عبادة «أتيس» (رفيق الإلهة الأم الكبرى «سيبيل»، الذي كان يلقّب «هيزستيوس» بمعنى الأعلى، وهو أحد آلهة سكّان فريجيا، مقاطعة تقع شمال غرب طرسوس).

(4) هناك معلومات أخرى عن بولس في مصادر طائفة الأبيونيين، تؤكّد أنّ بولس لم يكن فريسيا أبدا، وأنّه لم يتلقّ تعليمهم على الإطلاق، وشهدوا أنّه لم يولد يهوديا، بل اعتنق اليهودية وهو في طرسوس، ثمّ جاء إلى القدس بالغا راشدا فدخل في خدمة الراهب الأكبر. غير أن آماله في أن يصير شهيرا ذهبت أدراج الرياح، ولم تتحقّق في خدمة الراهب الأكبر، فراح يسعى إلى تأسيس دين جديد. الأبيونيون هم الفقراء من أتباع المسيح الأوائل الذين رفضوا أفكار بولس الخاصّة بالطبيعة الإلهية للمسيح، وبالتثليث، وعقيدة الفداء والخلاص.

(5) إنّ الحدث الكبير الذي كان وراء ولادة الدين المسيحي هو حين آمن بولس بالمسيح وهو في طريقه إلى دمشق، وهذا الحدث هو الذي حوّل المسيحية من كونها استمرارا للديانات اليهودية الأصيلة إلى دين مختلف ذي لاهوت خاص، وأساطير خاصّة لا علاقة لها بالأصل، لقد كانت مرحلة دمشق هي البذرة التي بسقت منها كلّ التطوّرات اللاحقة. إنّه من المستحيل أن يحصل بولس على رسائل من الكاهن الأكبر تخوّله مطاردة المسيحيين المؤمنين في دمشق لسبب منطقي أساسي، وهو أنّ هؤلاء المؤمنين هربوا إلى دمشق ليكونوا في مأمن من سطوة الرومان وسطوة الكاهن الأكبر، وأنّ دمشق في تلك الفترة لم تكن تحت سلطة الرومان، وأنّ العاهل الروماني «كاليغولا» تخلّى عنها في عام 37 للميلاد، ومن المعروف أنّ دمشق تاريخيا كانت في تلك الفترة جزءا من مملكة الأنباط العربية التي كانت للملك الحارث. ربّما أوكلت إلى بولس مهمّة سرّية هدفها خطف بعض اليهود المسيحيين المتمرّدين على سلطة الكاهن الأكبر، وكانت معه عصابة من القتلة المأجورين، لكنّه لم يكن يحمل رسائل رسمية من الكاهن الأكبر كما يزعم. جاء في أعمال الرسل: «أمّا شاول فكان يزداد قوّة ويحيّر اليهود الساكنين في دمشق محقّقا أن هذا هو المسيح. ولمّا تمّت أيام كثيرة تشاور اليهود ليقتلوه، فعلم شاول بمكيدتهم وكانوا يراقبون الأبواب أيضا نهارا وليلا ليقتلوه. فأخذه التلاميذ ليلا وأنزلوه من السور مدلين إيّاه في سلّ» إصحاح 9/22-25. بينما نجد تأكيدا مهمّا لهذا في كتابات بولس نفسه، ففي رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس (الإصحاح 11/32-33): «في دمشق والي الحارث الملك كان يحرس مدينة الدمشقيين يريد أن يمسكني فتدليت من طاقة في زنبيل من السور ونجوت». رواية بولس أقرب إلى الواقع. كان بولس قد كتب رسائله بين عام 55 و60 ميلادية تقريبا، بينما لم تكتب أعمال الرسل إلاّ عام 90. يقول بولس إنّه اضطرّ إلى الهرب من الشام خلسة عندما كان رئيس شرطة الملك الحارث يحاول أن يمسك به، بينما تقول أعمال الرسل أن حياة بولس كانت مهدّدة من يهود دمشق الذين أنكروا قوله إنّ عيسى هو المسيح المنتظر. إنّ المعارضة التي لقيها بولس من يهود دمشق لم تكن سوى رواية مزعومة، لأنّ الكثير من يهود دمشق كانوا يقولون بما كان يقوله بولس من أنّ عيسى هو المسيح المنتظر، ومن هنا فإنّ يهود دمشق إذا عرفوا بولس، لن يروا فيه أكثر من مؤمن آخر من المؤمنين بعيسى (عليه السلام)، مع العلم أنّ بولس في تلك الفترة لم يعلن عن كفرياته، ولم يقل بألوهية عيسى ونسخ التوراة وبالقربان المقدّس. غير أنّ أعمال الرسل حوّلت مهمّة بولس من طبيعتها السياسية إلى طبيعة دينية، وبالتالي فقد تحوّل يهود دمشق، بعد أن التقى بولس بعيسى في الرؤيا المفاجئة إلى يهود ظالمين متعصّبين. لكنّ الراجح والأقرب إلى المنطق أن رئيس الشرطة النبطية اكتشف أنّ عميل الكاهن الأكبر لمعبد القدس موجود في دمشق سرّا، وفي مهمّة تتنافى مع السيادة النبطية.

