معجم المصطلحات الكبير
مُصْطلح
الاصطلاح

لفظ ذو دلالة خاصّة متعارف عليها بين طائفة من الناس في مجال معيّن أو حقل من حقول المعرفة. على شرط أن يكون بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي مناسبة تجمع بينهما، كالعموم والخصوص، أو لمشاركتهما في أمر، أو مشابهتهما في وصف أو غير ذلك. هناك المصطلح البسيط وهو المتكوّن من كلمة واحدة، وهذا هو السائد في المصطلحات العلمية، وقد يخرج عن ذلك ويُصبح وحدة دلالية مكوّنة من أكثر من كلمة، ويُسمّى في هذه الحال المصطلح المركّب. شكّل غياب المصطلح العلمي أكبر عائق لوجود لغة علمية عربية موحّدة، كما اعتمد عليه الممتنعون عن استعمال اللغة العربية في التدريس والبحث العلمي، وهذا طبعا خبط وخلط بين المصطلح الذي هو وعاء، واللغة التي هي أداة التفاهم، فالغربيون كلّهم يستعملون مصطلحات علمية موحّدة إلى حدّ كبير إلاّ أنّ ذلك لم يخرجهم عن التحدّث بلغاتهم المختلفة، وقد بذلت جهات متعدّدة وأفراد كثيرون جهودا جبّارة لوضع مصطلحات عربية لمقابلة المصطلحات الأجنبية، أفلح بعض هذه الجهود وأخفق بعضها الآخر.

نتج عن تعدّد مصادر وضع المصطلح في العربية اختلاف المصطلحات من قطر إلى آخر، بل اختلفت في القطر الواحد أحيانا، ورأى بعضهم أنّ الأزمة التي تعلّقت بقلّة المصطلح أوّل مرّة تفاقمت لتصبح مشكلة في التوحيد بين المصطلحات المتنافرة، والواقع أنّ تعدّد المصطلح للمفهوم الواحد لا يُعدّ مشكلة على الاطلاق، فاستعمال المصطلحات سيؤدّي في النهاية إلى غلبة بعضها على بعض، فلو أخذنا على سبيل المثال كلمة computer في اللغة الكلزية، فقد وُضع لها في اللغة العربية اسم الحاسِب الإلكتروني، والعقل الإلكتروني، والحاسِبة الإلكترونية، والمِحْساب، والنظّامة، والحَسّابة، والحُسّابة، والمِحْسبة، والحاسوب، والحَيْسوب، والكمبيوتر، ثمّ استقرّ الأمر اليوم على اسم الحاسوب، وكان هذا التعدّد في الأسماء أمرا متوقَّعا، لأنّ الحاسوب انتشر استعماله سريعا في الأقطار العربية، على نحو تجاوز النمو الطبيعي للغة وتطوّرها. بل إنّ كثرة المصطلح العربي في مقابل المصطلح الأجنبي سيعطي العربية قوّة في مواجهة هذا الوافد الدخيل، وإنّ عدد المصطلحات الكثير سيجعل للعربية حظّا أوفر في أن يتغلّب أحدها على المصطلح الأجنبي، كما أنّ تعدد المصطلحات سيعطي العربية مجالا أرحب لتدقيق معاني ألفاظها وتحسينها، مثال ذلك مُصطلح «مُستحاثة» فهو شائع في الشام وفي المغرب العربي، بينما يُستعمل في مصر والجزيرة العربية مصطلح «أحفورة». إنّ الاستعمال الحالي لهذين المصطلحين يميل إلى تخصيص كلمة «مستحاثة» fossile لبقايا الكائنات الحيّة المتحجّرة في الطبقات الحِتاكية القديمة التي تعود إلى أبْلاف السنين، ومصطلح «أحفورة» subfossile للدلالة به على بقايا الإنسان وكلّ ما تعلّق به من آثار في عصور ما قبل التاريخ. مثل ذلك أيضا كلمة «إعلان» التي تشيع في المشرق وكلمة «إشهار» التي تستعمل في المغرب، فالتوظيف الحالي لهذين المصطلحين يتّجه إلى التفريق بينهما في جعل «الإعلان» لمقابلة advertising في الكلزية، و«الإشهار» للدلالة به على ما يُعرف باسم publicity.

المشكلة إذن ليست في الكثرة بل في الاستعمال، فالمجتمعات العربية مهزومة ومُعقّدة من استعمال الألفاظ العربية، ومنبهرة بالألفاظ الدخيلة، فكلمة المِرْناة التي ظهرت في أوّل ما ظهرت هذه الوسيلة الإعلامية لم تلق أبدا الترحيب ولم يكتب لها الشيوع، على الرغم من أنّها أحسن وقعا من كلمة «تلفاز» التي أدخلها إلى العربية «أحمد زكي» وشاعت عنه واشهرت، وقد قال «محمود عبّاس العقّاد» عن المرناة: «الرُّنُو يفيد معنى الالتفات إلى المنظر الحسن كما يفيد معنى الالتفات إلى الصوت الحسن، مع اشتغال القلب بلهو يستهويه ويَرُوقه، ولم توجد في لغات العالم كلمة واحدة تجمع خصائص هذا المخترع الحديث كما جمعتها هذه الكلمة العريقة».

