معجم المصطلحات الكبير
شُعوبِية
أشْتات مجتمعات

نزعة عنصرية ظهرت قديما بين المسلمين غير العرب، تنتقص العرب وتهْتِكهم وتفضّل عليهم العجم. والشعوبية مصدر صناعي من الشعوب وهي أمم الأرض، واُختصّت بهذا المعنى للشعوب التي غلب عليها العرب وفتحوا بلدانها، كالفرس أوّلا ثمّ الهنود الذين دخلوا في الإسلام في وقت لاحق لمّا فتح الحجّاج السند، والأتراك، ومولّدي الأندلس وهم الإسبان المستعربون. إلاّ أنّ النشاط الشعوبي الكبير كان بين الفرس، وذلك لدخولهم المبكّر والشامل في الإسلام ممّا أعطاهم كثرة عددية، وشعورهم بالاستعلاء والتفوّق إزاء العرب قبل الإسلام وبعده، ثمّ إنّهم كانوا يحكمون بقاعا صارت للعرب بعد الإسلام، فخلق عندهم حنينا للسيادة المفقودة حملتهم على مناوأة السادة الجدد، كما أنّ مساهمتهم الواسعة في الثقافة الإسلامية مكّنتهم من إجادة التعبير عن هذه النزعة. واقتصرت الشعوبية على الأدباء والذين يسعون إلى الحكم والطامعين في السلطان، ونادرا ما نزع إليها أهل العلم والفكر من فلاسفة وعلماء وفقهاء، لذلك ضمّت مجال الشعر وما عُرف بالمثالب، وكانت شتائم الشعوبيين للعرب تدور حول طريقة الحياة التي كانوا عليها في الجاهلية، أو ما زالوا يعيشونها في البادية، ومنها عادة وأد البنات التي مارسها بعضهم في الجاهلية. لم تحارب السلطة الشعوبية ولم تتعرّض لها، وقد اشتغل الكثير منهم في جهاز الدولة، وكان بعضهم مقرّبا من الخلفاء بما فيهم الأمويين، ولم يتجاوز الردّ على الشعوبيين حدود المساجلات الأدبية. وقد وفرّت الشعوبية المعين الذي لا ينضب للزندقة، وصنعت محاطا ازدهرت فيه الملل والنحل الخارجة عن الإسلام والتي وجه الخلفاء جهدهم العسكري والفكري لمحاربتها أو نزع بذورها من التربة قبل أنّ تستحكم، وقد تعقّب خلفاء بني العباس تيّار الزندقة بحزم، لا سيّما الخليفة المهدي، الذي اتخذ ديوانا خاصا لتعقّبهم.

صوّر الجاحظ بدقة العلاقة بين الزندقة والشعوبية على اعتبارهما تيارا معاديا للعرب والإسلام معا في قوله: «إن عامّة من ارتاب بالإسلام إنما كان أولُ ذلك رأي الشعوبية والتمادي فيه وطول الجدال المؤدّي إلى الضلال، فإذا أبغض شيئا أبغض أهله، وإن أبغض تلك اللغة أبغض تلك الجزيرة، وإذا أبغض تلك الجزيرة أحبّ من أبغض تلك الجزيرة، فلا تزال الحالات تنتقل به حتى ينسلخ من الإسلام، إذ كانت العرب هي التي جاءت به، وهي السلف والقدوة». ويذكر التاريخ أن النزعة الشعوبية كانت أحد الأسباب التي أدّت إلى سقوط الدولة الأموية، ذات العصبية العربية، كما كان للجند الخراسانيين بقيادة أبو مسلم الخراساني (137) الدور الكبير في تحويل مستقبل الخلافة قُبيل سقوط الدولة الأموية من العلويين إلى الفرع العبّاسي، وكان التيار العلوي بنزعته العربية الذي يمثّله المعتزلة قد نجح في عقد البيعة بالخلافة للنفس الزكية محمد بن عبد الله بن الحسن (92-145). ثمّ إنّ الدعوة العبّاسية قد اعتمدت على العنصر الفارسي واستعدت الشعوبية ضدّ العرب الذين كان هواهم مع العلويين، وقد كتب الإمام العبّاسي إبراهيم بن محمد (82-131) إلى أحد دعاته في فارس إبّان الدعوة السرّية التي تحضّر للثورة يقول له: «وإن استطعت ألاّ تدع بخراسان أحدا يتكلّم بالعربية إلاّ وقتلته فأفعل.. وعليك بمُضر، فإنّهم العدو القريب الدار، فأبِد خضراءهم، ولا تدع على الأرض منهم ديّارا» وهذا ما فعله أبو مسلم الخراساني الذي حوّل الخلافة من العلويين إلى العباسيين، ممّا جعل الهيمنة للشعوبيين في العصر العبّاسي الأوّل على كثير من ميادين الحياة.

مراجع

  • تاريخ آداب العرب، مصطفى صادق الرافعي. 1394. دار الكتاب العربي. بيروت، لبنان.
  • من قاموس التراث، هادي العلوي. الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع، 1988م . دمشق. سوريا.
  • موسوعة الشروق، رئيس التحرير محمد المعلّم. دار الشروق. 1994م.