معجم المصطلحات الكبير
اِحْتِواء
العلوم السياسية

مَثّل الاحتواء الهدف الأساسي لأمن الولايات المتّحدة الأمريكية إزاء سياسة الاتحاد السوفياتي السابق خلال الحرب الباردة، وكان جورج كينان أحد أبرز مصمّمي هذا الهدف. وأصبح في ما بعد ناقدا قاسيا للوسائل المتّبعة لتحقيقه. عُيّن كينان في نهاية الحرب الأممية الثانية كبير موظفي السفارة الأمريكية في موسكو، وأرسل في شباط\ فبراير من عام 1946م برقية سرّية إلى واشنطن، وبعد تحليل تاريخ النظام السوفياتي وطبيعته خَلُص إلى أنّه قد يتوسّع ليبتلع المناطق الفارغة من القوّة في أوروبا الوسطى والغربية إذا لم يُمنع من ذلك. كما ذكّر حكومة الولايات المتّحدة بأنّ أمريكا خاضت حربين في القرن العشرين لتمنع أوروبا من الخضوع لسيطرة نظام واحد مشرّب بالروح الحربية. وقال إن هذا الخطر له قد يبرز مجدّدا، وطلب أن يُحتوى التوسع السوفياتي عبر السياسات الأمريكية بما هو متاح من الوقت للقيام بذلك من دون الحاجة إلى التقاتل من جديد.

لم تلق تحليلات كينان ومطالبته بمبدأ الاحتواء قبولا فوريا في واشنطن، إذ كانت إمكانية مواصلة سياسة الولايات المتحدة المتعاملة مع السوفيات، ومحاولة اللجوء إلى سياسة الأمم المتحدة وإنجاحها لا تزال قائمة. إلّا أنّه تمّ تناقل مقالته الفكرية العميقة والمفصّلة في وزارة الخارجية أولاـ ومن ثمّ في نطاق أوسع عبر الحكومة، كما أُستدعي كينان ذاته إلى واشنطن ليشرح أفكاره بالتفصيل. وعلى مرّ الأشهر، بدأت رؤية كينان تحرز تقدّما، لا سيما أنّ سلوك السوفيات في أوروبا خيّب آمال الأمريكيين وأحبطها أكثر فأكثر؛ إذ مثّل تحليله طريقةً لفهم ما كان يحدث، وشرح سبب فشل مثالية تنظيم السياسة العالمية في إطار نظام الأمم المتحدة، وكذلك بدأت مقاربة كينان تلقى ترحيبا بصفتها بديلا عن مقاربة الولايات المتّحدة التي كانت تحاول إنتاجها بعدما أثبتت هذه الأخيرة على نحو مؤكّد عدم إمكانية تطبيقها. ومع حلول شتاء عام 1947م، كان صانعو السياسة قد وافقوا عليها بالأغلبية، وأدرجوها في وثيقة رسمية تحدّدها هدفا أساسيا للولايات المتّحدة. ومع تصعيد الحرب الباردة في ما بعد بات احتواء الاتحاد السوفياتي يمثّل حجر الأساس في سياسة الولايات المتّحدة الأمريكية الخارجية.

ونشر كينان نسخة محرّرة من برقيته الطويلة كي يتمكّن الشعب الأمريكي من فهم أسس سياسة الولايات المتّحدة، لكنّه حذف منها معلومات سرّية متعلّقة بالاتحاد السوفياتي. فصدرت في عدد تموز\ يوليو من عام 1947م في مجلّة العلاقات الخارجية تحت علوان «مصادر السلوك السوفياتي»، وكانت هذه المجلّة الأمريكية هي الأكثر أهمية في ذلك الوقت والمخصصة للعلاقات الدولية والسياسة الخارجية. ووُقّعت المقالة باسم «السيد إكس»، ولكن سرعان ما أصبح جليا أن هذه المقالة تمثّل ما يُعرف برؤية الحكومة الأمريكية. وتُعَد مقالة «السيد إكس» -وهي التبرير العلني الأساسي لسياسة الاحتواء- أكثر المقالات المتعلّقة بسياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية شهرة في القرن العشرين

