معجم المصطلحات الكبير
إبادة جَماعية
العلوم السياسية

الإبادة الجماعية، هي مسعى إلى إبادة شعب بسبب جنسيته أو عرقه أو انتمائه القبلي أو دينه. تذكر المادّة الثانية من ميثاق الأمم المتّحدة حول معاقبة جريمة الإبادة الجماعية والوقاية منها خمسة أفعال إبادية جماعية، هي:

  • - قتل أفراد في المجموعة؛
  • - التسبب بأذى جسدي أو نفسي كبير لأفراد من المجموعة؛
  • - إخضاع المجموعة عن قصد لظروف حياة مدروسة بهدف تعريضها جزئيا أو كلّيا للدمار الجسدي؛
  • - فرض إجراءات هادفة إلى منع الولادات ضمن المجموعة؛
  • - نقل الأطفال عنوة من مجموعة إلى مجموعة أخرى.

للأسف، وكما بالنسبة لأغلب المفاهيم في العلوم الاجتماعية، يعاني هذا المصطلح من إفراط في الاستعمال. فكلّ أنواع القتل ذات المدى الواسع لا تمثّل إبادة جماعية. وما يميّز الإبادة عن ضروب القتل الأخرى هو مدى فعل القتل قصديته. تحدث الإبادة حينما تنوي حكومة، أو أي مجموعة منظّمة أخرى، أن تدمّر عن سابق تصوّر وتصميم، مجموعة من البشر، أو أن تهدّد مقدرتهم على البقاء كمجموعة. وهكذا، فإن التعقيم الإجباري والاغتصاب الجماعي والتعذيب النفسي والبدني والترحيل وإعادة التوطين والتطهير العرقي قد تكون كلها وسائل لتعزيز سياسة إبادة جماعية، حتى من دون أن يمثّل أيّا منها إبادة بالمعنى الضيّق.

على الرغم من حصول حالات إبادة جماعية على امتداد التاريخ، بيد أن الإبادة اكتسبت في القرن العشرين سمتين فريدتين: الأولى؛ هي مدى اتساع الإبادة غير المسبوق؛ فقد وقع ضحيتها 150 بَلْف شخص على الأقل خلال السنوات المئة الماضية. الثانية؛ هي الصفة التي اتخذتها عملية الذبح، وهي سمة وصلت إلى أقصى حدود مظاهرها خلال المحرقة النازية. 

تجدر الإشارة أيضا إلى تشوّه مهمّ وارد في التعريف الذي قدّمه الميثاق حول الإبادة الجماعية. فهو لا يعتبر أن القضاء على طبقة سياسية إبادة جماعية. وطبقا لهذا التعريف، لا يكون مقتل نحو 1,7 بلف كمبودي على يد الخمير الحمر في أواسط السبعينيات من القرن العشرين مؤهّلا لأن يطلق عليه اسم حادث إبادة جماعية لأنّه كان عنفا طبقي التوجه. بيد أن أغلبية المفكرين يتّفقون على أن هذا الحدث هو من أشنع أمثلة الإبادة في التاريخ الحديث وأكثرها شراسة ومنهجية. كما أنّ إحدى الملامح الفريدة في الإبادة التي رعاها الخمير في كمبوديا هي أنها كانت موجّهة من جانب كمبوديين ضد كمبوديين آخرين. وهي بذلك تشبه التطهيرات التي قام بها ستالين خلال الخمسينيات.

ما هي العوامل التي تسهم في الإبادة الجماعية؟ إنها تندرج من عوامل القومية الجَنَاثِية (الإثنية) والتعصّب الديني والمواجهة الذهنيائية (الأيديولوجية) إلى الصراعات المزمنة حول السلطة السياسية. وفي الكثير من الحالات، تتسارع الإبادة الجماعية مدفوعة بالخوف من الآخر. وتتفاقم حدّة هذا النوع من المشاعر خلال الأوقات الاقتصادية الصعبة والحروب الأهلية وفترات الاضطراب السياسي.

الإبادة الجماعية هي أسوأ جريمة ممكنة ضد الإنسانية، وهي معترف بها كذلك من جانب المجتمع الدولي. في الواقع، ولأول مرّة منذ محاكمات نورمبرغ، يبدو أن المجتمع الدولي يسعى جدّيا إلى عقاب مقترفي هذه المجازر. بيد أن نجاح المجتمع الدولي في التعاطي مع المشكلة كان ضعيفا جدّا. وإذا كان صحيحا أنّ أغلبية الدول تمتلك قوانين محلّية تحكم عملية القبض على الأشخاص المتّهمين بجرائم ضدّ الإنسانية ومحاكمتهم، وتدعّم كذلك ميثاق الأمم المتحدة لمعاقبة مرتكبي الإبادة الجماعية والوقاية منها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إلّا أنّ مصاعب كثيرة اعترضت طريق إلقاء القبض على المجرمين. مثلا: على الرّغم من أنّ أشخاصا عديدين متورّطين في المجازر ضد التوتسي في رواندا 1994م، وضدّ المسلمين في البوسنة في يوغسلافيا السابقة (1992- 1995م) قد جرى اعتقالهم، إلا أنّ قليلين منهم خضعوا لمحاكمة وعوقبوا على جرائمهم. إنّ المقدرة على منع المجزرة قبل وقوعها وعلى معاقية الفاعلين بعد حصولها مقيّدة من جانب مفهوم السيادة. والمفارقة هي أنّه بينما يسعى القانون الدولي إلى معاقبة الفاعلين، فإنّ القانون الدولي نفسه هو الذي يحمي العديد منهم في النهاية. وبينما تبقى السيادة عاملا أساسيا في تحديد مدى القانون على الحلبة الدولية، يتعيّن علينا ألّا نتوقع أكثر من نجاحات صغيرة في إحضار مجرمين أمثال بول بوت (وصدام حسین) ورادوفان كرادزيك أمام العدالة ليعاقبوا على جرائمهم.

أخيرا، إنّ توقّع الإبادة الجماعية والردّ عليها من جانب المجتمع الدولي لا يزالان بطيئين، ففي عام 1994م مثلا، ناقش مجلس الأمن في الأمم المتّحدة على مدى أكثر من ثلاثة أشهر قبل أن يقرّر أنّ إبادة شعب التوتسي في رواندا جارية على الأرض. وخلال هذا الوقت، ذبح أكثر 800 ألف من شعب التوتسي على نحو منهجي، وقد اعترف المجتمع الدولي (بمن فيه الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون) أنّه خيّب آمال الروانديين في عام 1994م. ولكنّ هذا الاعتراف ليس سوى مواساة باردة بالنسبة لجميع من عانوا الوضع الرواندي، ولا نعرف إذا كان المجتمع الدولي سيتصرف على نحو أفضل في المرة القادمة. (المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية. مارتن غريفيش، تيري أوكالاهان).

لغة كلزية

genocide
لغة فرنسية

génocide
مراجع

  • المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية. مارتن غريفيش، تيري أوكالاهان. مركز الخليج للأبحاث، 2008م. دبي، الإمارات العربية المتّحدة.