معجم المصطلحات الكبير
حسن جلبي
الخِطاطة

خطّاط تركي ولد سنة 1937م في قرية إنجي التابعة لقضاء اُولتو بولاية أرضروم شرقي الأناضول، نشأ نشأة قروية وفي بيئة لا توجد فيها مدرسة ابتدائية إلاّ أنّها تحرص على حفظ القرآن الكريم، فبدأ حفظه ما بين سنّ العاشرة والثانية عشر على يد خاله يوسف الطاش، وقد استغرقت مدّة حفظه للقرآن ثلاث سنوات ونصف السنة وهي مدّة طويلة في عرف حُفّاظ بيئته، فقد كان وحيدا لدى أستاذه. ولشغفه الشديد بالكتابة فقد كان يذيب قطع الرصاص الموجودة في الطلقات النارية ويصنع منها أقلاما، ويتّخذ من ورق عرانيس الذُّرَة وعاءً لكتابة بعض ما يشاهده على جدران مسجد القرية، وربّما يختار بعض الساجات التي كان يطرحها والده حين يسوّي الأخشاب التي يستعملها في البناء. ثم ازداد تعلّقه يوما بعد يوم بالكتابة والقراءة في مجال العلوم القرآنية والتجويد فعزم على الرحيل إلى استنبول سنة 1954م بدعم من ابن خاله الذي كان يتردّد عليها أيضا بين الحين والآخر. فأمضى السنوات الأولى في إعادة الحفظ والتجويد، والعمل على فهم معاني القرآن الكريم، وبتحصيل القليل من اللغة العربية، واستغرقت هذه الحال زهاء عشر سنوات، ثم شعر بشغف من نوع آخر نحو الخِطاطة الإسلامية أثناء أدائه للخدمة العسكرية الإجبارية في بيقوز Beykoz باستنبول. وفي سنة 1956م اجتاز امتحانا بإشراف رئاسة الشؤون الدينة فأصبح مؤذّنا في مسجد إسكال Iskele بمنطقة اِسكودار، وفي الوقت نفسه كان مواظبا على تعلّم اللغة العربية، ثمّ اجتاز سنة 1957م امتحانا آخر ليصبح بعده إماما في اليوم الذي كان عليه أن يلتحق بالخدمة العسكرية، وقبلت دار الإفتاء تأجيل التحاقه بالإمامة إلى حين أداء الخدمة العسكرية الإجبارية، وفي هذه الفترة كان يتردّد على مسجد بيقوز ويُعجب كثيرا بالخطوط الموجودة فيه.

