معجم المصطلحات الكبير
رومان ياكوبسون
اللغة والأدب

كان ياكوبسون (1896- 1982م) جسرا بين الشكلانية الروسية والبِنْيوية، فهو عضو مؤسّس في الحلقة اللغوية بموسكو، وتكشف جميع كتاباته عن مركزية النظرية اللغوية في فكره لا سيّما تأثير سوسير. وكان أيضا مؤّيدا متحمّسا للشعراء التجريبيين. في عام 1920م، انتقل إلى تشيكوسلوفاكيا وساعد في تأسيس الحلقة اللغوية المؤثّرة في براغ. ومع الغزو النازي لتشيكوسلوفاكيا في عام 1939م، غادر البلاد واستقرّ أخيرا في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1941م. وبصرف النظر عن أبحاثه اللغوية، اكتسب ياكوبسون احتراما كبيرا لتحليلاته اللغوية الدقيقة للأعمال الأدبية الكلاسيكية. كان ياكوبسون وكلود ليفي شتراوس، عالم الإناسة الفرنسي، زميلين في مدرسة نيوسكول للأبحاث الاجتماعية في نيويورك منذ عام 1941م. وقد تعاونا في تحليل قصيدة بودلير «القطط»، والتي لم تصبح مشهورة فقط باعتبارها تحليلا بنيويا نموذجيا، بل أثارت أيضا الكثير من الانتقادات السلبية. حاول ياكوبسون القيام بالمهمّة الشاقّة المتمثّلة في محاولة تعريف «الأدبية» بمصطلحات لغوية. مُناقلتُه «اللغويات والشعر»، التي ألقاها في مؤتمر عام 1958م ونشرت بعلوان «الأسلوب في اللغة» عام 1960م، تُقدِّم أوضح تعبير عن أفكاره حول هذا الموضوع.

حتى عندما ننقل عملا أدبيا، كما يجادل، من وسيط إلى آخر (على سبيل المثال، تحويل رواية إلى قليد، أو ملحمة إلى كتاب هزلي)، تُحفظ بعض السمات البنيوية، «على الرغم من اختفاء شكلها اللفظي». إنّ العديد من سمات العمل الأدبي لا تقتصر على اللغة التي يُعبّر بها. على سبيل المثال: «قيمة الحقيقة» في العمل الأدبي، أو أهميته باعتباره أسطورة، هي بوضوح «كيانات خارج اللغة». وتتجاوز مثل هذه الجوانب «حدود الشعر واللغويات بشكل عام». يبدو أن ياكوبسون هنا يتجاوز نهجا شكلانيا محضا، ولكن في حين يكشف عن وعيه بهذه الأبعاد، فإنه يظلّ حازما في تقييد نفسه بالجانب اللغوي البحت: «... لا يمكن لأي بيان يفرض أذواق وآراء الناقد الخاصّة على الأدب الإبداعي أن يعمل كبديل للتحليل العلمي الموضوعي للفنّ اللفظي». فكرة أخرى من أفكاره أثبتت أنها ذات صلة خاصّة بالنظرية الأدبية الحديثة، وهي افتراض قطبين أساسيين لتنظيم الخطاب يمكن تتبّعهما في كلّ نوع من المنتجات الثقافية: الاستعارة metaphor والمجاز metonymy. طُوِّرت هذه الفكرة نتيجة التحقيق في اضطراب الحبسة aphasia (شُرحت بالتفصيل في كتاب أساسيات اللغة، 1956، والذي نشره بالاشتراك مع موريس هال Morris Halle). في الجملة: «عبرت السفينة البحر»، يمكن جعل الجملة مجازية باختيار فعل مختلف، على سبيل المثال بمقارنة حركة السفينة بحركة المحراث «حرثت السفينة البحر». إن المجاز هو استعمال صفة من صفات الشيء للإشارة إلى الشيء بأكمله. على سبيل المثال، يمكن أن يشير العمق إلى البحر «عبرت السفينة الأعماق». تعتمد الاستعارة على التوليف بين مجموعة من الأشياء ليس بالضرورة أن تكون مرتبطة أو متجاورة، في حين يستعمل المجاز الصفات المرتبطة ببعضها ارتباطا وثيقا.

