معجم المصطلحات الكبير
وُجودِية
الفكر

أسلوب فلسفي يبدأ من الإنسان بوصفه موجودا لا بوصفه ذاتا مفكِّرة والتركيز على أهمية الوجود الإنساني، بمعنى أنّ المرء لا يستطيع أن يضع طبيعة للإنسان أو ماهية له ثمّ يبدأ في استنتاج ما يترتّب عن هذه الطبيعة الإنسانية من نتائج، ولعلّ هذه الرؤية الوجودية للمشكلة هي التي أعطت الطبيعة الهلامية لهذه الفلسفة، لأنّ وجود الإنسان كما يقول «جون بول سارتر» Jean-Paul Sartre يسبق ماهيته أو جوهره، ويستطرد موضّحا: إنّنا نعني بذلك أنّ الإنسان لا يوجد أولا وقبل كلّ شيء ويواجه نفسه وينخرط في العالم، ثمّ يعرف نفسه فيما بعد. فأهمّ السمات وأكثرها وضوحا التي تميّز هذا الأسلوب في التفلسف هو أنّ الوجودية تبدأ من الإنسان لا من الطبيعة، فهي فلسفة عن الذات أكثر منها فلسفة عن «الموضوع» لكن قد يُقال إنّ المذهب المثالي يتّخذ هو الآخر نقطة بدايته من الذات، إلاّ أنّ الذات عند الفيلسوف الوجودي هي الموجود في نطاق تواجده الكامل فهذا الموجود ليس ذاتا مفكّرة فحسب وإنّما هو الذات التي تأخذ المبادرة في الفعل وتكون مركزا للشعور والوجدان، فما تحاول الوجودية التعبير عنه هو المدى الكامل من الوجود الذي يُعرف مباشرة وعلى نحو عيني في فعل التواجد نفسه، فالفيلسوف الوجودي يفكّر بانفعال عاطفي كمن اندمج كلّه في الوقائع الفعلية للوجود، ويصرّح «ميغال دي أونامونو» Miguel de Unamuno بأنّ «الفلسفة هي نتاج لإنسانية كل فيلسوف، فكلّ فيلسوف هو إنسان من لحم ودم يتوجه بالحديث إلى أناس من لحم ودم مثله، ولو تركناه يفعل ما يريد لتفلسف لا بعقله فقط وإنّما بإرادته ومشاعره، بلحمه ودمه، بكلّ روحه، وبكلّ جسده، فالإنسان هو الذي يتفلسف...» وعلى الرغم من أنّ بعض الوجوديين الآخرين يُظهرون احتراما للعقل أكثر مما يفعل «أونامونو» فلا يزال من الصواب القول إنهم جميعا يريدون تأسيس فلسفتهم على أساس وجودي واسع، ويتجنّبون أية عقلانية rationalism أو مذهب عقلي ضيّق.

إذا كان الإنسان كما يراه الوجوديون غير قابل للتعريف، فإنّ السبب هو أنّه في البداية لا شيء، فهو لا يكون شيئا إلاّ فيما بعد، عندئذ سوف يكون على نحو ما يصنع من ذاته. وعلى الرغم من أن الوجودية طريقة خاصّة في فهم الفلسفة أكثر منها مجموعة من النظريات الفلسفية، فإنّها تنحو نحو التركيز على بعض الموضوعات دون بعضها الآخر، حتّى إنّ هذه المواضيع نفسها تتكرّر عند معظم المفكّرين الوجوديين، فالموضوعات التي تبدو ضخمة في المدارس الفكرية الأقدم من الوجودية مثل مشكلات المنطق ونظرية المعرفة، فإنّ الفيلسوف الوجودي يميل إلى إهمال هذه المشكلات في شيء من الاستخفاف، بل إنّ بعض الوجوديين صرف عنها النظر تماما لأنّها موضوعات دَيْوَنِية (أكاديمية) بحتة، وركّزوا في دراستهم على مشكلات تبدو مرتبطة على نحو مباشر بالوجود الإنساني العيني بدلا من تلك المشكلات النظرية أو المجرّدة، ومن بين هذه الموضوعات التي يصعب حتّى الآن اعتبارها موضوعات تناسب الفلسفة على الإطلاق: الحرّية، واتّخاذ القرار، والمسؤولية، وهي موضوعات تشكّل جوهر الوجود الشخصي، لأنّ ما يميّز الإنسان عن جميع الموجودات الأخرى المعروفة على ظهر الأرض هو ممارسته للحرّية وقدرته على صنع مستقبله، فمن خلال اتّخاذ القرار الحرّ والمسؤولية يحقّق الإنسان ذاته. وإذا كانت المناقشة الوجودية للوجود الشخصي محدودة النطاق لأنّها تدور في الأعم الأغلب حول الفرد، فإنّ بعض الوجوديين أو أشباه الوجوديين (مثل مارتن بُبر Martin Buber وغابريال مارسل Gabriel Honoré Marcel) قد أصبحوا في آخر عهدهم روّادا في دراسة العلاقات بين الأشخاص، ثمّ إنّ قادة الوجودية يُبْدُون اهتماما ولو لفظيا على أقل تقدير بالحقيقة القائلة: إنّ الإنسان لا يكون شخصا إلا بين جماعة من الأشخاص، ومع ذلك فهم يركّزون اهتمامهم على الفرد الذي يُمثّل عنده البحث عن ذاته الأصيلة لبّ معنى وجوده الشخصي، كما أنّ هناك مجموعة من الموضوعات التي تتكرّر عند الوجوديين، من بينها: التناهي، والإثم، والاغتراب، واليأس، والموت، وهي موضوعات لم تناقشها الفلسفة التقليدية بإسهاب، في حين أنّها تُعالج بالتفصيل عند الوجوديين.

