عملية يتمّ بمقتضاها تعلّم العادات الجمعية لثقافة أخرى، وإضعاف الاختلافات التي توجد بين الأفراد أو بين الجماعات، كما تعمل على زيادة مظاهر الوحدة وتوحيد الاتجاهات والعمليات العقلية التي تتصّل بالمصالح والأهداف المشتركة، ويتمّ في الاستيعاب الثقافي التخلّص التام من الفروق الثقافية عكس التثقيف. يتعرّض لعملية الاستيعاب الثقافي الأفراد والجماعات إذا حلّوا بين أفراد أو جماعات أخرى غريبة يختلفون عنهم في عدد من النواحي والمقوّمات، على أن تكون الإقامة بينهم دائمة مع المشاركة لهم في مختلف أنشطة الحياة، كما يمكن أن يحدث الاستيعاب الثقافي بين مجتمعين أو أكثر إذا ما اختفت الحدود الفاصلة بينهم واتّجهوا إلى الاتحاد في جماعة واحدة أو مجتمع واحد لتحقيق عدد من الأهداف المشتركة، ولهذا تتّجه هذه العملية لتنمية اتّجاهات موحّدة ذات طابع عاطفي في العادة.

ومن بين النماذج العالمية للاستيعاب الثقافي عملية استيعاب الأجناس الأوروبية والآسيوية في أمريكا، والسياسة التي تستهدف استيعاب الشعب الفلسطيني في المجتمعات الأوروبية وفي أمريكا، وكذلك عمليات الاستيعاب الثقافي والاجتماعي التي عرفها التاريخ الحديث للجماعات اليهودية في المجتمعات التي يقيمون فيها، فقد اقتنع عدد كبير من يهود العالم بهذه العملية لا سيّما أولئك الذين استوطنوا بلاد غرب أوروبا والولايات المتّحدة، حيث اندمجوا اجتماعيا وسياسيا وثقافيا، ولم يعد يربطهم بتاريخهم القديم وتراثهم الثقافي الأوّل سوى عقيدتهم الدينية، وبالمقابل فإنّ يهود شرق أوروبا ووسطها لم يوفّقوا في عملية الاندماج الثقافي الكامل في تلك المجتمعات، ويعود ذلك إلى قلّة تشجيع تلك المجتمعات لعملية استيعاب اليهود، كما وقف اليهود أنفسهم ضدّ هذه العملية، مفضلين العزلة الاجتماعية والثقافية، حتّى في السكن حيث كانت لهم حاراتهم وأحياؤهم مثلما كان عليه الحال في الدول العربية، ثمّ ظهور الحركة الصهيونية في نهاية القرن التاسع الميلادي، فهي حركة سياسية قوية متشدّدة شجّعت اليهود على عدم الاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها، والاحتفاظ بكيانهم الثقافي والاجتماعي عن طريق العزلة، ولم تكن أي مشاركة لهم في الحياة اليومية إلاّ في المجال الاقتصادي.