معجم المصطلحات الكبير
تَقاطُعِية
الاجتماع

التقاطعية، هي مزج أنواع اللامساواة الاجتماعية، بما فيها الطبقة، والعرق/الجَناثة، والنَّوْجَس (النوع الجنسي)، والإعاقة، والحياة الجنسية، الأمر الذي ينتج أنماطا معقّدة أكثر من التمييز السلبي في معاملة الناس، أكثر مما تسمح به التصوّرات المفاهيمية ذات البعد الواحد. نظر علم الاجتماع بعد ماركس إلى أنّ الطبقة الاجتماعية هي الشكل الأوّل للامساواة التي حدّدت معالم حياة الأفراد. وتدريجا، في أثناء القرن العشرين، وقع الاعتراف بأبعاد أخرى لانعدام المساواة باعتبارها مهمّة أكثر فأكثر. ومع السبعينيات من القرن الماضي، اعتبرت مصادر اللامساواة في المجتمعات الحديثة متنوّعة. على الرغم من المحاولات في بعض الدراسات للتنظير، مثلا، حول كيف يعزّز النوجس (الجندر) والطبقة بعضهما بعضا، إلّا أنّه لم يكن ثمّة طريقة منهجية للقيام بذلك. ولما ابتعدت دراسات علم الاجتماع عن التركيز الحصري على الطبقة، أصبح واضحا بأكثر فأكثر أنّ نظريات الطبقة الموجودة لم تكن قابلة لتشمل أشكالا أخرى للامساواة. يُعتقد بأنّ أوّل استعمال لمفهوم التقاطعية intersectionality كان سنة 1989م على يد كمبرلي كرنشاو K. W. Crenshaw في مُناقلته حول تقاطع العرق والجنس في الولايات المتّحدة الأميركية، تلت هذا بسرعة «أنطولوجيا» أندرسون M. L. Andersen وهيل كولنز P. Hill-Collins التي استكشفت الطرائق التي تشكّل فيها تقاطعات الطبقة و«العرق» والنوجس والحياة الجنسية هُوّيات الناس وحظوظهم في الحياة. كانت البحوث العلمية النسوية للنساء السوداوات مفيدة في نشأة النظريات التقاطعية، وقد نمت التقاطعية أو نظرية التقاطع وهي لا تزال تحت هيمنة المفكرين الأميركيين، على الرغم من أنّ هذا الأمر يتغيّر ببطء.

قادت الحركة التدرجية بعيدا من الاهتمام الحصري بالطبقة الاجتماعية، علماء الاجتماع إلى أن يقترحوا أنّه إذا ما أردنا أن نفهم حياة الناس اليوم، فيجب أن توجد طرائق تربط الطبقة بالأنواع الأخرى من اللامساواة فلغاية هذا التاريخ، تعتبر التقاطعية من الناحية الجدلية المنظور الأكثر تأثيرا الذي يحاول أن يفعل هذا انطلاقا من حقيقة التنوع الاجتماعي والثقافي. وليس هذا اعترافا تافها. إنه يشير إلى أنّ دراسات علم الاجتماع ونظرياته التي تناقش أصنافا عامّة مثل «الناس السود» والطبقة العاملة و«النساء» والناس المعوقين والبِزاء (الرجال المثليين) وغيرهم تتّصف بالتعميم المبالغ فيه. عندما يناقش ويجادل علماء الاجتماع تجربة «الطبقة العاملة» أو «النساء» فماذا يعني ذلك؟ موقع الطبقة قد لا يكون الهُوّية الأولى لغالبية الناس في الطبقة العاملة. فحياة الطبقة العاملة للرجال المتزوّجين يمكن أن تكون مختلفة جدّا عن حياة البِزاء السود من الطبقة العاملة. يستطيع البحث الميداني فحسب أن يقول لنا أيّا من هذه الأشكال للهوّية أكثر أهمّية. تدرس بحوث التقاطعية الطرائق التي تمتزج فيها الأشكال المتعدّدة للاختلاف في حالات محدّدة، الأمر الذي يجعلها قادرة على أن تؤدّي إلى تحاليل معقّدة جدّا لأنواع الحياة الحقيقية كما تقع ممارستها. في الواقع، هذا الرصيد من البحوث ليس، مع ذلك، مجرّد وصف فحسب. لأنه يسعى إلى فهم كيف تعمل علاقات السلطة\القوّة في المجتمع حتى تؤدّي إلى اللامساواة والتمييز في المعاملة فالبحث التقاطعي ليس مثلا مجرّد الطبقة + العرق + النوجس، بل على العكس من ذلك، فإنّ البحث التقاطعي يصرّ على أنّ كلّ صنف يعطي الآخر شكلا وأنّها معا تقود إلى طرائق تجربة العالم وأحيانا كمضطهد ومهمّش وأحيانا كمتمتّع بامتياز أفضلية، اعتمادا على الظرف الموجود. باختصار، تنتج الأصناف المتقاطعة مواقع اجتماعية لا يُمكن فصلها عن عناصرها المنفصلة ظاهريا فهي أكثر من مجرد كونها مجموعا للأجزاء.

