معجم المصطلحات الكبير
اِحْتَلّوا وُول سْتْرِيت
الاجتماع

حركة احتجاجية شعبية أمريكية غير مركزية وبلا قيادة، دعت إلى احتلال وول ستريت في مدينة نيويورك بالولايات المتّحدة الأمريكية نتيجة تردّي الأوضاع الاقتصادية، وتأثّرا بحركة ثورات الربيع العربي التي أسقطت ثلاثة أنظمة حاكمة. بدأت أوّل مرّة كدعوة تِقانية (إليكترونية) عبر صفحات «تويتر» و«فيسبوك» في مدينة نيويورك الأمريكية، وبناء على هذه الدعوات تمّ حشد على أرض الواقع في 17 سبتمبر 2011م أوّل مظاهرة، ثمّ تبعتها عدّة مظاهرات متكرّرة بعد أنّ أدّت مظاهرة على جسر بروكلين إلى اعتقال المئات وإشعال الفتيل، وقد بَدَأ منها احتلال متنزّه زوكوتي في مانهاتن. دعا النشطاء آنذاك إلى تطبيق عولمة الاحتجاجات، وتصعيدها عالميا، وإنشاء شبكة تواصل اجتماعي جديدة وتطويرها، أطلقوا عليها اسم الميدان العالمي، وعلّلوا السبب الرئيس في إنشائها أنّهم لا يثقون في تناقل الرسائل بين النشطاء عبر «الفيسبوك» لأنّه لم يعد آمنا، فتوسّعت الاحتجاجات لتشمل الولايات المتّحدة الأمريكية كلّها، قبل أن تتحوّل تدريجيا إلى حركة شبه عالمية في 15 أكتوبر، فقد وصلت الاحتجاجات إلى أوروبا في إسبانيا والبرتغال وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وسِدني في أستراليا، ففي ألمانيا اعتصم المحتجّون أمام الحاز (البنك) المركزي الأوروبي تلبية لدعوات حركة احتلّوا وول ستريت، وكان شعار وقفتهم: لن نبيع مستقبلنا إلى الحاز المركزي الأوروبي، وفي إسبانيا شنّت جماعة الغاضبون indignatos احتجاجا في جميع أنحاء البلاد، وجمعت كلّ المؤيّدين، وخاطبت العالم عبر «تويتر» و«فيسبوك»، وقد عبّر سكّان بريطانيا عن غضبهم من خلال «انتفاضة احتلّوا لندن» عام 2011م، وتحت شعار «نحن 99%» أصدر هؤلاء بيانا يتضمّن مطالب وأهدافا وحلولا لمواجهة الأزمة، ويشير الشعار إلى غياب العدالة في توزيع الثروة بين 1% من سكان العالم ذوي ثراء كبير، و99% يعانون الفقر والحرمان، ويظهر من خلال هذه الحركة شعور البريطانيين بأنّ النظام هو المشكلة، ولم يمض قليل وقت (13 يوليو 2011م) في كندا حتّى دعت أدبسترز adbusters (وهي شبكة إعلامية غير ربحية ومدافعة عن البيئة) إلى تنظيم احتجاج سلمي ضدّ الآثار المدمّرة لجشع الشركات، واقترحت أن يكون في ميدان وول ستريت رمز الرأسمالية وانتهاكات شركاتها.

كان أحد الأسباب التي جرّت إلى هذه الاحتجاجات أنّ الحكومة الأمريكية قامت بتمويل الشركات الكبيرة، مثل شركة غولدن ماكس وجي بي مرغان، التي تعرّضت للإفلاس من تداعيات الأزمة المالية لسنة 2007م، ثمّ الأزمة المالية في وول ستريت عام 2011م التي أعقبتها، فالحجّة التي استند إليها المتظاهرون هو هذا التناقض في عمل الحكومة حيث قامت بمساعدة الشركات الكبرى ودعّمتها على الرغم من قيام هذه الشركات نفسها بالتسبّب في الأزمة المالية عن طريق ممارساتها غير العادلة، وفي المقابل هناك أزمات تعرّض لها الشعب الأمريكي منها ديون الطلبة الجامعيين لدى هذه الأحواز التي دُعّمت من لدن الحكومة الأمريكية، وإنقاذها من الإفلاس لا سيّما في فترة الرئيس بوش الأرعن على نحو ما تسمّيه الصحافة العربية. لذلك كان من بين أهمّ مطالب هذه الحركة إسقاط ديون الطلاب لدى هذه الأحواز، بالإضافة إلى الدفاع عن شبكة الضمان الاجتماعي، وفرض ضريبة 1% على جميع معاملات وول ستريت، إلاّ أنّ الحركة عجزت عن تحقيق مطالبها، حيث استطاعت الشرطة أن تقمع المتظاهرين، وأن تفكّك مخيّم اعتصامهم الذي أقاموه في حديقة زوكوتي في مانهاتن، بعد أن اعتقلت منهم العشرات.

