انتهت المحضرة البغدادية بياقوت المستعصمي وبدأت المحضرة العثمانية بحمد الله الأماسي، حيث واصل حمد الله من حيث انتهى ياقوت، وذلك بدراسة خطوطه وتطويرها. اسم أبيه مصطفى دده، وأصله من بُخارى، ووُلد هو في مدينة أماسيا بالأناضول سنة 833 على أرجح الروايات، سمّاه مستقيم زاده صاحب كتاب «تحفة خطّاطين» بقبلة الكتّاب، وكان والده من مشايخ الطريقة السهروردية، لذلك يوقّع باسم «ابن الشيخ»، أخذ الخطّ في أوّل أمره عن خير الدين المرعشي، وقلّد عبد الله الصيرفي، ثمّ ياقوت المستعصمي، ثمّ طوّر أسلوبا خاصّا به في تجويد الخطّ اتّبعته الأجيال التالية في المحضرة التركية وساد فترة طويلة حتّى مجيء الحافظ عثمان المعروف بالشيخ الثالث، كان أستاذ بايزيد الثاني منذ كان واليا على أماسيا، وبعد أن تقلّد بايزيد السلطنة، عيّنه إماما وشيخا لمدرسة الصوفية التي بناها في «لق ميدان»، وأصبح من ملازمي السلطان الذي خصّص له جناحا لأعماله الخطّية في القصر، وكان يُحبّ منادمته ويعامله بإجلال كبير ويجلسه في صدر مجلس العلماء، ويُمسك له الدواة وهو يكتب، ويُسطّر له الأوراق، ويُرتّب له الوسائد، ويُروى أنّه كان بارعا في الصيد بالطير وفي استعمال القوس، كما كان بارعا في الحياكة بطريقة أخّاذة، فقد حاك قفطانا بالقطن الأبيض للسلطان في قطعة واحدة دون خياطة، ويُحكى أنّ السلطان كان يناقش منشورات خطوط ياقوت، بينما يرغُب حمد الله في القدرة على مُساماته، وقال له: لعلّك لم تُشاهد خطوطه المسطّرة بعناية، وأمر باستخراج قطعه من الكنوز الملكية، وقدّمها لحمد الله قائلا: إذا استطاع أحد أن يُحدث في هذه الطريقة ما هو أحسن منها، سيكون مقدّرا أكثر. وأخذ الشيخ القطع، وبعد تمارين أكسب طريقة ياقوت روعة وإشراقا كانت مقدّرة من الناظرين، وكان يعتكف من حين إلى آخر لمدّة أربعين يوما، ويخرج بعدها بإضافات في الخطّ لِما يمتلك من موهبة وأحاسيس جمالية.
كلّفه السلطان بكتابة خطوط جامعيه في أدرنة واسطنبول، وكتب سبعة وأربعين مصحفا، والعديد من الأجزاء والأدعية والأنعام الشريفة والكتب والمرقعات، ويمكن القول ليس في تركيا خطّاط نعِم بالتقدير والاحترام ما خُصّ به حمد الله من تقدير ملكي وتبجيل الذي أشاع شهرته والتطوّر الذي أضافه إلى هذا الفنّ الرفيع، وقد جعل هذا العلماء والأدباء يحسدونه لذلك، ويروى أنّ السلطان كان مدركا لذلك، وكي يزيل ما وقر في صدورهم عن حمد الله استضاف جماعة منهم واستحضر مجموعة من تآليفهم وكتبهم، ثمّ أظهر للحاضرين مصحفا بخطّ حمد الله. وبعد أن شاهدوه يهمّ بوضعه تحت كتبهم، بادروه قائلين: وضع المصحف تحت هذه الكتب قلّة احترام له، فقال السلطان: حسن إذا، لاحظوا أن وضْع كاتبِ هذا المصحف دونكم يعدّ أيضا قلّة احترام له، وقبِل الحاضرون هذه الحيلة البارعة وأقلعوا عن حسدهم. توفّي حمد الله سنة 926 وصلى عليه صلاة الجنازة آنذاك شيخ الإسلام زنبيلّي أحمد أفندي في جامع آيا صوفيا ودُفن في مقابر «قره جه أحمد». ومن المعتقدات الرائجة عند من يريد تحسين خطّه، أن يقرأ الفاتحة والصلوات على الشيخ حمد الله، ثمّ يدفن قلمي الثلث والنسخ بعد لفّهما في خرقة بجوار قبره، وعلى محاذاة يده اليمنى ليلة الجمعة، ثمّ يأخذ القلمين بعد أسبوع ويبدأ الكتابة بهما تبرُّكا.