وإذا ما استعدنا الأحداث الماضية، يبدو من السهل الآن أكثر من أي وقت مضى أن نرى ما كانت عليه تحديدا سياسة الاحتواء وما لم تكن عليه. وعبّر كينان عن الحاجة إلى محاصرة التأثير السوفياتي ضمن حدوده، وبرّر موقفه هذا بتحليل دقيق للممارسات السوفياتية والمذهب الشيوعي وللخطر الذي قد يسبّبه توسّع القوّة السوفياتية في أوروبا. إلا أنّ الاحتواء كان قد قُدّم باعتباره سياسة بالمعنى غير الدقيق للكلمة. فقد كان في الواقع مبدأ وهدفا سياسيا، ولم يُفصح عنهما سواء في برقية «السيد إكس» أم في مقالته عن السياسة التي قد تحقّق هدف الاحتواء من بين جميع السياسات الخارجية العديدة الممكنة أو السياسات العسكرية، أم كلا الأمرين.

نأى جورج كينان بنفسه في السنوات الأخيرة عن العديد من سياسات الولايات المتّحدة التي غالبا ما كانت تُبرَّر باسم الاحتواء. وقال إن الاحتواء قد يُتوصّل إليه، لا بل يجب التوصّل إليه، عبر الدفاع القوي عن «نقاط القوّة» الصناعية والعسكرية في أوروبا الغربية واليابان، أكثر منه عن حدود أوروبا وآسيا. كما شدّد على الحاجة إلى الاعتماد على الوسائل الاقتصادية أكثر من العسكرية لتحقيق الاحتواء. وكان كينان يشعر بقلق شديد حيال الولايات المتّحدة إذا لم تُلجِم نفسها من أن تصبح دولة متعسكرة بصورة كبيرة. فبالنسبة إليه، ثمّة فارق كبير بين الخطر السوفياتي وخطر الشيوعية عموما، لا سيما عندما استعمل هذا الخطر باعتباره ذِهنياء (أيديولوجيا) تحرير من لدن العديد من الدول في العالم الثالث، فالخطر السوفياتي في أوروبا لم يتمثّل بالاجتياح العسكري بقدر ما تمثّل بالدعوة التي وجّهها نظامه السياسي إلى المواطنين العاديين الذين يكافحون الدمار والفقر الاقتصادي الذي نتج من الحرب العالمية الثانية. لذا، ففيما قدّم دعمه لسياسية المساعدات الاقتصادية لأوروبا الغربية في أواخر 1940م، اعترض كينان على تصعيد سباق التسلح في أوائل 1950م، وأصبح ناقدا لاذعا لسياسة أمن الولايات المتّحدة القومي في السبعينيات والثمانينيات.

مثّلت عبارة احتواء القوّة السوفياتية العظمى شعار السياسات الغربية خلال الحرب الباردة. ففي تلك الحقبة، كانت النزاعات الإقليمية تجري بوصفها نزاعات بالوكالة مؤدّية خدمة أساسية؛ ألا وهي الحؤول دون تصادم مباشر بين القوى العظمى. ذهب عالم القوى العظمى الثنائي القطبية أدراج الرياح ولم يعد يُنظر إلى الحروب الإقليمية على أنها نزاعات بالوكالة. فإن كان ثمّة سياسة احتواء جديدة فهي موجهة نحو النزاعات الإقليمية، والسبب في ذلك ليس قلقا أخلاقيا أعظم للحؤول دون مكابدة خسائر في الأرواح، بل الحاجة إلى تفادي انتشار النزاعات الإقليمية واستعمال أسلحة الدمار الشامل واستجلاب محاربين من الخارج. (المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية. مارتن غريفيش، تيري أوكالاهان).

لغة كلزية

containment
لغة فرنسية

endiguement
مراجع

  • المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية. مارتن غريفيش، تيري أوكالاهان. مركز الخليج للأبحاث، 2008م. دبي، الإمارات العربية المتّحدة.