تعليق

إنّ ما قامت به الحكومة الأمريكية من مساعدات للشركات الكبرى وقمع لحركات الاحتجاج يدخل ضمن التطوّر الطبيعي للنظام الرأسمالي الغربي، فالتقدّم الحضاري الغربي اعتمد على قوّة العمل وفائض قيمة العمل الإجبارية وشبه الإجبارية لصالح الطبقات المهيمنة أو القائدة وهي اليوم الشركات الكبرى، وهذه القاعدة الإنتاجية قامت عليها كلّ الحضارات القديمة في العالم ما عدا الحضارة الإسلامية، ففي المجتمعات القديمة نجد بناء الأهرام وسور الصين العظيم، وأبراج الرافدين وسد مأرب، وصروح اليونان، كلّها نتاج تسخير قوة عمل الآخرين في شكل مجتمعات العبيد أو أقنان الأرض أو المحاربين أو المجالدين بالإكراه، ومثال ذلك في الحضارة الغربية الحديثة حفر قناة بناما، حيث قُتِل في شقّها أكثر من 28000 عامل بسبب الانهيارات الطينية والحمّى الصفراء، كما أنّ تلك القصور المُشيّدة في أوروبا، والمدن الجميلة ذات الشوارع الواسعة والتي تكنّفها الأشجار الباسقة، والمتاحف المزدانة بالتحف الغالية والآثار الرائعة، كلّها من النهب الاستعماري الذي استنزف خيرات خمس قارّات في مدّة خمسة قرون، حتّى مغامرة الحروب الصليبية القديمة التي حدثت في العالم الإسلامي كانت من أجل السيطرة على طرق التجارة، بدءا من المحيط الهندي وحتّى الغرب الأوروبي، كما يعتبر بعض المؤرّخين أنّ أحد أبرز أسباب نشوب الحرب الأممية الأولى، نجاح بريطانيا في إفشال مشروع ألماني بناء خطّ سكّة حديدية من برلين إلى بغداد، الذي كان من المفترض أن يصل إلى ميناء الكويت، وأن يشكّل طريقا تجاريا مختصرا بين الهند وأوروبا، بدلا من الطريق البحري الذي يمرّ على قناة السويس التي كانت تسيطر عليها بريطانيا. وقد انتقلت الحضارة الغربية اليوم من مبدأ تسخير القوّة البشرية إلى تسخير الطاقة البخارية ثمّ الصنعيائية، وأبقت على نمط العلاقة القيمية بين الطبقات المهيمنة على شعوبها التي تحوّلت إلى ظهير مكمّل للصنعياء، وشعوب العالم المستهلكة المسلوبة الإرادة والثروة، فبين سنتي 1975 و1995م زادت الثروة في المجتمع الأمريكي ثلاثة أرباع عمّا كانت عليه قبل ذلك، والتي بلغت 2000 جَلْف دولار، إذن كمّية معتبرة من عشرات الآلاف من الأجلاف تراكمت خلال هذه الفترة، إلاّ أنّ وزير الدولة للتجارة، نشر بكلّ هدوء أنّ 60% من هذه الثروة الهائلة قد استحوذ عليها 1% من الأمريكيين.

