معجم المصطلحات الكبير
فَنّ
الفنّ

طريقة شخصية في التعبير الخارجي عمّا يحدث في النفس من أحاسيس عاطفية وتأثّرات، بواسطة الأشكال أو الحركات أو الأصوات أو اللغة، إلخ، ويكون هذا التعبير لغاية جمالية خالصة بعيدا عن المنفعة. الفنّ موهبة من الخالق جلّ وعزّ لبعض الأشخاص تتمثّل في المقدرة الكبيرة على الإبداع عن طريق لغة الفنّ لترجمة ما يحدث في النفس من بواعث وتأثّرات نحو بعض الموضوعات التي لا علاقة لمتطلّبات الحياة بها، فتأتي هذه الترجمة على شكل أشياء تحمل قيمة جمالية مُدرَكة، لا شكّ أن الموهبة وحدها لا تكفي، لا بدّ من صقلها والارتقاء بها بالتعلّم والمُمارنة. أمّا القيمة الجمالية فتتحدّد من خلال المهارة في التنفيذ، ووجهات النظر، والثقافة، والعصور أحيانا. يقول هربرت ريد: «إنّ الطبيعة الأساسية للفنّ من الممكن أن توجد، ليس في إنتاج الأشياء التي تلبّي الحاجات العملية، وليس في التعبير الخاصّ بالأفكار الدينية أو الفلسفية، ولكن في طاقة الفنّان لخلق عالم تركيبي منسجم مع نفسه، فهو ليس بعالم الرغبات والحاجات العملية، وليس هو بالتالي عالم الأحلام والتخيّل المزاجي، إنّما هو مزيج من هذه التناقضات». إنّ ممارسة الفنّ وتقديره أمر فردي، يبدأ كنشاط منعزل ثمّ يقرّه المجتمع بعد زمن طويل، ويُحاك داخل النسيج الاجتماعي. يستطيع الفنّ أن ينمو ويتطوّر في مناخ مناسب وسياقات اجتماعية وتطلّعات ثقافية، إلاّ أنّه يبقى دائما حيّا على الرغم من الإهمال، وموجودا في كلّ مكان وعبر العصور والحضارات، من الفنّ السَّهْوي إلى فنّ ما بعد الحداثة.

هناك حقيقة أخرى تجعلنا لا نجزم بأنّ أي شيء يمكن أن يكون فنّا، لكن الفنّ يمكن أن يُصنع من أي مادّة، فالعمل الفنّي يمرّ بثلاثة أطوار، حالة الفكرة عند الفنّان (وجود ذهني)، طور الإنجار (وجود بالقوّة أي وجود العمل بقوّة الفنّان)، طور العرض (وجود بالفعل)، ولا يرقى الفنّ إلى الوجود الفعلي إلاّ إذا فعّله الجمهور أو المتلقّي. يقول مارسيل دوشامب Marcel Duchamp في هذا الشأن: «إنّ العمل الفنّي هو إنتاج ذو قطبين، هناك قطب من قام بإنجاز هذا العمل، وهناك قطب من ينظر إليه. أمّا التقدير الأكثر أهمّية، فإنّني أمنحه لمن ينظر إلى العمل أكثر ممّا أمنحه لمن يقوم بإنجازه». بل يذهب دوشامب إلى أبعد من ذلك عندما يقول: «إنّ الناظر هو من يصنع اللاحة»، فلا وجود لعمل فنّي غميس inédit أي غير معروض، لأنّ اللاحة التي تُقبر في غرفة مغلقة هي طلاء على قطعة قماش، وهذا المعنى جسّدته على نحو وافٍ كلمة فنّ في اللغات الغربية، والتي هي art، وأصلها في العربية «عَرْض»، أي أنّ الدافع الأساسي للأعمال الفنّية هو لعرضها، فلا يكفي أن يُنجز العمل في مَوْرِش الفنّان حتّى يتمتّع بقيمته الفنّية، بل لا بدّ من أن يُعرض أمام الناس ويصبح موضوعا للنظر. الفنّ طريقة للتعبير، حيث يحاول عبر نشاطاته الأساسية أن يحدثنا عن شيء ما متعلق بالكون أو الإنسان أو الفنّان نفسه، وقد فُسّر كمنفذ للتنفّس المتعلّق بالطاقة الفائضة للجنس البشري، التي يوفّرها من التجارة والحرب والعلم والأنشطة العملية، فيصرفها في مثل هذه الاهتمامات غير المفيدة لكنّها مبهجة: الرسم، النحت، التصوير، الموسيقى، الشعر، الرياضة، الرقص، وأشكال أخرى من الفنون البصرية والأدبية.

