معجم المصطلحات الكبير
صُبْح الأعْشى في صِناعة الإنْشا
اللغة والأدب

كتاب: «صبح الأعشى في صناعة الإنشا» للقلقشندي (756- 821)، هو أهمّ كتاب في الصناعة الإنشائية، وأجمع الموسوعات الأدبية والتاريخية للأمّة العربية، منذ عرفت التدوين إلى منتصف القرن التاسع. الظاهر أنّ القلقشندي قد بدأ كتابة مؤلّفه الجامع زهاء سنة 805 إذا قدّرنا أنّه استغرق في تأليفه عشرة أعوام، فهو يقول في مقدّمته إنّه فرغ من تأليفه في شوّال سنة 814. وقد سبق القلقشندي غير واحد في هذا المجال، أشهرهم: أحمد بن فضل الله العمري في كتابه: «التعريف بالمصطلح الشريف»، ومنهم ابن ناظر الجيش، ألّف تتمّة لكتاب العمري، سمّاها: «تثقيف التعريف» وأضاف إليه زيادات هامّة، ومن مثل كتاب «صناعة الإنشاء» أيضا كتاب: «قانون الرسائل» لابن الصيرفي. وقد اطّلع القلقشندي على التعريف والتثقيف وذكرهما واقتبس منهما، كما اقتبس أيضا من كتاب «موادّ البيان» لعلي بن خلف من كتّاب الدولة العبيدية، وكتاب «معالم الكتابة» لابن شيث، وكتاب «الأوائل» لأبي هلال العسكري، وكتاب «الأموال» لأبي عبيد، و«ذخيرة الكتّاب» لابن حاجب النعمان، و«صناعة الكتّاب» لأبي جعفر النحّاس، وكتابين آخرين لم يذكر مؤلّفيهما، هما كتاب «حسن التوسّل» وكتاب «الدر الملتقط». الموسوعة كلّها مؤلّفة من مقدّمة وعشر مقالات وخاتمة، وقد طبعتها دار الكتب المصرية في أربعة عشر جزءا، وذلك ما بين سنتي 1903م، و1919م. وقد سبق البحث الغربي كعادته إلى العناية بهذا الأثر النفيس، فتُرجمت منه إلى الفرنسية مجموعة هامّة من الوثائق الرَّماصية (الدبلوماسية) التي تبودلت بين مصر والدول الفرنجية، وترجمت منه مختارات إلى الفرنسية والألمانية.

يتناول القلقشندي في المقدّمة الحديث عن فضل الكتابة ومدلولها، والتعريف بحقيقة الإنشاء وقوانينه وترتيبه، وفي المنشئيين وآدابهم وصفاتهم، وما يحتاج الواحد منهم من المعارف والعلوم. استغرق هذا الجزء من الموسوعة زهاء 400 صفحة، ويصلح أن يكون وحده مؤلَّفا مستقلا. تشتمل المقالة الأولى عمّا يجب أن يستوعبه الكاتب من موادّ الإنشاء، والمعارف اللغوية والأدبية وأحوال الأمم والأحكام السلطانية، والمراسلات السياسية والإدارية، وما يحتاج إليه الكاتب من أنواع الأقلام والورق والحبر، وغيرها، ويتبع ذلك بنبذة عن الخطاطة الإسلامية وتاريخها. ونجد في المقالة الثانية الحديث عن المسالك والممالك وهو علم تقويم البلدان مفصلا بما ينطوي عليه من وصف الممالك سياسيا وإراضيا بمصر والشام وما يحيط بهما أو يجاورهما من الأمم الأخرى، إسلامية وغيرها؛ وفي المقالة الثالثة تفصيل وافٍ لترتيب المكاتبات وما يناسب أنواعها من الأقلام وأحجام الورق قديما وحديثا، وأنواع المراسيم ومصادرها، وأقلام الترجمة واختصاصها، وفي فواتح الرسائل وخواتمها، في مختلف الدول الإسلامية والعصور مع تخصيص مصر بالنصيب الأوفى من الشرح والبيان. أمّا المقالة الرابعة، فهي أهمّ مقالات الكتاب وأضخمها، يستهلّها بتقديم فهرس مطوّل لألقاب الملوك وأرباب السيوف والعلماء والكتّاب والقضاة، مرتّبة على حروف المعجم، وقد وردت به شروح لسائر الصفات والألقاب التي نراها مدوّنة في مختلف الرسائل، الخلافية والسلطانية والوزارية، والموجّهة إلى أكابر رجال الدولة وأقطاب العلم والأدب، وأرباب السيوف والعلماء، وأهل الصلاح ومشايخ الصوفية، وكذلك ألقاب أكابر النصارى من البطارقة والملوك والملكات. تشتمل هذه المقالة أيضا على فصل يعالج مصطلحات المكاتبات الدائرة بين ملوك أهل الشرق والغرب، وبين كتّاب الديار المصرية في مختلف العصور، ويلي ذلك استعراض للمكاتبات الصادرة من الملوك إلى الخلفاء، ويقدّم نماذج منها.

