معجم المصطلحات الكبير
نحْت
الاصطلاح

أخذ كلمة من كلمتين أو أكثر مع المناسبة بين المأخوذ والمأخوذ منه في اللفظ والمعنى معا، بأن تعمد إلى كلمتين أو أكثر فتسقط من كلّ منهما أو من بعضها حرفا أو أكثر، وتضمّ ما بقي من أحرف كلّ كلمة إلى الأخرى، وتؤلّف منها جميعا كلمة واحدة، فيها بعض أحرف الكلمتين أو أكثر، وما تدلاّن عليه من معان. وقد عرّفه من القدامى ابن فارس في الصاحبي فقال: العرب تنحت من كلمتين كلمة واحدة، وهو جنس من الاختصار، ويريد بتنحت تقطع. يوجد فرق بين النحت والتَّمْش المعروف بالتركيب المزجي، فالنحت لون من ألوان التركيب تُنتقص فيه المواد المركّبة وتُختزل، على حين يجمع التمش بنيتي الكلمتين من دون إنقاص، والنحت وسيلة رائعة لتنمية اللغة وزيادة ألفاظها وتجديد أساليبها في التعبير والبيان، وقد أقرّ مجمع اللغة العربية في القاهرة سنة 1943م اللجوء إلى النحت عند الضرورة مع مراعاة انسجام الحروف عند تأليفها مع الكلمة المنحوتة، وتنزيل هذه الكلمة على أحكام العربية وصياغتها على وزن من أوزانها.

يقسمّ علماء العربية النحت إلى أربعة أقسام، وهي: (1) النحت الفعلي، وهو الذي يُنتج فعلا يدلّ على حكاية القول أو حدوث المضمون أو يتضمّن معناها، مثل: حَوْقَل، من لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، وجَعْفَل من جُعلت فداءك. (2) النحت الوصفي، وهو نحت كلمة من كلمتين للدلالة على صفة بمعناها، أو تدلّ على صفة أقوى منها في الدلالة، مثل: الضبطر، ومن ضبط وضبر، والصلدم، من الصلد والصدم؛ (3) النحت الاسمي، وهو النحت الذي يكون بين اسمين ويُعطي اسما، مثل: حَبْقُرّ للبَرَد، من حبّ وقُرّ الذي هو البَرْد، يقال هذا أبرد من حبقرّ، أي أبرد من البرد؛ (4) النحت النسبي، الذي يتحقّق به النسب، مثل: عَبْشَمي، من عبد وشمس، وبَنْعَسي، من أبناء عيسى.

من المعروف لدارسي تاريخ اللغة والشائع عندهم أنّ النحت لم يكن يوما من الأيّام الوسيلة المثلى لنمو اللغة العربية وتطوّرها، وأنّ ما نُحت قبل الإسلام وما اخترعه بعضهم في العصر الإسلامي من ألفاظ يُعدّ قليلا جدا بالنسبة لتوالد الألفاظ بواسطة الاشتقاق، الذي يعتبر القاعدة العامّة التي تسير عليها العربية في توليد الألفاظ الجديدة، والواقع أنّ الاشتقاق لا ينمّي اللغة، لأنّ المواد اللغوية في العربية محدودة، وهي لا تزيد عن بضعة آلاف مادّة، كما أن الصيغ الاشتقاقية محدودة أيضا في المعنى والمبنى، لأنّه ليس من الاشتقاق أن تُصاغ مادّة معجمية على وزن رفاهية وعلانية إذا كان العرب لم يصوغوها من قبل، ولا على وزن خمر وتمر إذا لم ترد في المعاجم العربية، أمّا اسم الفاعل واسم المفعول فليسا زيادة في العربية لأنّهما تحصيل حاصل، إنّما يكون نمو العربية وزيادتها بزيادة موادّها المعجمية وهذا لا يصنعه الاشتقاق (الصغير) بل يقوم بهذه المهمّة النحت وأضرابه كالإلحاق والاقتصار والاشتقاق الكبير، والاشتقاق بمفرده لا يمكن أن يحلّ صعوبات تكيّف اللغة العربية في مجال اللغات الصِّنْعية، والنحت إحدى الوسائل المساعدة على الرقي اللغوي، وقد تعاملت معه المجامع اللغوية بشيء من الحذر وعند الضرورة المقيّدة بالقصوى، واعتبره المجمع العلمي العربي قياسا مقتصرا على الصيغ التالية: فعْلل، وتفعْلل، وفعْللي. ورأى إبراهيم أنيس (عضو مجمع) أنّ هذه الصيغ تضيّق اللغة واقترح.