(6) في رسالته إلى أهل رومية يخترع بولس لنفسه شجرة نسب غريبة عجيبة: «فأقول: ألعلّ الله رفض شعبه. حاشا لأنّي أنا أيضا إسرائيلي من نسل إبراهيم من سبط بنيامين» (الإصحاح الحادي عشر/1). لم يعرف بولس أنّه دخل في مغامرة حين زعم أنّه من سبط بنيامين، فعلى الرغم من أنّ بعض قبيلة بنيامين ظلّ حيّا في فلسطين بعد نفي القبائل اليهودية العشر أيّام شلمانصّر الآشوري، فإنّ من بقي من هذه القبيلة تزوّج من قبيلة يهوذا، وفقدوا هوّيتهم الخاصّة فصاروا جميعا يدعون «أهل يهوذا». ولم تبق هناك إلاّ قبيلة واحدة معروفة بهوّيتها الخاصّة وهي قبيلة اللاويين، وهي مؤلّفة أساسا من الكهنة، وقد اضطرّت إلى الحفاظ على هوّيتها المميّزة لأسباب دينية، لذلك فإنّ التمييز بين يهوذا وبنيامين أيّام بولس لم يكن له معنى، بل كان نسيا منسيا، لكنّ سكّان روما واليونان الذين كان بولس يتوجّه إليهم بتبشيره أساسا لم يكونوا على علم بهذه التفاصيل الخاصّة باليهود.

يرى الإمام ابن حزم الأندلسي، أنّ بولس قد تحوّل إلى المسيحية بدوافع شخصية، وبتحريض من أحبار اليهود، لإفساد دعوة عيسى عليه السلام، فأعلن عن هذا التحوّل المفاجئ ليسهل له إفساد دعوة عيسى وطمس ملامحها باسم عيسى نفسه. يعتمد ابن حزم على هذا الرأي بما سمعه بنفسه من علماء اليهود المعاصرين له، حيث يقول: «وفيما سمعنا علماءهم يذكرونه ولا يتناكرونه، معنى أن أحبارهم الذين أخذوا عنهم دينهم والتوراة وكتب الأنبياء عليهم السلام، اتّفقوا على أن رَشَوا بولس البنياميني لعنه الله، وأمروه بإظهار دين عيسى عليه السلام، وأن يضلّ اتباعهم ويدخلهم إلى القول بإلاهيته، وقالوا له: نحن نتحمل إثمك في هذا، ففعل وبلغ من ذلك حيث قد ظهر». ويعزِّز ابن حزم هذه الشهادةَ لمعاصريه من اليهود بالقياس على ما حَدَث في الإسلام من عبد الله بن سبأ، الذي تحوّل من اليهودية إلى الإسلام لهدف مماثل، وهو إضلال المسلمين في دِينهم فيقول: «وهذا أمر لا نبعده عنهم لأنهم قد راموا ذلك فينا وفي ديننا فبَعُد عليهم بلوغ أربهم من ذلك، وذلك بإسلام عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوء اليهودي الحميري لعنه الله، ليضل من أمكنه من المسلمين فنهج لطائفة رَذْلة كانوا يتشيّعون في علي رضي الله عنه أن يقولوا بإلهية علي، كما نهج بولس لاتباع المسيح عليه السلام أن يقولوا بإلهيته، وهم: الباطنية، والغالية إلى اليوم، وأخفّهم كفرا الإمامية».