زيادة على هذا الذي ذُكر آنفا فإنّ المصطلحات العربية لكي تنتشر وتعمّ ويكون عليها الإقبال من الباحثين والكتّاب لا بدّ أن تُساندها قوّة القانون، وأن تُفرض فرض عين، وأن لا تُترك نافلةً للأفراد يعتبرونها من فروض الكفاية، فاللغات الغربية القياسية والمُنمّطة والتي تُدرّس اليوم وتُلقّن للشباب الأوروبي لم تكن كلّها متجانسة إلى عهد قريب، فالإيطالية على سبيل المثال يختلف نطقها ومعجمها اختلافا كبيرا بدءا بالجنوب وانتهاء بالشمال ومثلها الألمانية، فالإرادة السياسية هي التي كانت وراء وحدة إيطاليا اللغوية ووحدة ألمانيا اللغوية أيضا، وكذلك فرنسا التي تحتوي على العديد من اللغات المختلفة الأصول والأعراق إلاّ أنّ المطلب اللغوي لهذه الأعراق قوبل بالصرامة والرفض القاطع، ثمّ جاء التعليم في الأطوار كلّها مع الإعلام اللذان زادا من تجانس اللهجات الأوربية وتقاربها من بعضها بعضا في الدولة الواحدة، إذن الاستعمال الإجباري هو الذي يعطي للمصطلحات العربية فرصة البقاء والحياة وهو الغربال الذي سيفرز الجيّد من الرديء بعد ذلك.

مرّ المصطلح في وضعه عند المجامع اللغوية بعدّة مراحل، بحيث إذا لم تفلح المرحلة الأولى جُرّبت الثانية: (1) التفتيش على المقابل العربي الفصيح في المعاجم اللغوية. (2) التفتيش على المقابل العربي الفصيح في التراث العربي، ولو أهملته المعاجم. (3) الالتجاء إلى المشتقّات القياسية أو تضمين اللفظ القديم معنى جديدا أو النحت من كلمتين أو أكثر. (4) التفتيش عن الألفاظ المولَّدة في التراث العربي الصادر بعد عصور السلامة اللغوية. (5) قبول ألفاظ الدارجة التي لا يوجد لها مقابل فصيح كما هو موجود عند أهل الصنائع. (6) قبول بعض المصطلحات العلمية الأجنبية التي شاعت في لغات العالم كما في علوم النبات والحيوان. وقد ألِف مجمع اللغة العربية في القاهرة أن يضع المصطلح بين أيدي جماعات متخصّصة لتصقله، وكان دافعه إلى ذلك ضمان السلامة والرضى للمصطلحات التي يقترحها حيث: (1) تضع المصطلح لجنة من مجموعة من اللغويين والخبراء بالعلم الذي ينتمي إليه المصطلح. (2) ثمّ يُناقش المصطلح أمام مجلس المجمع الذي يضمّ اللغويين وأساتذة العلوم الحديثة. (3) ثم يُناقَش المصطلح أمام المجمع الذي يضمّ ممثّلين من الأقطار العربية الأخرى. (4) وربّما ناقش المجمع مصطلحاته أمام مؤتمر المجامع العربية الذي تمّ في العقود الأخيرة.

تعليق

المصطلح اسم مفعول، والفعل «اصطلح» اللازم يُفيد معنى زوال الخلاف ووقوع الصلح، وإذا عُدّي بحرف الجرّ دلّ على الاتفاق، يُقال اصطلح العلماء على الأمر أي اتّفقوا، والأصل أن يُقال: المُصْطلح عليه، كقولنا المتّفق عليه والمتعارف عليه، إلاّ أنّ كثرة الاستعمال وبيان المراد اُستغني عن الجار والمجرور، واُقتصر على كلمة مصطلح، فيُقال: هذا اللفظ مصطلح أي له دلالة على مفهوم معيّن. والمعنى اللغوي لكلمة المصطلح يدل على أنّ المعنى لأي كلمة لا يرتبط بها كارتباط النفس بالجسد، بل السياق اللغوي الذي تُستعمل فيه الكلمة هو الذي يحدّد المفهوم ويبيّن المراد من المعنى، فالكلمة تتغير تبعا لتغير استعمالها، لذلك قيل المصطلح أي المتّفق عليه، فذهاب الاتفاق ذهاب المعنى بالضرورة. استعمل «التهانوي» لهذا المعنى صيغة المصدر في مؤلّفه المعروف «كشّاف اصطلاحات الفنون»، إلاّ أنّ مجمع اللغة العربية في القاهرة آثر استعمال صيغة اسم المفعول فيما نشره من «مجموعة المصطلحات العلمية والفنّية»، وقد ذكر لفظ المصطلح الكثير من العلماء القدامى كابن خلدون، وابن فضل الله العمري المولود سنة 700 في كتابه «التعريف بالمصطلح الشريف»، وكذلك كمال الدين عبد الرزاق القاشاني (توفي سنة 720)، ومثله القلقشندي صاحب كتاب «صبح الأعشى في صناعة الإنْشا»، أمّا فلاسفة الإسلام قديما فقد استعملوا لفظ «الحدّ».

مراجع

  • دراسات لغوية. الربيز: حسين نصّار. دار الرائد العربي، 1401، 1981م. بيروت، لبنان.
  • معجم مصطلحات النحو والصرف والعروض والقافية. الأستاذ الربيز: محمّد إبراهيم عُبادة. الطبعة الرابعة، 1430. مكتبة الآداب، القاهرة، مصر.