(1) أن تُجعل الكلمة المنحوتة حين تكون فعلا متعدّيا على فعْلل، ويكون لازمه تفعْلل، والمصدر فعْللة للمتعدّي، وتفعْلل للاّزم، وقد جاءت معظم الكلمات المنحوتة والمروية عن العرب على هذه الصورة. (2) أن يُجعل الوصف على صورة فعْللي، أي بالإضافة إلى ياء النسبة مثل : عبشمي، وحضرمي، ودرعمي، وألقمي. (3) أن يُقتصر على النحت من كلمتين، فلا يُظنّ أن النحت في المصطلحات العلمية الحديثة يتطلّب أن يكون أكثر من كلمتين. (4) أن يؤخذ من كلّ من الكلمتين بعض الأصوات مع مراعاة ترتيبها. (5) أن يُعرف أنّ نجاح الكلمة المنحوتة يتوقّف على جرسها ومقدار إيحائها بالمعنى الأصلي.

من البديهي أن يخضع النحت وغيره لضوابط اللغة لكي لا يشوّهها ويتضعضع بناؤها، والذين يقلّلون من شأن النحت يأتون بألفاظ منكرة ليدلّلوا بها على عدم صلاحيته، مثل: (الكُباكحد) في كبريتات الحديد و(المصطعلاجدّة) للمصادر الطبيعية اللامتجدّدة و(الكثاسكن) لكثافة السكّان، و(العمطبيعة) للعوامل الطبيعية، وهم بذلك يجعلون النحت في كلّ ما يُقال وأنّ العملية النحتية يمكن أن تضمّ الجملة والجملتين، كما أنّنا نعلم أنّ هذه الألفاظ لا محالة تبدو غريبة مجافية للذوق متنافرة أصوات الحروف، وأكثرها مخالف للصيغ الاشتقاقية العربية، ولكن يغيب عن بال هؤلاء أنّ الكثير من الرباعيات والخماسيات التي تدارسها الصرفيون الأوائل قد عدّوها من المنحوتات مثل: الجمهور والفرزدق والجلمود والعتابيل والصلدم وغيرها كثير، والنظرة العجلى في معجم مقاييس اللغة لابن فارس تبيّن مقدار أثر النحت في اللغة العربية ومدى مساهمته في تطوير أبنيتها بما حمله من ضروب الإيجاز وطرائق الاختصار. وتضمّ العربية اليوم ثروة من الألفاظ صيغت بالنحت فجاءت عربية صريحة لا عوج فيها ولا أمتا، مثل: الغِلِزّ من غير وفلزّ، والغِلّور من غير وبلّور، والقرْسم من قرأ ورسم لما يُعرف من الكتابة المصرية القديمة، والسرْنمة من سار ونام، والنفسمي من نفسي وجسمي، والبهْضم من بهيمة ضخمة، زيادة على هذا فإن الدارجة تستعمل النحت في الكثير من ألفاظها وهي لهجة ذات طبيعة عملية، وممّا نحته العامّة في أسماء القبائل: «البَناعِسة» مأخوذة من أبناء عيسى ومن كان من هذه القبيلة قالوا عنه «بنْعَسي» و«الحرازِلة» من حرز الله والنسبة إليها «حرْزلي» و«العبادِلة» من عبد الله والنسبة «عبْدلي».

يُمكن إضافة ثلاث قواعد على ما جاء به إبراهيم أنيس، وهي: (1) أن يكون هناك حرف أو حرفان تشترك فيهما الكلمتان معا، مثل حرف الراء في كلمة قرسم من قرأ ورسم، والسين في كلمة نفسمي من نفس وجسم، والضاد والباء في ضبطر من ضبط وضبر، والباء والدال في بُرْجُد من بُرْد وبِجاد. (2) أن يُقتصر في صياغة الكلمة الجديدة على الثلاثي والرباعي ما أمكن حتّى لا تُستثقل الكلمة المنحوتة. (3) أن تُقتاس على إحدى الكلمات الموجودة في العربية، مثل: رَسَمْساء من رسْم ساء للدلالة على إحدى أنواع الكتابات المصرية القديمة، وقد اُقتيست على برَنْشاء في العربية ومعناها الناس.

لغة كلزية

contamination
مراجع

  • همزة الوصل، وثائق المؤتمر الثاني للتعريب، الجزء السادس. الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وزارة التعليم الابتدائي والثانوي، مديرية التكوين والتربية خارج المدرسة، المنظّمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الجزائر من 12 إلى 20 ديسمبر 1973م).
  • عبد الله أمين (الاشتقاق)، مكتبة الخانجي، 2000م.
  • المصطلحات العلمية والفنّية، وكيف واجهها العرب المحدثون، الربيز: ضاحي عبد الباقي، الطبعة الأولى 1413. مطبعة الزهراء، القاهرة.