إذا كان الوجوديون يعترفون بأنهم متشائمون فإنّ منهم من يتحدّث عن التفاؤل أو على الأقل عن الأمل، إلاّ أنّ جميعهم مدركون فيما يبدو للعناصر المأساوية في الوجود البشري، فحرّية الإنسان وسعيه لبلوغ وجود شخصي أصيل يلقى مقاومة، كما أنّه قد ينتهي في بعض الأحيان بالإحباط، وفي كلّ الأحوال مادام الموضوع يتعلّق بالفرد فإنّ الوجود ينتهي بالموت، وربّما أمكن القول إنّ الجانب المأساوي في الوجودية موجود في نقطة البداية التي تبدأ منها، حيث يوضع الوجود الإنساني في مقابل وجود الأشياء الجامدة، وقد يصل التعارض بين هذين اللونين من الوجود إلى حدّ من الشدّة تكاد معه الوجودية أن تتخّذ شكلا من أشكال الثنائية، وحتّى في الحالات التي يكون فيها التعارض حادّا إلى هذه الدرجة، يظلّ هناك اعتراف بالصراع وبألوان من تجارب الإثم والاغتراب، لأنّ الإنسان عند الفيلسوف الوجودي ليس مجرّد جزء من الكون على الإطلاق، وإنما يرتبط به باستمرار وبعلاقة التوتّر مع إمكانات للصراع المأساوي. وربّما أعظم إسهامات الفلسفة الوجودية تألقا في الفكر الغربي وأكثرها دواما يوجد في دراساتها لموضوع الحياة العاطفية للإنسان، وهو موضوع أهمله فلاسفة الماضي في الغالب، أو أسلموه إلى علم النفس، فكلّما سيطرت على الفلسفة أنماط العقلانية الضيّقة اُعتبرت العواطف المتقلّبة والأمزجة والمشاعر التي تظهر في الذهن الإنساني شيئا لا يناسب مهام الفيلسوف، بينما يذهب الوجوديون إلى هذه الموضوعات عينها التي تجعل الإنسان يندمج بكيانه كلّه في العالم وتتيح له أن يتعلّم عنه أشياء يتعذّر عليه تعلّمها عن طريق الملاحظة الموضوعية وحدها، وقد أعطى الوجوديون من «كيركغار» إلى «هيدغر» و«سارتر» تحليلات مشرقة لحالات وجدانية، كالقلق والملل والغثيان وحاولوا أن يُبيّنوا أنّ هذه الحالات ليست غير مغزى فلسفي. وقد كتب الوجوديون أيضا في التاريخ ومشكلات اللغة والمجتمع وحتّى مشكلة الوجود بصفة عامّة، إلاّ أنّ كتاباتهم بقيت على اتصال وثيق بالاهتمامات الشخصية الأساسية.

