لغة مصطنعة كان الدافع إلى ظهورها ما رآه بعض علماء أوروبا مثل «ديكارت وويلكينز وكومينبوس» أنّ تعدّد اللغات أدّى إلى صعوبة التفاهم بين أفراد الشعوب المختلفة الأعراق، وهذا ممّا جعل سير المدنية بطيئا، وارتأوا وضع لغة جديدة لتكون لسان البشر جميعا، وقد سعى لإنفاذ هذا الرأي طبيب العيون البولوني اليهودي «لودفيك لازار زامنهوف» Ludwik Lejzer Zamenhof سنة 1887م حيث اعتمد في تأليفها على ثمانية وعشرين حرفا، ووضع لها ستّ عشرة قاعدة، وجعلها من خمسة أصْوِتة وثلاثة وعشرين صِماتا، وتحتوي على كلمات من الإسبانية والفرنسية والروسية إلاّ أنّ معظم كلماتها من اللغة الرومانية والكلزية، وهي في أصلها لغة مكتوبة وأدبية، وممّا لا شكّ فيه أنّ لغة الاسبرنتو أكثر ثراءً بالمؤلّفات المترجمة منها بالمؤلّفات التي كتبت أصلا بها. توجد جمعيات في العالم تدعو إلى هذه اللغة، وفي أمريكا واليابان والصين جرائد تصدر بها. وقد أوصت «عُصبة الأمم المتّحدة» سنة 1921م بتعليمها في الجامعات والمدارس، وأكدت منظّمة «اليونسكو» هذه التوصية، سنة 1955م، فأصبحت تُعلّم في أكثر من ثلاثين جامعة وفي أكثر من ستمئة مدرسة، واتّخذتها أكثر من مئة جريدة لغة لها، ويبلغ عدد المتكلّمين بها اليوم على اعتبارها لغة ثانية أكثر من خمسةَ عشرَ بَلْفا، كما تضمّ موسوعة ويكيبيديا 250000 مقالة مكتوبة بلغة الاسبرنتو حتّى نهاية سنة 2018م، وتضاهي بهذا العدد ما كتب من مقالات في اللغة الدانماركية أو اللغة الكرواتية أو اللغة السلوفاكية.
انتشرت الاِسْبِرَنْتُو انتشارا لا بأس به في أوروبا وأمريكا الشمالية والشرق الأقصى ولم يكن لها قبول كبير في العالم العربي والإسلامي، ففي عام 1914م اجتمع في مؤتمر هذه الحركة زهاء 4000 مشارك جاءوا من أغلب البلدان المستقلّة آنذاك، على أنّ الاسبرنتو وإن استمرّت بعد وفاة مبتدعها، فإنّها لم تحقّق حولها الإجماع المنتظر وذلك لأسباب أهمّها:
1- أنّ زامنهوف كان يطمح، زيادة على إقرار لغة عالمية، إلى إنشاء وحدة دينية من شأنها أن تحقّق داخلها الصفاء والتصالح بين الأديان، وقد عطّل هذا التصوّر الذي تعوزه عدّة مقوّمات تطوّر المشروع، وحمل أنصار زامنهوف في نهاية المطاف على التعبير عن مناهضتهم لمثل هذه الفكرة.
2- تجاهل زامنهوف كليا في دعوته إلى إقرار لغة عالمية وجود حضارات وعائلات لغوية غير أوروبية، فجذور 95% من الاسبرنتو المقترحة قد أخذت من اللغات اللاتينية والجرمانية والسلافية.
3- ظهور الكثير من النقائص العميقة خلال استعمال هذا التصوّر اللغوي إلى درجة تحمل على الإعراض نهائيا عن استعمال لغة عالمية.
الواقع أنّ ظهور هذه اللغة المصطنعة لم يسهم في حلّ مشكلة البشرية في توحيد ألْسُنِها وحلّ تعقيدات اللغات بل زادت من كثرتها، فما تزال أسيرة اللغات التي أُخذت منها أوّلا، وستخضع لقانون التطوّر والتبدّل مَثَلُها في ذلك مَثَلُ اللغات البشرية الطبيعية. ثمّ إنّه على الرغم من المحاولة في تبسيط قواعدها فقد بقي فيها ما هو معقد ويحتاج إلى تبسيط أكثر، مثال ذلك اعتمادها على اللغة القشتالية التي تزيد فعل الكينونة estar في تركيب الجملة كقولهم Mi estas komencantiĉo أي أنا مبتدئ، ويمكن أن تكون الجملة على هذا الشكل Mi komencantiĉo من دون أن تفقد الجملة معناها، وكذلك الطول المفرط أحيانا في كلماتها، مثل komencantiĉo أو في اسمها ذاته Esperanto حيث يكفي أن نقول Espero بمعنى الأمل، ففكرة البدء من جديد لإنشاء لغة جديدة يدعو بالضرورة إلى اختيار الأحسن والأسهل والأجمل.