معجم المصطلحات الكبير
كِهامة
الإعلام والاتصال

فنّ صحافي ساخر يعتمد على إعداد الكُهَم في تفسير الأحداث الجارية والتعليق عليها، والتعبير عن وجهات النظر المختلفة حيالها. تشويه صورة الخصوم في أذهان الناس والحطّ من قدرهم باستعمال صورهم المشوّهة أمر قديم جدّا في تاريخ البشرية، لكن استعمال الصور والرسوم على هذا النحو في الصحافة كأداة من أدواتها كان سنة 1754م حين نشرت جريدة «بنسلفانيا غازيت» كُهْمَة لحيّة مُقطّعة إلى 13 جزءًا تمثّل المستعمرات البريطانية في الولايات المتّحدة آنذاك، وقد نشرت تحتها توجيحا يقول «الالتحام أو الموت» وبجوارها افتتاحية كتبها «بنيامين فرنكلين». لا تهدف الكُهَم إلى التعليم المباشر، بل إلى بلورة فكرة بطريقة غير منطقية وعبثية، وحيث تتبدّى بلا أقنعة الزيف والخداع، وعلى الرغم من خصيصة الهزل التي تبدو عليها الكُهم، فإنّها في جوهرها في منتهى الجدّية، لأنّها تسعى في المقام الأوّل إلى تقويم السلوك البشري، كما تضرب بقوّة الأفكار القائمة أو الصاعدة للقضاء عليها أو الحدّ من انتشارها أو منع خطرها قبل استفحالها، وتكمن قوّتها في السخرّية والتهكّم، فالسخرية سلاح يفتك بالحقائق فتكا. والكِهامة فنّ مرن، لقدرته على التعامل مع كلّ القضايا والمشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والتربوية والأخلاقية والتعليمية، فالكُهْمَة تسعى إلى كشف الجانب المظلم أو الخفي من الحياة اليومية، ليس بالهجوم الانفعالي المتوتر العنيف بل بالابتسام الساخر، وهي محبّبة للقرّاء ومتابعي الوسائل الإعلامية، لأنّها فنّ، والفنّ حبيب إلى الشعور قريب من الفطرة، فقد يمرّ المتصفّح لجريدة ما على المقالات أو الموضوعات الصحافية لكن عينه لا تخطئ أبدا الكُهْمة مهما كانت صغيرة ومنزوية، وهي تقول له في لحظات ومن النظرة الأولى ما تقوله المقالة في عشرات الدقائق.

والكِهامة فنّ صعب لأنّها تحتاج إلى قدرات خاصّة فكرية وفنّية معا، فهناك كِهاميون من ذوي الأفكار الخصبة الثاقبة إلاّ أنّ قدراتهم التعبيرية بالرسم الساخر محدودة جدّا وعاجزة عن توصيل الأفكار كما يجب، وهناك رسّامون متمكّنون من أصول هذا الفنّ لكنهم يعانون من ضحالة في الأفكار اللمّاحة المُبدَعة، فالكهامة فن صحافي يحتاج إلى إمداد فكري متواصل بصفة يومية، فالكهامي الذي يعمل في مجلّة أسبوعية على سبيل المثال يحتاج إلى أن ينتج أكثر من ثلاثة أو أربعة كُهَم في كلّ أسبوع. وفي مطلع القرن التاسِع عشر حتّى مطالع القرن العشرين، كان الكِهامي السياسي على الخصوص يُوجّح رسمه بتعليق مُسهب، سواء أكتبه هو بنفسه أم تركه لغيره، وسواء أكان تحريريا أم تحليليا أم حواريا، لكن مع تطوّر الكهامة أدرك القائمون عليه أنّ كثرة التعليق على هذه الرسوم دليل عملي على أنّ الرسم عاجز أن يستغني بنفسه عن حمل المعاني التعبيرية التي يريد الكهامي توصيلها، وقد بادر بعضهم إلى إنجاز رسوم ذُيّلت بعبارة «من دون تعليق» لتأكيد مدى قدرة الكهمة على الاستغناء عن التعليق اللغوي، أمّا الرسوم التي تُحتِّم في بعض الحالات النادرة جدّا الاستعانة بالتعليق الكتابي فكانت الكلمات ترد في أضيق الحدود، حتّى لا تشتّت القيمة الفنّية والتشكيلية والتعبيرية للرسم.