بدأ العمل سنة 1959م إماما في مسجد دركاه محمّد نصوحي أفندي، وكان يحتوي هذا المسجد على بعض الخطوط المنمّقة، وعلى الرغم من أنّ نجم الدين أفندي كان على بعد خطوات من هذا المسجد إلاّ أنّه لم تُتح له فرصة أن يتعرّف عليه وأن ينهل من علمه وفنّه، وفي سنة 1960م تزوّج وانتقل إلى بلدة يوسف إيلي القريبة من بلدته إلى سنة 1963م، وقد عمل خلال هذه المدّة في كتابة اللافتات بالحرف اللاتيني، ولكن حبّه للخطاطة الإسلامية كان كبيرا ومستمرّا، فأخذ يتعلّم الخطوط الرئيسة مثل الثلث والنسح والنستعليق والرقعة والإجازة والديواني وجلّيه من كراريس لتعليم الخطوط العثمانية، إلاّ أنّ ذلك كلّه كان من دون أي توجيهات أو إرشادات من أستاذ متخصّص في الخطاطة، وكان يكتب عبارة «توكّلت على الله» مقلوبة على الزجاج لتُقرأ من الجهة الأمامية بشكل صحيح، ولقد لاقت بعض الإعجاب والتشجيع، كما كتب ما يُعرف عند الأتراك العثمانيين «بجهاريار» التي تزيّن المساجد عادة في تركيا وهي لفظ الجلالة واسم النبي عليه الصلاة والسلام وأسماء الخلفاء الأربعة الراشدين لمسجد بلدة يوسف إيلي، ثمّ أصبحت ترده طلبات لكتابتها في مساجد بعض القرى المجاورة. وفي سنة 1973م عاد مرّة أخرى إلى استنبول، وأصبح إماما لمسجد شيخ الإسلام محمّد سعيد أفندي بمنطقة «سلطان تبه» التابعة لأسكودار، وكان بالقرب من هذا المسجد مَرْخَم وهو ورشة لتحويل الرخام وصقله لصاحبه يوسف أُوسْطَه، الذي تعرّف عليه من خلال تدقيقه المتواصل في الحجارة التي يصقلها وينقشها، وكان هذا المَرْخمي أوّل من أنار له الطريق في مجال الخِطاطة، إذ كان ينفّذ أعمال الأساتذة الخطّاطين، فوعده أن يُعرّفه إلى أحد الأساتذة الذين شاهد أعمالهم في مَرْخَمِه، وكان هذا الأستاذ هو حليم بك، فاستدعاه ذات يوم وقدّمه إلى حامد الآمدي الذي كان في ذلك الوقت في الستينيات من عمره، وطلب منه أن يقبل يوسف جلبي تلميذا عنده، فاعتذر حامد عن قبوله لمشاغله الكثيرة، وقال له: «إنّ أحد تلاميذي وهو حليم بك يقبل التلاميذ». وبعد هذا اللقاء بيومين أو ثلاثة من شهر أبريل سنة 1974م التقى بالأستاذ مصطفى حليم في مرخم يوسف أوسطه، وكان قد جاءه لينقش له شاهد قبر كتبه باللغة الفرنسية، وكان مزهوّا بذلك قائلا: «ليروا كيف نكتب بالحرف اللاتيني أيضا».

وبعد تعارف قصير بينهما، تفضّل الأستاذ حليم بقبوله تلميذا عنده وأعطاه عنوان بيته، وقد كان خارج المدينة القديمة في الجهة الأوروبية، فكان عليه أن يعبر البحر ويركب عدّة مركبات للمواصلات، وأن يمشي زهاء ثلاثة أَبْوان (كيلومتر) كي يصل إليه، فواظب على دروسه نحو أربعة أشهر، إلى أن أصيب حليم بحادث سير في 16 سبتمبر من عام 1964م، نقل على إثره إلى المستشفى ودفن في 4 أكتوبر في مقبرة قوزلي باستنبول. كان من تلاميذه في تلك الفترة علي رشدي، ومحمد أفندي الإمام الثاني لمسجد السلطان سليم، ويوسف طواسلي، وأحمد أفندي، وجواد سيرمن، وكان موظّفا متقاعدا من حاز (بَنك) وفي الخامسة والستين من عمره، وقد كتب ثمانية عشر جزءا من القرآن الكريم، إلاّ أنّ العمر لم يسعفه.