تتناول المقالة الخامسة، مسألة الولايات، وطبقات الخلافة والسلطنة، وولايات أرباب السيوف وأرباب القلم، ثمّ الألقاب من خلافية ومملوكية، والألقاب الصادرة إلى ذوي الولايات المختلفة، ثمّ البيعات، والعهود، وأنواعها، ويقدّم القلقشندي أيضا نماذج من مختلف المراسيم والعهود في مختلف العصور. تشغل المقالتان الرابعة والخامسة من صبح الأعشى نحو ثلاثة مجلّدات، من منتصف المجلّد السادس إلى أواخر المجلّد الثامن. في المقالة السادس يتحدّث القلقشندي عن الوصايا الدينية والمسامحات وتصاريح الخدمة السلطانية، وعن التواريخ ومقابلاتها، ويتحدّث في السابعة عن الإقطاعات وأصلها، ونشأتها، وأحكامها، وأنواعها، ويقدّم إلينا نماذج من المراسيم الصادرة في مختلف الدول والعصور، ويتحدّث في المقالة الثامنة عن الإيمان وأنواعها منذ الجاهلية وفي عصور الإسلام والإيمان الملوكية والأميرية في الدول الإسلامية وغيرها، ونجد في المقالة التاسعة عهود الأمان وعقدها لأهل الإسلام والكفر، وما يكتب منها لأهلّ الذمّة، ثمّ الهُدَن وأنواعها وصيغها، وعقود الصلح ونماذجها، وفي المقالة العاشرة الأخيرة، يعرض القلقشندي نماذج مختلفة من الرسائل الملوكية في المديح والفخر والصيد، ثمّ جاءت الخاتمة حيث اشتملت على ما يتعلّق بديوان الإنشاء في غير شؤون الكتابة، مثل البريد وتاريخه في مصر والشام، ثمّ الحمام الزاجل وأبراجه ومطاراته، ثمّ المناور والمحرقات التي تستعمل في استطلاع حركات العدو. وعلى هذا يمكن القول إنّ القارئ لكتاب القلقشندي «صبح الأعشى» سيجده موسوعة ضخمة تجمع بين الأدب والتاريخ والإراضة، والاقتصاد والاجتماع والعلوم الدينية، ونظم الحكم والتراجم والفنون والعلوم، وغيرها من ضروب المعرفة التي تجعل منه موسوعة ثمينة تعتزّ بها الحضارة العربية الإسلامية في العصور الوسطى.