أمّا علاقات الإنتاج في الحضارة الإسلامية فتختلف قيمها ومعاييرها النوعية عن الأسس التي تتحكّم في علاقات إنتاج الحضارة الغربية، والحضارات التاريخية القديمة، فالإسلام لم يجعل الفتح توسعا في أراضي الغير، إنّما تحريرا لتلك الشعوب من قبضة أكبر قوّتين وقتها الروم والفرس، فالجيوش التي حاربت الاستعمار الأجنبي والقهر الاستعبادي كانت تتألّف من العرب والشعوب التانِئة (السكّان الأصليين) بل أصبح العرب أنفسهم في هذه الجيوش أقلّية، كما في فتح مصر والمغرب والأندلس، ثمّ إنّ الأنظمة الاقتصادية الإسلامية المُحرِّمة للربا والناصّة على الزكاة والأنظمة المفتّتة للإرث، حالت دون تركّز الهيمنة الاقتصادية والاجتماعية في فئة معيّنة، لذلك لم تعرف المجتمعات الإسلامية ما يُشبه مدن الفحم، وسحق الأطفال، وتوظيف الاختراع العلمي من أجل التركّز الرأسمالي، كما لم تعرف السيادة الإسلامية نوعا من الاحتكار للمناجم أو مراكز إنتاج السلع الهامّة كالحرير والتوابل. ولهذه الأسباب لن تستجيب الحكومة الأمريكية والحكومات الأوروبية الأخرى للحركات الاحتجاجية كحركة احتلوا وول ستريت التي تطالب بالعدالة الاجتماعية والقيم الأخلاقية، لأنّ ذلك يحمل معه نقضا لكافّة قيم ومعايير السلوك الاقتصادي والاجتماعي القائم على الهيمنة واستلاب الآخرين، وفي هذا السياق نفهم ما قاله رئيس الوزراء الإيطالي «سيلفيو بيلرسكوني» عن هذه الأحداث حيث صرّح بأن المسؤولين عنها «يجب أن يدانوا كافّة من دون تحفظ».

إنّ أدنى تفكير لاتخاذ الحضارة الغربية منهجا أخلاقيا بديلا، سيؤدّي حتما لتعديل مواقفها تجاه شعوبها وشعوب العالم المتخلّف، وهذا لا جرم يخالف طبيعة النسق التطوّري للحضارة الغربية الذي يشكّل الدين الإسلامي نقيضا له، فالنظام الرأسمالي المهيمن في الولايات المتحدة والغرب بشكل عام لا يمكن أن تنهيه المسيرات الاحتجاجية، لأنّه لا يحتاج إلى مسيرات ومظاهرات بل يحتاج إلى فلسفة أخرى وتنظير جديد، وهذا لن يحدث أيضا، لأنّ النموذج البديل الذي طُرح للخروج من المأزق الحضاري الغربي الرأسمالي الحديث كان الرؤية الماركسية، نهاية ما أبدعه الفكر الفلسفي في الحضارة الغربية، وهذه قد ذهبت أدراج الشيوعية.

هناك بعض مظاهر التلفيق والترقيع في النظام الرأسمالي الحديث والذي يعرف «باقتصاد الرفاه» Welfare Economics، يحاول أن يجمع بين الرأسمالية وبعض القيم الأخلاقية التي تحضّ على حماية الطبقات المسحوقة في المجتمع من خلال سنّ القوانين المانعة للاحتكار، وتعويضات البطالة والضمان الاجتماعي، والدعم الحكومي لأسعار المواد الأساسية، إلاّ أنّ الدافع الحقيقي من وراء ذلك ليس القيم الأخلاقية، بل لجعل أفراد المجتمع قادرين على شراء السلع المكدّسة في مخازن الأغنياء، لأنّ فرص العمل في الخدمات التي أنقذت الاقتصاديات الرأسمالية من قبل، لم تعد اليوم قادرة على فعل ذلك، إثر التقلّص المأساوي في الوظائف نتيجة التحديث ومنافسة الآلة لقوّة العمل البشرية في شكلها العضلي، بل إنّ الآلة التي تفكّر بدأت ترث الإنسان حتّى في جهده العقلي.