وقد استفاد حسن جلبي من الأستاذ مصطفى حليم أوزيازيجي استفادة كبيرة، على الرغم من قصر مدّة التعلّم، وقد عاش فترة من الضياع بعد موت حليم، ونظرا لأنّ حامدا لم يقبله تلميذا عنده في البداية، فلم يجرؤ على العودة إليه، فقام صديقه الناشر عوني بلمن بتشجيعه على الذهاب إليه، مؤكّدا له أنّه لن يرفضه هذه المرّة. فجمع أمره وذهب إليه، فقبله حامد وقال له: «إنّ طريق حليم هو طريقنا، وطالما بدأت ذلك الطريق معه فتعال أيّام السبت حتّى أساعدك». فبدأ بالتتلمذ على يديه ابتداءً من السبت 14 نوفمبر سنة 1964م، فبدأ تعلّم الثلث والنسخ معا، وكان قد بدأ تعلّم النسخ مع حليم أوّل مرّة، فكتب له حامد الدرس الأوّل وهو «رب يسّر» كالعادة بالثلث. فبذل قصارى جهده للسير على نهج أستاذه الجديد، إلاّ أنّه على الرغم من مضي عامين، فإنّه بقي يكتب هذه العبارة حتّى اعتراه اليأس والملل، وطلب منه إعفاءه من المهمّة، فسأله إن كان سيذهب إلى أستاذ آخر، فقال: «لا ولكن طالما أنّني لم أجتز الدرس الأوّل، فلا أودّ أن أضيع وقتك»، ففكّر برهة ثمّ قال له: «إنّك على حقّ»، وكتب له الحروف من الألف إلى الياء، وهو الدرس الثاني، وعلى العكس من التلاميذ الذين كانوا يتردّدون عليه بين الفينة والأخرى ثم يذهبون ولا يعودون، فقد قضى يوسف جلبي مع أستاذه زهاء شهرين في تعلّم حرف السين، ولم يستطع أن يتجاوز إلى حرف الصاد. إلاّ أنّه سرعان ما أخذ القلم يجري في يده ببركة توجيهات أستاذه ونصائحه.

كان حسن جلبي قد تعرّف على الأستاذ كمال بطناي عن طريق محمّد أفندي زميله في الدراسة عند حليم، وكان كمال بطناي حافظا للقرآن الكريم وأستاذا في الخطّ الفارسي وفي الموسيقى التركية التقليدية، وعازفَ طنبور من الطراز الأوّل وشاعرا موهوبا، فدرس على يديه الخطّ الفارسي وخطّ الرقعة في أيّام الثلاثاء من كلّ أسبوع في بيته، على الرغم من أنّه لم يكن يقبل الطلبة في بيته. ثمّ عرّفه كمال بك بالأستاذ نجم الدين أوقياي الذي كان أستاذا كبيرا جمع العديد من المعارف والفنون، وحافظا للقرآن، وخطيبا مفوّها وإماما، وخبيرا بالجِزاعة، ولما رأى خطّه قد نضج سأله إنّ كان قد طلب من أستاذه الإجازة، فأخبره جلبي أنّه لا يقدر أن يطلب منه ذلك، فتكفّل بهذا الأمر الأستاذ أوقياي، فعندما ذهب مع أستاذه حامد لزيارته وكان قد تجاوز الثمانين طرح على حامد موضوع الإجازة، فقال له: ننظر في الأمر. واستمّر نظره في الأمر نحو 3 سنوات أو أربع، فقام حسن جلبي بكتابة حلية بإشراف الأستاذ نجم الدين أوقياي، ثمّ قدّمها إلى أستاذه فصحّحها، ثمّ أعاد كتابتها وقدّمه له، ونال منه الإجازة في عام 1391. وعندما علم كمال بطناي بحصوله على الإجازة من حامد، أعطاه هو الآخر إجازة في الخطّ الفارسي سنة 1400.