لاحظ دارسو الوجوديين أن هناك تباينا كبيرا بين هؤلاء الفلاسفة، فإذا كان بعضهم يرضى بلقب الوجودية مثل «هيدغر» و«يسبرز» و«مارسل» وأن أي دراسة للوجودية يجب أن تشملهم، فإنّ عددا كبيرا من أولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم وجوديون غير مستعدّين للاعتراف بأنهم كذلك، وقد كان «جان بول سارتر» يشكو من أنّ كلمة «الوجودية» قد أصبحت خالية من المعنى حيث قال: «إنّ كلمة الوجودية أصبحت الآن تُطلق بغير ضابط على أمور بلغت من الكثرة حدا جعلها لم تعد تعني شيئا على الإطلاق». وقد لاحظ روجر ل. شِن Roger Lincoln Shinn: أنّ كلّ وجودي يحترم نفسه يرفض أن يُطلق على نفسه اسم الوجودي، لأنّ قوله «أنا وجودي» يساوي قوله «أنا واحد من تلك الفئة من الناس المعروفين باسم الوجوديين» في حين أن الوجودي الحقيقي يريد أن يقول إننّي لست إلاّ ذاتي ولا أحبّ ما تبذله من جهد لكي تحشرني في تصنيفك. أمّا الكتّاب الذي يكتبون عن الوجودية فكثيرا ما يُشيرون إلى تقسيم فلاسفتها إلى وجوديين مسيحيين ووجوديين غير متديّنين أو ملحدين كدليل على التنوّع الذي يُمكن أن يوجد في هذا اللون من التفلسف، ويبدو أنّ هذا التقسيم لا يُساعد كثيرا على فهمهم لأنّه يكشف عن تبسيط مفرط، والواقع أنّ الكثير من الفلاسفة الوجوديين تندمج عندهم عناصر من تراثهم الديني أو الثقافي في فكرهم الوجودي، أو حتّى تدفعهم إلى هذا اللون من التفلسف. وعلى العموم فإنّ معظم الوجوديين يؤمنون بالظاهرانية phenomenology على الرغم من أنّ هناك كثيرين من أتباع مذهب الظاهرانية ليسوا وجوديين، وقد تطوّرت رابطة قوية بين هذين اللونين من الفلسفة بسبب أن الظاهرانية تقدّم على ما يبدو للمفكّر الوجودي نوعا من مناهج البحث الذي يحتاج إليه إن هو أراد متابعة أبحاثه عن الوجود الإنساني.

تعليق

الوجودية منسوبة إلى الوجود. ترى الفلسفة أنّ لكلّ شيء ماهية أو جوهرا أي سببا للوجود، فالماهية أو الجوهر هو مجموع الخصائص التي إن فُقدت في الشيء انتفى أن يكون هو، كالنصل في السكين، فلو نزع منه فلا يبقى سوى المقبض، الذي هو قطعة من خشب أو فلز، أمّا النصل فيظل سكينا على الرغم من فقده لمقبضه، فالنصل إذا خصيصة أساسية essential property في السكّين وهو الذي يعطي له معنى، ويتمثّل هذا المعنى في قدرة النصل على القطع. الجوهر في الإنسان هو ما يعطيه غاية في الوجود، لأنّه وُلد ليكون شيئا ذا معنى. لكنّ الفيلسوف الفرنسي «جون بول سارتر» أعاد صياغة السؤال عن الجوهر، فقال: ماذا لو وُجِدنا من دون غاية؟ ومن ثَمّ يعود الأمر إلينا في إيجاد جوهرنا الخاص بنا. وهذه هي الفكرة الأساسية التي قامت عليها الوجودية، وهي أنّ الوجود يسبق الجوهر، فوجودنا يحدث أوّلا، ثمّ يعود الأمر إلينا لتحديد من نكون، وما هي غايتنا في الوجود، إنّ علينا نحن أن نكتب ماهيتنا الخاصّة بنا عن طريق الحياة التي نختارها ونعيشها.

مصطلح قريب

لغة كلزية

existentialism
لغة فرنسية

existentialisme
مراجع

  • الوجودية، جون ماكوري، ترجمة الربيز: إمام عبد الفتّاح إمام، مراجعة الربيز: فؤاد زكريا. عالم المعرفة (58) ستلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، أكتوبر 1982. الكويت.

يُعتبر جون بول سارتر (1905-1980) أبو الفلسفة الوجودية وأمّها.