حينما يعلّل الله حكما، إنّما يريد أن يجعل منه قاعدة، فقوله تعالى: كي لا يكونَ دُولَة بين الأغنياء منكم (الحشر، 7)، يجعل القوانين كلّها تُسنّ على نحو يمنع احتكار الأغنياء للأموال. ففي النظام الإسلامي يُمنع الاحتكار بكلّ أصنافه، فليس احتكار السلع هو المعني بالتحريم فقط، بل حتّى احتكار وسائل الإنتاج الناسانية أو الجماهيرية، حيث يمكن اليوم لمَصْنَع واحد يديره خمسة أشخاص أن ينتج شفرات الحلاقة على سبيل المثال لسكّان كوكب الأرض جميعا، ومن هنا يكون من الضرورة تقاسم هذه الوسائل بين كلّ أفراد المجتمع، بحيث يجعل الشركة أو المؤسّسة موزّعة بالأسهم بين مجموعة من الأفراد بالتساوي مع تحديد نسبة أسهم كلّ فرد. ربّما يرى بعضهم أنّ هذا يمنع قيام المبادرات الفردية في إنشاء الشركات والمصانع، إلاّ أنّ الأمر ليس كذلك، فالحكومة عادة هي التي تمتلك أكبر رأسمال في المجتمع، وهي المسؤولة عن إنشاء المشاريع الكبرى وبناء المصانع، وتأسيس الشركات، وهي من تعطي ملكيتها للأفراد من خلال الاكتتاب والتوزيع المجّاني لأسهمها على الفقراء والمحتاجين، فالدولة في الإسلام دولة رفاه.

لغة كلزية

Occupy Wall Street
OWS
لغة فرنسية

Occupy Wall Street
OWS
مراجع

  • النظام الاجتماعي والاستراتيجي الأمريكي المأزوم. جهاد عودة. كنوز للنشر والتوزيع. 2014م، القاهرة، مصر.
  • ماذا تعرف عن البركست؟ Brexit : الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي. محمد صادق إسماعيل. العربي للنشر والتوزيع، 2018م. القاهرة، مصر.
  • أحدث وسائل الإعلام الجديدة. بول ليفنسون، ترجمة وتحقيق: هبة ربيع. دار الفجر للنشر والتوزيع، 2015م. القاهرة، مصر.
  • الرأي العام في الواقع الافتراضي وقوة التعبئة الافتراضية. الربيز: محمد مصطفى رفعت‎. العربي للنشر والتوزيع، 2018م. القاهرة، مصر.
  • منهجية القرآن المعرفية، أسلمة فلسفة العلوم الطبيعية والإنسانية. محمّد أبو القاسم حاج حمد. دار الهادي، الطبعة الأولى، 1424 (2003م). بيروت، لبنان.
  • نهاية العمل، مأزق الرأسمالية. جيرمي ريفكين، ترجمة وتقديم، الأستاذ الربيز: رجب بودبوس. أكاديمية الفكر الجماهيري، 2005م، بن غازي، ليبيا.

إحدى مظاهرات احتلّوا وول ستريت، في تايمز سكوير. قُدّر الحشد بأكثر من 20000. مصدر الصورة: فليكر، تصوير: Neil Girling

تمت الاعتقالات أثناء محاولة المتظاهرين العودة إلى منطقة وول ستريت، في يوم 24 سبتمر 2011م. مصدر الصورة: فليكر، تصوير: Rocco P. Hill

مظاهرة تضمّ آلاف المحتجين أمام الحاز المركزي الأوروبي في فرانكفورت، ألمانيا. مستوحاة من احتجاج احتلوا وول ستريت في مدينة نيويورك. تصوير: Carsten Koall، غيتي إيماجيس. مصدر الصورة Avaxnews

احتجاجات في كندا، استجابة لتدويل حركة احتلّوا أول ستريت. مصدر الصورة: Avaxnews

متظاهرة تحمل لافتة في مظاهرة مستوحاة من حركة احتلّوا وول ستريت، يوم 21 أكتوبر 2011 في ملبورن، أستراليا. تصوير: Mark Dadswell، غيتي إيماجيس. مصدر الصورة: Avaxnews

«احتلوا ملبورن»، يوم 21 أكتوبر 2011م. اشتباك شرطة مكافحة الشغب مع متظاهرين في ملبورن، استراليا، الذين تمركزوا في سيتي سكوير لمدة أسبوع. تصوير: Mark Dadswell، غيتي إيماجيس. مصدر الصورة: Avaxnews

دمية ألبست زي مصرفي في وول ستريت، تتدلّى من سلك هاتف، في 28 أكتوبر 2011 في ميامي، فلوريدا. قام فنان بإنشاء التركيب المعلق فوق لافتة، تقول: «امنح مصرفيًا في وول ستريت حبلًا كافيًا وسيشنق نفسه». تصوير: Joe Raedle، غيتي إيماجز. مصدر الصورة: Avaxnews