يُعتبر حسن جلبي اِمتدادا لحامد فهو أستاذه الفعلي، وعن حسن جلبي أخذ الكثير من الخطّاطين المعاصرين الخطاطة الإسلامية، وقد تجاوز عددهم 500 طالب وطالبة من تركيا وخارجها، منهم محمّد زكرياء الأمريكي وقد نال منه الإجازة في الثلث، كما أجاز محسن دميريل، الذي كان يتردّد على حامد خلال تتلمذه عليه في السبعينيات الميلادية لكنّه لم يكن من المواظبين على دروسه، إلاّ أنّه استمرّ بالكتابة وطُبعت له بعض كتب الأدعية والأوراد، وبقي على هذه الحال مدّة ولم ينل إجازة، وحينما تُوفي حامد، طلب الإجازة من حسن جلبي على اعتبار أنّه كان زميله ونيابة عن أستاذه، فأجازه بناءً على ذلك سنة 1423، كما أقام العديد من المعارض، منها معرض الأردن في عام 1984م، ومعرض ماليزيا سنة 1985م، وفي سنة 1986م نظّم مركز الأبحاث والفنون والثقافة الإسلامية في اِستنبول (إرسيكا) أوّل مسابقة دولية في فنّ الخطّ باسم «حامد أيتاج الآمدي»، وكان داود بكتاش تلميذ حسن جلبي قد حصل على الجائزة الأولى في الثلث الجلي، وقد سُرّ كثيرا بهذا الفوز. ومن بين الذين تتلمذوا عليه بالمراسلة حميدي بلعيد، ومحمد أمزيل، وعلي بن عيّاش وجمال بن سعيد من الرباط، ومحمّد بحيري بحكم دراسته في استنبول وعبد الحميد جوامبي من الجزائر، ومحفوظ البوعيشي من ليبيا، وحسين السري من الإمارات، وشاكر عبد العظيم ونايف الهزاع من الكويت، وسامي زين الغاوي ومحمد مهدي جواد من سلطنة عمان، وفؤاد هوندا من اليابان، ومن أندونوسيا شمس الدين عارف، وحاجي زيني عبد الغني، ومن سلطنة بروناي (دار السلام) حلمي الحاج محمّد نور. ومن بينهم أيضا نصّار منصور من الأردن، وعبيدة البنكي، وأيمن حسن، ومحمد أنس، وفادي الجعفري من سورية، ومتين جودت علي من العراق، وعبد العزيز مصطفى من المدينة المنوّرة، وكلّ من الجيلاني الغربي، وفرج إبراهيم، ومحمّد ياسين مطير، وإبراهيم سليمان ميلاد من تونس، وكانوا يراسلونه بانتظام ويتردّدون على استنبول من حين إلى آخر، ويمكثون عدّة أسابيع، إلى أن حصل معظمهم على الإجازة، ومنهم أيضا فلاديمير رادوان من رومانيا، الذي حضر لمدّة عشرين يوما تعلّم خلالها خطّ الرقعة، وكان عندما يحضر الدرس في اليوم التالي للتصحيح، كان يختلط عليه الأمر فيما إذا كان ما في الورقة من كتابته هو أو من كتابة تلميذه فلاديمير، وكان بعضهم من اليابان وكوريا أيضا. كما كتب على العديد من المساجد، منها مسجد السلطان أحمد المعروف بالمسجد الأزرق باستنبول، ومسجد سلامي علي بمنطقة أوسكودار، بالإضافة إلى عدد من المساجد في استنبول وفي مدن الأناضول، وقام بالكتابة على مسجد خالد المرزوق، ومركز الطبّ في الكويت من الداخل والخارج سنة 1985م، وفي أدائه للعمرة تشرّف بالكتابة على مسجد قباء بالخطّ الكوفي. وكُلّف بكتابة سورتي الملك والجمعة على جدار المسجد النبوي الشريف من جهة البقيع في وقت توسعته الأخيرة، ويُعتبر حسن جلبي أبرز الأعضاء في لجنة التحكيم للمسابقات في فن الخط بمركز «إرسيكا».

مترادف

حسن شلبي

[المشهور أنّه حسن جَلَبي، إلاّ أنّ بعض المصادر الخِطاطية تورد اسمه بالشين بدل الجيم أي حسن شَلَبي]

لغة كلزية

Hasan Çelebi
مراجع

  • حروف عربية، مجلّة فصلية تُعنى بشؤون الخطّ. الجزء الحادي عشر، السنة الرابعة، صفر 1425، إبريل 2004م. ندوة الثقافة والعلوم، دبي.

الخطّاط حسن جلبي تلميذ حامد الآمدي.

حسن جلبي وهو يدقّق في بعض الكتابات الخِطاطية.