يقول المستعرب الروسي كراتشكوفسكي: يمثّل هذا المصنّف قبل كلّ شيء مصنّفا نقليا، إلاّ أنّه يجب أن نستدرك على هذا بقولنا: إنّه يضمّ مادّة ضخمة جديرة بكلّ ما يليق بها من تقدير، فهو بهذا يُعدّ إلى حدّ ما مُصنّفا فريدا في نوعه... وهو يشير إلى مصادره بالكثير من الدقّة، وكلّما استدعت الحال ذلك... وبفضل كتابه هذا أصبح من اليسير تقصّي مدى تطوّر هذا الفنّ في الأدب العربي. ثمّ يردف قائلا: لقد اعتمد القلقشندي اعتمادا كبيرا على مصنفي العمري كليهما، ولكنّ موسوعته قد تميّزت بدقّة التبويب، وبأنّ غرضها الأساسي هو أن تكون مرجعا من أجل كتّاب الدواوين، أي عمّال ديوان الإنشاء، وفيها لخّص المؤلّف جميع المعارف التي يحتاج إليها الكاتب المثالي: ابتداء من التوجيهات الفنّية بالكلام عن المداد والقلم والورق والخطّ إلى المعطيات الواسعة في محيط الإراضة والتاريخ والأدب والبلاغة. وهو يقدّم وصفا لنواحي مصر والشام، بل لجميع الدول التي لها أدنى علاقة بمصر، موليا اهتماما خاصّا لنظامها السياسي والإداري، وأساليب المعاملات بين السكّان، وهو يوضّح الأسس التي يقوم عليها نشاط الدواوين، ويفرد عددا من أجزاء كتابه لنماذج المكاتبات الرَّماصية (الدبلوماسية) وقرارات تعيين الممثّلين الرسميين، وللوثائق الحكومية الرسمية من كلّ صنف، ولا يكتفي القلقشندي بإيرادها في صيغها الكتابية الخاصّة فحسب، بل يسوق نماذج من الوثائق الأصلية الموجودة بالمَحارة (الأرشيف) ممّا يجعل موسوعته مصدرا أساسيا بالنسبة للتاريخ، والإدارة، والحياة الاجتماعية للعالم الإسلامي والأقطار المتّصلة به في أوائل القرن الثامن.

تعليق

سمّى القلقشندي موسوعته هذه في مقدّمة كتابه باسم «صبح الأعشى في كتابة الإنشاء»، وقد تُسمّى أحيانا «صبح الأعشى في فنون الإنشاء»، أو «صبح الأعشى في معرفة الإنشاء»، أو «صبح الأعشى في قوانين الإنشاء» وذلك حسبما يسمّيها السخّاوي في الضوء اللامع. أمّا القلقشندي، فهو القاضي شهاب الدين أحمد بن علي بن أحمد القلقشندي، ولد بقلقشندة إحدى قرى مدينة قليوب بمصر، سنة 756 (1355م)، ودرس بالقاهرة والإسكندرية على أيدي أكابر شيوخ العصر. وتخصّص في الأدب والفقه الشافعي، وبرع في علوم اللغة والبلاغة والإنشاء، وقد عمل في ديوان الإنشاء سنة 791، في عهد السلطان الظاهر برقوق، واستمرّ فيه إلى آخر عهد الظاهر برقوق سنة 801، وتوفّي سنة 821 (1418م).

مصطلح قريب

مراجع

  • تاريخ آداب اللغة العربية. جُرجي زيدان. مؤسّسة هنداوي، 2013. المملكة المتّحدة.
  • الثقافة الإسلامية لكاتب الإنشاء، كما تبدو في صبح الأعشى. الربيز: محمود سعد. المعارف. الإسكندرية، مصر.
  • دراسات تحليلية في مصادر التراث العربي. أنور محمود زناتي. دار زهران، الطبعة الأولى، 1432، 2011م. عمّان، الأردن.
  • أبو العباس القلقشندي، وكتابه صبح الأعشى. تأليف مجموعة من الأساتذة، تقديم الربيز: أحمد عزت عبد الكريم. الهيئة المصرية العامّة لكتاب، 1393، 1973م. القاهرة، مصر.