ترك الإمام الترمذي مؤلّفات عدّة في الحديث وغيره، ومن أشهر مصنّفاته في الحديث كتابه «الجامع» المشهور بسنن الترمذي. وهو من أحسن الكتب وأكثرها فائدة، وأقلّها تكرارا، وقد اُشتهر هذا الكتاب بسنن الترمذي، كما عُرِف باسم «جامع الترمذي»، وتساهل بعضهم فأطلق عليه اسم «الجامع الصحيح». أخرج الترمذي في كتابه الصحيح والحسن والضعيف والغريب، والمعلّل وكشف عن علّته، كما ذكر المنكر وبيّن وجه النكارة فيه، ولم يخرّج عن متّهم بالكذب متّفق على اتهامه حديثا بإسناد منفرد، وهو في كلّ هذا يبيّن درجة ما يخرّجه، فليس في صنيعه ما يوهن كتابه. وقد جمع الترمذي الفقه إلى جانب علمه بالحديث وعلله ورجاله وعلومه، وكلّ هذا واضح في سننه. قال الترمذي: «صنّفت هذا الكتاب، فعرضته على علماء الحجاز والعراق وخراسان، فرضوا به، ومن كان في بيته فكأنما في بيته نبي يتكلم». جامع الترمذي مثال جيّد للتطبيق العملي الذي كان يقوم به المحدّثون من أجل معرفة الصحيح، والحسن، والضعيف، والكشف عن علل الاحاديث، واستنباط الأحكام حينا، ومعرفة الثقات من المتروكين أحيانا، وغير ذلك، وبهذا جمع هذا الكتاب فوائد كثيرة، قد لا نجد معظمها في الكتب الأخرى التي استغنت عن أكثر ذلك بالتزامها تخريج الصحيح فقط. والترمذي لم يلتزم هذا، فكان كتابه مثالا مستقلّا في التصنيف، لـم يُسبق إليه. إلى جانب ما ذُكر، فقد حفظ لنا هذا الكتاب كثيرا من مصطلحات المحدّثين في أحكامهم على الرواة والمرويات، ممّا يزيدنا ثقة بقدم هذه المصطلحات ورسو قواعد علوم الحديث قبل عصره، كما أن الترمذي جمع بين بعض المصطلحات جمعا لم يسبق إليه في قوله: «صحيح حسن» و«صحيح غريب» وغير هذا. (الوجيز في علوم الحديث، محمد عجاج الخطيب).
- الوجيز في علوم الحديث ونصوصه، محمد عجاج الخطيب، المطبعة الجديدة دمشق، 1399، 1979م. دمشق، سوريا.