معجم المصطلحات الكبير
دِنَاوَة
الثقافة والإناسة

مجموع الملاحظات والنظريات المتعلّقة باستعمال الإنسان للحيّز أو الفضاء على اعتباره منتجا ثقافيا خاصّا، فهي شبيهة بجدلية المسافة dialectique de la distance، وقد تمّ صياغة هذا المفهوم من لدن «إدوارد هول» Edward T. Hall في سنة 1966م وضمّنه كتابه بعلوان «البعد الخفي» الذي نشره سنة 1971م للإشارة إلى النظريات المفصّلة حول الاستعمال الثقافي الخاصّ الذي يصنعه الإنسان من الحيّز، وبشكل أوضح دراسة الكيفية التي يبني بها الإنسان من دون وعي منه الحيّز الجزئي الذي يحيط به خلال تفاعلاته مع الأشخاص الآخرين، ومراقبة المسافة البينية التي يحرص على الحفاظ عليها دائما في تعاملاته اليومية، وتنظيمه لهذا الحيّز في منزله ومدينته. من البديهيات التي أكّد عليها «هول» أنّ كل الأشياء الأخرى البعيدة عنّا هي متساوية من حيث الأهمّية، وما هو أبعد منّا هو أقل أهمية بالنسبة لنا ممّا هو قريب منّا. وبعبارة أخرى فإنّنا ندني منّا ما نرغب فيه (إنسان، حيوان، أشياء، كلمات، مجال معيشي، الخ).

تُعطي الدِّناوة معلومات وثيقة الصلة بسلوكيات القرب أو التجنّب التي تنشأ أثناء التفاعل، فهي تضمّ الحيّز الشخصي الذي هو الحُبابة أو الفُقّاعة الشخصية التي تحيط بالفرد، ووفقا «لإدوارد هول» (1966م)، فإنّ هذه الفُقّاعة تتوسّع أو تتقلّص تبعًا لنوع التفاعل الحاصِل، يُقال عموما إنّ مساحة تُقدّر بزهاء 45 قَوْسا تحيط بكلّ شخص تشكلّ منطقته الحميمة، وهي بالفعل مجال العلاقات الشخصية القريبة جدّا كالحبّ، على سبيل المثال، أو الصراع (أثناء الهجوم، الخ)، ففيها يستطيع المرء أن يشمّ رائحة جسم الشخص الآخر ويشعر بحرارة جسمه، كما يمكن بسهولة لمسه، فوجهه يكون في مجال الرؤية ولا يمكن صرف الانتباه عنه، وتسمح هذه المسافة لكلّ واحد بالتركيز على الآخر. المسافة من 45 إلى 130 قوسا هي المسافة الشخصية، ويمكن فيها لمس المقابل المحاور والتحدّث معه من دون ضرورة رفع نبرة الصوت لإسماعه، وتكون على مسافة ذراع، وتُحدّد المسافة الاجتماعية التي تتراوح بين 130 قوسا إلى زهاء 4 قاسات، المسافة المثالية للمحادثة من دون إمكانية لمس المحاور، وهي المسافة التي نجدها في علاقات العمل. أمّا إذا تجاوزت المسافة 4 قاسات، فهنا يمكن الحديث عن المسافة العامّة وهي التي نفقد فيها تمييز الملامح المفصّلة للأشخاص، ولكي نُفهِم الشخص الذي نتحاور معه لا بدّ من رفع الصوت، ويُعتبر التقسيم لهذه المَحاطات تقسيما نظريا لم يخضع للتجربة منذ الملاحظات الأولى التي جاء بها «إدوارد هول»، لكنّها تعطي فكرة جيّدة عن استعمال الحيوز البينية وتطبيقاتها.