والجدير بالذكر أنّ الكِهامة بدأت في أوّل أمرها جادّة كلّ الجدّ، لا سيّما عندما تتصدّى للموضوعات السياسية والأزمات التي تهدّد مصائر الشعوب، فالرسم بمثابة تحذير وإنذار لتجنّب كارثة أو تجاوز أزمة، وكانت الجرائد في أوّل أمرها ترحّب بهذا النوع من الرسوم، لكن بمرور الزمن أدرك الفنّانون أنّ إقحام الرسم في مجال المقالات المتجهّمة أو المحذّرة يُبعد الكُهم عن صميم اختصاصها الذي هو الحرص على إثارة ابتسامات القرّاء وضحكاتهم، وأصبحت هذه التقاليد هي التي رسّخها الكِهاميون منذ أوائل القرن العشرين الميلادي على أساس أنّ الجانب الجادّ من الحياة في حاجة دائمة إلى نظرة مناقضة له، وحتى يشعر الإنسان أنّه قادر على أن يواجه الأزمات بالابتسامات والضحكات. وقد ابتكر بعض الفنّانين شخصيات متميّزة تمثّل أنماطا سائدة في المجتمع، تُسلّط عليها سهام النقد والتهكّم، ولكلّ شخصية منها عالمها الزاخر بآمالها وآلامها وبتطلّعاتها وإحباطاتها، فالشخصية تتحوّل إلى فكرة كِهامية متجدِّدة، مثل «حنظلة» في كُهَم ناجي العلي، فهو صبي في العاشرة من عمره قد أدار ظهره للقارئ رفضا منه للحلول الخارجية، وعقد يديه خلف ظهره، وكان حافي القدمين مرقّع الثياب، وقد جعل منه الكِهامي الفلسطيني ناجي العلي رمزا للهوّية الفلسطينية والنضال الفلسطيني من أجل نيل حقوقه، وانتقد به الاحتلال الإسرائيلي والحكومات العربية المتخاذلة، والقيادات الفلسطينية الفاسدة.

وتعتمد الكِهامة على صِنْعات مختلفة في إنجاز الكُهَم منها: (1) المبالغة في رسم الملامح، وهي فكرة مُستوحاة من الاعتقاد السائد عند كثير من النّاس أنّ ملامح الوجه تعبّر بصدق عن المكنونات الداخلية للأشخاص. (2) الرمزية، وتقوم على رسم فكرة مجرّدة أو قيمة أو مؤسّسة في صورة بشرية، كتمثيل العدالة بالميزان، والجور بميزان غير متساوي الكفّتين، وكما يحدث في الكثير الغالب في الصحافة الفرنسية حين يعبّرون عن الجمهورية ومن ثمّة عن فرنسا بصورة «مَرِيان» فيلبسونها السِّتار للدلالة على خطر أسلمة فرنسا أو للتسامح في أن يكون الإسلام والمسلمون من صلب التكوين الاجتماعي لفرنسا. (3) الحَيْوَنية، وهي تمثيل الأشخاص على هيئة الحيوانات، للدلالة بها على ما تمثله رموز هذه الحيوانات في الذاكرة الجمعية، كتمثيل المصرفي بالنسر.

مترادف

كاريكاتير

[مصطلح مرغوب عنه]

مصطلح قريب

لغة كلزية

caricature
لغة فرنسية

caricature
مراجع

  • مصطلحات في الإعلام والاتصال. خضير شعبان، دار اللسان العربي. الطبعة الأولى، 1422، الجزائر.
  • أساسيات العمل الصحافي، المقروء والمسموع والمرئي. الربيز: نبيل راغب. الشركة المصرية العالمية للنشر-لونجمان، الطبعة الأولى، 1999م. القاهرة، مصر.

«ولد حنظلة في العاشرة من عمره وسيظل دائماً في العاشرة من عمره، ففي تلك السّن غادر فلسطين، وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعد في العاشرة ثم يبدأ في الكبر، فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء كما هو فقدان الوطن استثناء» ناجي العلي. مصدر الصورة: La Gossa Sorda