تعليق

هناك فرق بين الفنّ والتصميم، فهذا الأخير هو تحوّل مادّي لغاية وظيفية، والفنّ هو تحوّل مادّي لغاية غير وظيفية، الفرق الأساسي بينهما يكمن في الوظيفية، ويمكن أن نقول كما قال جان كوكتو عن الشعر: الفنّ لا غنى عنه، ولكنّنا لا نعرف لأي شيء هو. الغالبية العظمى من الأشياء التي يصنعها الإنسان والتي صنعها في تاريخه الطويل بإرادته الحرّة هي أشياء وظيفية، وأشياء أخرى قليلة صنعها ليست وظيفية، وهذا هو المعيار العقلاني للتمييز بين النشاطين. ليس بالضرورة أن تكون غايات الفنّ جمالية، قد تكون الرهبة أو الخوف، مثل لاحات «غويا» التي تصف كوارث الحرب، لأنّ الجمال لا يلازم الأشياء دائما، وقد يمزج المصمّم بين الوظيفة والجمال، إذن الجمال مبدأ اختياري. إذا كان الجمال هو المطلب الأوّل للفنّان، فإنّ المصمّم لا يهمّه قبح الجَرّار، لا سيّما إذا كان في هذا القبح وظيفة الجرّار المثالية. في المقابل، إذا كانت الأعمال الفنّية ليست وظيفية لا يعني بالطبع أنّها عديمة الفائدة، يعني فقط أن المنفعة لم تكن في الحسبان، وأنّ الاعتبارات الجمالية هي الباعث في تحقيقها أوّل مرّة. المفارقة العجيبة أنّ فائدة الفنّ لا سيّما البصري تكمن في أنّه بلا وظيفة، لذلك أصبحت له وظيفة لم يستطع أن يقوم بها أي شيء له وظيفة، ولا يقوم بها إلاّ الذهب الذي كان دائما عديم النفع في معظم الأغراض العملية التي تستدعي استعمال الفلزّات. يتميّز كلّ من الذهب والأعمال الفنية البصرية بالجمال والندرة وبُعدهما عن الوظيفية، ولهذا أصبحا في عالمنا المعاصر يختزنان القدر الأعظم من المال، ويمكن تحويلهما بسهولة إلى قيمة نقدية.

لغة كلزية

art

يُسمّى الفن في اللغات الغربية art، أصلها في العربية «عَرْض». نجد هذه الأثيلة أيضا في كلمة sport التي تعني رياضة، فهي عرض أيضا، بتلتّب الحرفان sp، فصيغتها الأصلية sp-ort أي ort، الحرف «o» يُبدل من عين مثل: odor أصلها عطور. هناك كلمة أخرى نجد فيها أثيلة عرض، وهي artefact ومعناها القديم في المصادر الغربية المصنوعات اليدوية، أو أي شيء صناعي معدّل بالفنّ البشري، وقد ثبت وجودها في اللغة الألمانية عام 1791م، أصلها في العربية «عرض فقط» arte-fact، أي تصميم لغايات جمالية فحسب، أي أنّه شيء معرضي مفتعل، وهذا هو المعنى المعروف عنها اليوم.

لغة فرنسية

art
مراجع

  • معجم مصطلحات الفنون. الربيز: صلاح الدين أبو عياش. دار أسامة للنشر والتوزيع، نبلاء ناشرون وموزعون، 2015م. عمّان، الأردن.
  • مدوّنات في الفنّ والتصميم. الربيز: راقي نجم الدين. دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، 2016م. عمّان، الأردن.
  • الفن والمجتمع. هربرت ريد، ترجمة: فارس متري ضاهر. دار القلم، 1985م. بيروت، لبنان.
  • العمل الفني وتحولاته بين النظر والنظرية (محاولة في إنشائية النظر). خليل قويعة. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2018م. الضعاين، قطر.

ليس هناك مسوّغ في انتقاد هذه اللاحة لافتقارها إلى وظيفة، لأنّها فنّ. لاحة للفنانة البريطانية: Jenny Saville، علوانها: رأس الظلّ 2007م، مصدر الصورة: Sothebys

تعود هذه المنحوتة الرخامية التي تمثّل رأس امرأة، إلى أكثر من 26 قرنا قبل الميلاد (بحر إيجه)، بلغت من التجريد درجة يمكن عزوها إلى الفن الحديث. مصدر الصورة: metmuseum