يقول المؤرخ الكَلَزي «ويلز» في كتابه معالم تاريخ الإنسانية: «وظهر لوقت معلّم آخر عظيم يعدّه كثير من الثقات العصريين المؤسّس الحقيقي للمسيحية وهو شاول الطرسوسي أو بولس.. والراجح أنه كان يهودي المولد، وإن كان بعض الكتّاب اليهود ينكرون ذلك، ولا مراء في أنه تعلّم على أساتذة من اليهود بيد أنه كان متبحّرا فى لاهوتيات الإسكندرية الهلينية... وهو متأثّر بطرائق التعبير الفلسفي للمدارس الهلنستية، وبأساليب الرواقيين، كان صاحب نظرية دينية ومعلّما يعلّم الناس قبل أن يسمع بيسوع الناصرى بزمن طويل. ومن الراجح جدّا أنه تأثّر بالمثرائية إذ هو يستعمل عبارات عجيبة الشبه بالعبارات المثرائية. ويتضح لكل من يقرأ رسائله المتنوعة جنبا إلى جنب مع الأناجيل أن ذهنه كان مشبعا بفكرة لا تظهر قطّ بارزة قوية فيما نُقل عن يسوع من أقوال وتعليم، ألا وهي فكرة الشخص الضحية الذي يُقدَّم قربانا لله كفّارة عن الخطيئة. فما بشّر به يسوع كان ميلادا جديدا للروح الإنسانية. أمّا ما علّمه بولس فهو الديانة القديمة، ديانة الكاهن والمذبح وسفك الدماء لاسترضاء الإله».

تقول بربارا براون: «إنّ تعاليم بولس، المؤسّس الحقيقي للمسيحية، لا يمكن العثور عليها في أي مكان من تعاليم عيسى أو تعاليم الأنبياء الذين سبقوه. ليس هذا فقط ولكن بولس لم يكن له إلاّ اتصال قليل مع الحواريين الحقيقيين لعيسى، والذين كان من الممكن أن يوجّهوه إلى الطريق الصحيح، فهؤلاء لم يكونوا على وفاق مع تعاليم بولس المبتكرة، وأخبروه بذلك كلّما كان ذلك ممكنا، وفي النهاية، على أي حال، فإنّ نوع المسيحية التي نادى بها بولس إنّما أحرز فيها النجاح بفضل شخصيته الساحرة، إضافة إلى حقيقة أنّه وأصحابه غلبوا الحواريين الحقيقيين لعيسى في أمور مهمّة كالوجاهة الاجتماعية والثروة والتعليم، ولذلك حصل على أتباع كثيرين من بين السكّان غير اليهود، فالمسيحية- اليهودية، أي عقيدة حواريي عيسى لم تكن لها أية فرصة للنهوض».

مترادف

بولس الرسول

بولس القديس

شاول الطرسوسي

بولص

لغة كلزية

Paul the Apostle
saint Paul
Saul of Tarsus
لغة فرنسية

Paul de Tarse
saint Paul
مراجع

  • محاضرات في النصرانية. محمّد أبو زهرة، تقديم الربيز: عمار طالبي، وتصدير: الشيخ، محمّد الغزالي. شركة الشهاب، 1989م. الجزائر.
  • اليهودي شاول بولس الطرسوسي، وأثره في العقائد النصرانية الوثنية. تأليف الربيز: محمد أحمد محمد عبد القادر ملكاوي. دار الإسراء للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1412/ 1992م. عمّان، الأردن.
  • بولس وتحريف المسيحية. تأليف: هيم ماكبي. ترجمة: سميرة عزمي الزين. منشورات المعهد الدولي للدراسات الإنسانية. طبعة متعوّثة.
  • معالم تاريخ الإنسانية. الجزء الثالث. تأيف: هـ. ج. ويلز.، ترجمة: عبد العزيز توفيق جاويد، الطبعة الثالثة مراجعة على طبعة 1963م، ستلة: الألف كتاب الثاني. الهيئة المصرية العامّة للكتاب.
  • نظرة عن قرب في المسيحية. تأليف: الكاتبة الأمريكية، باربارا براون. ترجمة المهندس: مناف حسين الياسري. نشر توحيد، 1415.
  • islamport.com/w/aqd/Web/2595/157.htm
  • alukah.net/sharia/0/46417

بولس أو شاول الطرسوسي في مكتبه كما تخيّله الرسّام  الهولندي رامبرانت.

صورة أخرى متخيّلة لبولس، رسمها رامبرانت 1633م. مصدر الصورة: ويكيبيديا.