قاد هذا ياكوبسون إلى إجراء بعض التوصيفات المثيرة للاهتمام للمدارس الأدبية المختلفة وَفْقا لمواقفها على محور الاستعارة والمجاز: لقد تمّ الاعتراف مرارا وتكرارا بأسبقية العملية الاستعارية في المدارس الأدبية للرومانسية والرمزية، ولكن ما يزال من غير المفهوم بشكل كافٍ أنّ هيمنة المجاز هي التي تكمن وراء ما يسمى بالاتجاه «الواقعي» وهي التي تحدده مسبقًا، الاتجاه الواقعي الذي ينتمي إلى مرحلة وسيطة بين تراجع الرومانسية وصعود الرمزية ويعارض كليهما. طوّر ياكوبسون مفهومي «النَّزْلفة» defamiliarisation و«التنصيص» foregrounding بشكل أكبر لتوصيف مدارس كاملة من الفكر النقدي والأدبي. في النظام الحَرَكوتي (الديناميكي) لعمل أدبي، تنظّم العناصر في علاقة مع بعضها البعض كضَبِيب background ونَصِيص foreground. وقد أشار الشكلانيون الروس المتأخّرون إلى العنصر الموجود في التنصيص باعتباره «المهيمن» dominant. اعتبر ياكوبسون «المهيمن» أحد أهم المفاهيم الشكلانية اللاحقة. وقد عرّفه بأنّه «المكوّن المحوري لعمل فنّي؛ فهو يحكم المكونات المتبقّية ويحدّدها ويحوّلها». تتغيّر الأشكال الأدبية وتتطوّر نتيجة للمهيمن المتغيّر. كان يُعتقد أنّ النظرية الأدبية (أو الشعرية) لأي حقبة معيّنة قد تكون محكومة «بمهيمن» مشتقّ من نظام غير أدبي. على سبيل المثال: كانت نظرية شعر عصر النهضة مستمدّة من الفنون البصرية visual arts، ونظرية الواقعية من الفنّ اللفظي verbal art. لا تتغيّر العناصر الأساسية للنظام (الحبكة، والأسلوب، والنحو، وما إلى ذلك) ولكن وظائف العناصر تتغيّر. (النظرية الأدبية، دافيد كارتر).

تعليق

التنصيص في اللغة، هو التعيين على شيء ما، مأخوذ من صِنْعات التصوير، وهو تحديد موضوع الصورة عن طريق ضبط الميزاف وتضبيب الأجزاء الأخرى. النصيص هو الخالم الذي تظهر فيه الصورة بوضوح تام ودقّة كبيرة، والضبيب هو الأجزاء الأخرى التي تظهر على شكل مضبّب. التنصيص foregrounding في الأسلوبية هو جذب الانتباه إلى سمة معيّنة للخطاب أو التمثيل عن طريق الانزياح عن المعايير اللغوية أو التوقّعات التقليدية. بالنسبة للغويين في مدرسة براغ، يشير هذا المصطلح إلى سمة أسلوبية تميّز اللغة الشعرية (واللغة الأدبية بشكل عام)، حيث تلفت الأدوات اللفظية (مثل الأشكال البلاغية للكلام) انتباها خاصّا إلى نفسها. صرح جان موكاروفسكي (1891-1975)، وهو منظّر أدبي تشيكي، قائلا: «إنه لا يستعمل في خدمات الاتصال، ولكن من أجل وضع فعل التعبير في المقدمة». وبعبارة أخرى، في هذا الشكل من استعمال اللغة، «ليس ما تقوله هو المهمّ، بل الطريقة التي تقوله بها».

مترادف

رومان جاكوبسون

لغة كلزية

Roman Jakobson
مراجع

  • Literary Theory. David Carter. Pocket Essentials, 2006. Great Britain