تفضّل البحوث التقاطعية المناهج الكيفية القادرة على تلمّس تجارب الحياة الحقيقية للناس ومناهج السير الذاتية التي تعيد بناء أثر اللامساواة عبر مسار الحياة. يبرز هذا فرقا مهمّا عن البحوث السائدة حول الطبقة التي وقعت الهيمنة عليها من طرف منهج المسح والتحاليل الكمية. فالتقاطع حينئذ هو وصف للتنوع في الحياة الاجتماعية وهو نظرية لذلك التنوع، لكن يمكن النظر إليه كمنهجية، أي طريقة تركيز مكثّف على التفاعل بين المواقع الاجتماعية تهدف إلى تقديم تفسيرات شاملة وصحيحة بدرجة أكبر للتجارب المتنوعة. ثمّة مشكلات تواجه النظريات والبحوث التقاطعية. فكم يوجد في الخارج من أنواع اللامساواة وأصناف الهوّيات الكثيرة، التي ينبغي أن يحتويها التحليل؟ هذه القضية تسمى عادة: «مشكلة إلى آخره». وهذا يعني أنّ هناك دراسات تضيف «...إلخ» إلى الطبقة والنوجس والعرق لتشير إلى أنّ هناك عوامل أخرى كثيرة. ولكن، إذا كان الأمر كذلك، فكيف يعرف الباحثون عندئذ، أنّهم غطّوا جميع تلك العوامل حتى يثبتوا صحّة نتائجهم؟ أمّا القضية الثانية، فهي تتمثّل في الوزن النسبي الذي يُعطى إلى الأصناف المختلفة قيد الاستعمال. هل ينبغي أن نقوم بالتنظير عنها جميعا على أنّها متشابهة عموما؟ أو هل هناك أسباب تفترض أنّ أحد تلك الأصناف هو بطريقة ما أكثر أهمية في تشكيل حياة الناس؟ فعلى سبيل المثل، تعتبر النظرية الماركسية مثلا، أنّه ما زال ممكنا فيما بقي من مجتمعات رأسمالية، القول بأنّ موقع الطبقة يظلّ القوّة الدافعة في تشكيل الفرص وحظوظ الحياة. أصبح تحليل الطرائق التي تتقاطع فيها العناصر المتنوّعة للهوّيات الفردية أمرا مألوفا كثيرا، لكنّ من المهمّ التذكير بأنّه، في المملكة المتحدة وفي أماكن أخرى، هناك رصيد كبير للبحث الموثوق فيه في علم الاجتماع الذي يستمرّ في العثور على أنماط منتظمة من التفاوتات تشمل مجموعات اجتماعية كبيرة –مثل الفئات الطبقية ومجموعات الأقلّيات الجَناثية– وهي تؤثّر في حظوظ الحياة للأفراد ذوي المواقع المتشابهة.

أصبح مفهوم التقاطعية أكثر أهمّية في محاولات فهم الفرق في التجربة بين الناس ليس في الفقر فحسب، ولكن أيضا في الحياة الاجتماعية ككلّ. وكلّما ازداد عدد الدراسات في هذا المجال، ظهر أكثر فأكثر أن طبيعة الحياة الاجتماعية أكثر تعقيدا على الدوام مع تمايزات دقيقة متزايدة. يرى برنارد H. Barnard وتورنر C. Turner أنّ تجربة امرأة هندية هندوسية من الطبقة الوسطى ومن الجيل الثالث وصاحبة شهادة تعيش في بلدة ميلتون كينيس Keynes Milton قد تشترك قليلا مع تجربة امرأة هندية مسلمة من الجيل الثاني ذات مستوى ثالث من الكفاءات وتعيش في مدينة برادفورد Bradford الصناعية مع زوج معوق وطفلين.

في السنوات الأخيرة، وقع اقتراح أنّ السياسة الاجتماعية يجب أن تهتمّ بالتقاطع إذا كان سَيُكتب النجاح لتشريعات المساواة. يستكشف ألونزو A. Alonso هذه الفكرة بالنسبة إلى البرتغال البلد صاحب التاريخ في جعل المجموعات تنخرط في المجتمع المدني لرسم سياسة المساواة. يتمثّل حلّ البرتغال في تشجيع تنمية أنموذج متناسق يستعمل الهياكل الموجودة للمساواة عوضا عن الانتقال مباشرة إلى هيكل مدمج جديد. على الرغم من أنّ هذا قد يبدو أمرا مقيّدا، إلّا أنّ المؤلِّف يرى أنّ هذه الطريقة الوسيطة ربّما تسمح بالحفاظ على الخبرة الموجودة داخل التراتيب الحاضرة. تقدّم هذه الطريقة أيضا إمكان العمل على أنواع اللامساواة المتقاطعة عبر وسائط فاعلة، وكذلك على قضايا مجموعة واحدة. على الرغم من القصور عن نظام تقاطع متكامل كليا، إلّا أنّ تلك الطريقة تمهّد السبيل لتحقيق هذا في المستقبل. (مفاهيم أساسية في علم الاجتماع. أنتوني غيدنز، فيليب صاتن).

مترادف

نظرية التقاطع

لغة كلزية

interesctionality
لغة فرنسية

intersectionnalité
intersectionnalisme
مراجع

  • مفاهيم أساسية في علم الاجتماع. أنتوني غيدنز، فيليب صاتن. ترجمة: محمود الذوّادي. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأولى، 2018م. الظعاين، قطر.