تجدر الإشارة إلى أنّ ملاحظات «هول» كانت على المجتمعات الأمريكية الشمالية والأوروبية الشمالية، والتي تتّفق معها هذه الاستنتاجات، مع العلم أنّ ثقافة هذه المجتمعات تعتبر من النوع الفقير في الثقافة اللمسية على العكس من الثقافة العربية أو الثقافة اللاتينية أو الآسيوية. وفي العادة ما يميل الأشخاص الذين يعيشون في المناخات الحارّة إلى تضييق الفُقّاعة الشخصية أكثر من أولئك الذين يعيشون في الشمال حيث البرودة، ولكنّ هذا لا يعني أنّ الناس الذين اعتادوا على الثقافة اللمسية يمكن أن يكونوا ودودين أكثر من غيرهم. من الواضح أن هذه الاختلافات يمكن أن تكون مصدر سوء فهم بين الأشخاص الذين ينتمون إلى ثقافات مختلفة، على سبيل المثال عندما يكون لدى شخص ما انطباع أن محاوره بعيد عنه أو قريب جدّا، ففي هذه الحال سيتصرّف كلّ شخص حسب ثقافته، ففي دراسة لما يسمى بالكثافة السَّكَنِية densité résidentielle (أي عدد الأشخاص الذين يعيشون في المنزل نفسه)، قام بعض الباحثين (Evans, Lepore & Allen, 2000) بتجارب على مجموعة من الأشخاص، وقد تبيّن لهم أنّ الأنغلو أمريكيين والأمريكيين الأفارقة أكثر شعورا وأسرع إحساسا بالازدحام وغزو الآخرين لمَحاطهم من الأمريكيين الذين يعودون إلى أصول فيتنامية أو مكسيكية، إلاّ أنّهم جميعا تذمّرا وأحسّوا بالإجهاد من زيادة الكثافة السَّكِنِية.

بالإضافة إلى المسافة بين الناس، يقوم الأفراد في بعض الأحيان بتحديد مساحتهم الخاصّة بطريقة تشبه طريقة بعض الحيوانات كالكلاب مثلا، ولمّا كان البشر لا يملكون حاسّة شمّ قوية كحاسّة الكلاب فإنّهم يستعملون طرقا خاصّة في الاستحواذ على مساحة عامّة، مثل وضع معطف على كرسي، أو فنجان قهوة على طالة أو كتاب، وبهذا يوضّح الأشخاص أنّهم يمتلكون هذه المساحة على المدى القصير، فإذا حاول شخص آخر الاستيلاء على الكرسي في غياب الشخص المعني، فإنّ جيرانه سيدافعون عن هذا الحيّز بقولهم على سبيل المثال: «إنّ المكان مأخوذ أو محجوز».

 

83.jpg

 

رسم تخطيطي لحوقات الدناوة عند الطبقة الوسطى من الساحل الشمالي الشرقي للأمريكيتين، وَفْقا لهول. نقلا عن ويكيبيديا.

 

يصنف «هول» المسافات بين الأشخاص إلى أربع فئات يمكن تلخيصها فيما يلي:

  • 1- المسافة الحميمة distance intime، وجود الآخر ضروري ويحتلّ نظام الإدراك (الوضع القريب: تماس مادّي؛ الوضع البعيد: 15 إلى 40 قوسا= المسافة الحميمة).
  • 2- المسافة الشخصية distance personnelle، وتتكوّن من المجال الواقي الصغير الذي يخلقه الكائن الحي حوله لعزل نفسه عن الآخرين (45 إلى 125 قوسا).
  • 3- المسافة الاجتماعية distance sociale، تتجاوز حدود القوة البدنية التي يمكن للآخرين أن يؤثّروا بها على الشخص أي خارج مجال استعمال الأيدي (الوضع القريب: 120 إلى 210 قوسا= مسافة الأشخاص الذين يعملون معا؛ الوضع البعيد: 210 إلى 360 قوسا= مسافة مرعية أو محفوظة).
  • 4- المسافة العامّة distance publique، «تقع خارج الدائرة حيث لا يكون الشخص معنيا مباشرة» (الوضع القريب: 360 إلى 750 قوسا؛ الوضع البعيد: أكثر من 750 قوسا. المسافة التي تصل إلى 9 قاسات هي المسافة التي يفرضها الأشخاص المهمّين الرسميين ويراعونها).

تعليق

الدِّناية والدِّناوة والدَّناوى من دنا يدنو كقول العرب قديما الدِّعاية والدِّعاوة والدَّعاوى من دعا يدعو. الحوقة، سطح هندسي ينتج من إدارة دائرة على أحد أقطارها. والحُوقة من قولهم حاق به يحوق حوْقا أحاط، وسمّيت بذلك لأنها تحوق بما يكون فيها. والحُوقة في الفرنسية هي sphère.

مترادف

دِناية

لغة كلزية

proxemics
لغة فرنسية

proxémie
proxémique
مراجع

  • Psychologie sociale. Susan T. Fiske, traduction de Valérie Provost et Sophie Huyghues Despointes. Groupe de Boeck s.a., 2008. Bruxelles, Belgique
  • Du Mensonge à l’Aveu. Frédéric Peucheret. Amentys Edition, 2014. Paris, France
  • granddictionnaire.com/ficheOqlf.aspx?Id_Fiche=8462671