معجم المصطلحات الكبير
نظرية الاستقبال
اللغة والأدب

۞ كما يدلّ اسمها، تُركّز نظرية الاستقبال على الطريقة التي تتمّ من خلالها عملية تلقّي العمل الأدبي من لدن القرّاء، فهي تفحص السبل التي يمكن للقارئ أو القارئة من خلالها المشاركة في الأدب. قد لا يكون القرّاء مدركين لهذه الحقيقة، ولكن في عملية القراءة يقوم القرّاء باستمرار بتقديم فرضيات حول معنى ما يقرؤونه، فهم يقومون بالاستنتاجات والربط وملء الثغرات في النصّ، إلخ، وأنّ النصّ نفسه يقدّم سَتَلة series من الأدّلة أو الإشارات التي يستعملها القارئ لتقديم بعض التماسك لعملية القراءة. وعندما تستمر القراءة، فإنّ توقّعاتنا وإسقاطاتنا تصبح معدّلة من خلال الاكتشافات الأخرى في النصّ، فالقراءات ليست عملية متواصلة كالخطّ، إذ نخلق دائما إطارا مرجعيا، نحاول فهم تفسيرنا، ولكن ما يأتي في وقت لاحق في النصّ يمكن أن يسبّب لنا تغيير هذا الإطار الأصلي. (النظرية الأدبية، ديفيد كارتر).

۞ يدّعي المهندس الأوّل لنظرية الاستقبال هانز آر. جاوس Hans R. Jauss أنّه لكي نحصل على قراءة جديدة لنصّ ما، لا بدّ للقارئ أن يخرج عن تطبيقه التاريخي الخاصّ، ويرى العمل بلا أية أفكار وتصوّرات مسبقة، ومع ذلك يعتقد جاوس أنّ مثل هذه الخطوة مستحيلة فعليا، لأنّ القارئ يأتي إلى النصّ بأفق معيّن من التوقّعات. التركيز التقليدي على الموضوعية التاريخية لا بدّ من استبداله بمقاربة للإعمال الأدبية تعطي أولوية لأمور متعلّقة باستقبال النصّ وليس لتأثير القارئ. بالنسبة لجاوس، الكاتب والعمل والقارئ يشكّلون مثلّثا أساسيا في العملية الأدبية، والنقد الحالي يعطي أهمّية للقارئ، وكيف يتأثّر بالتاريخ. والقارئ بالنسبة له أو عامّة الناس هم أكثر من مجرّد سَتَلة من التفاعلات المجرّدة. القارئ هو جزء مُكوِّن للتاريخ، والعمل الأدبي ليس له حياة تاريخية من دون المشاركة الإيجابية لقرّائه أو جمهوره. يحكم القارئ على القيمة الجمالية للعمل بمقارنته بنصوص قُرِئت سابقا. المضمون التاريخي اللاحق يكمن في ملاحظة أن فهم القرّاء الأوائل سيدوّن في استقبال الأجيال المستقبلية. وَفْقا لجاوس، التاريخ هو مجرّد رأي، أو كمنظور جماعة أو فرد بعينه، وبالتالي لا يمكن أن يكون التاريخ موضوعيا أبدا، إنّما يتلوّن بمنظور الكاتب.

يقدّم جاوس سبعة موضوعات رئيسة في وصفه لجماليات الاستقبال.

الموضوع الأوّل: يتعامل مع إشكالية الموضوعية في قراءة العمل الأدبي. بينما يشتبك القارئ مع النصّ، لأنّ أفكارا مسبقة (ناتجة من عدد من المصادر، مثل: نص آخر، إلخ) توجدّ إمّا في وعي القارئ أو في يَوْعِه (اللاوعيه). بعبارة أخرى، بعض الاستقبالات لخبرات قراءة سابقة التي تثار عند قراءة نصّ جديد، تؤثّر هذه الخبرات الماضية بدورها على أي عمل أدبي يقرأه العامّة. العمل الأدبي لا يوجد في حدّ ذاته بشكل موضوعي، ولا يقدّم لكلّ قارئ في كلّ حقبة الرأي نفسه. بل العمل هو أقرب إلى الأوركسترا التي تؤثّر في كلّ قارئ بشكل مختلف. السياقات التاريخية لكلّ من العمل الأدبي والقارئ تخلق مجالا للتوقّع، مجالا يعتقد القارئ أنّه سيحدث بناءً على خلفيته التاريخية. وبالتالي احتمالية فهم العمل الأدبي وشرحه في تاريخيته المتفرّدة، تعتمد على تجسيد أفق التوقّع هذا.

الموضوع الثاني لجاوس : يهتمّ بأسلوب تطوّر أفق التوقّع لدى الفرد باستمرار. ما يتوقّع القارئ أن يفعله النصّ سيتغيّر بينما يقرأ القارئ نصوصا أخرى، ويراكم المزيد من الخبرات الحياتية. هذا التغيير ينطبق أيضا على إعادة قراءة النصّ عندما يتأكّد من فهم ما في القراءة الأولى. فإنّ القراءة التالية تسمح بأسئلة جديدة أن تثار، وأسئلة قديمة عالقة أن يجاب عليها.

الموضوع الثالث، ينادي بأنّه طالما أن القرّاء والظروف التي يشتبك فيها القرّاء مع النص تتغيّر، سيكون للنصّ تأثيرات مختلفة في أية لحظة تاريخية. العمل الذي قُصِد به مجتمع معيّن في زمن محدّد لن يعني الشيء نفسه إلى هذا المجتمع بعد عشرين عاما. يُسمّي جاوس هذه الظاهرة تغيّر الأفق. لكنّ العكس يمكن أن يحدث أيضا. قد يؤلّف الكاتب عملا لا يقصد به جمهورا معيّنا، ولكن له تأثير هام على مجتمع لاحق.

الموضوع الرابع: يهتمّ بتفكيك أفق التوقّع وإنتاج العمل الأدبي. تفكيك أفق التوقّع لدى الكاتب والقرّاء المعاصرين يمكّن القارئ المعاصر من اكتشاف كيف ينبغي عليه أن يرى العمل ويفهمه. ويشير حتّى إلى الاختلاف التفسيري بين الفهم الحاضر والفهم الماضي للنصّ. ينادي جاوس بأنّ القارئ الذي هو ليس جزءا من القرّاء الأوائل للكاتب لا بدّ أن يتعرّف على كيف كان مدى أفق التوقّع عند القرّاء الأوائل بمراعاة أسلوب القراءة والكتابة لتلك الحقبة والسياقات الاجتماعية والبيئية والإراضية والدينية والسياسية.

الموضوع الخامس: يوضّح تطوّر أفق توقّع النصّ. بعد زعزعة نظريات القرّاء وتوقّعاتهم، ربّما يمكن إثارة أسئلة كثيرة لم يجب عليها النصّ، ومع ذلك بينما يشتبك القارئ مع نصوص أخرى، فإنّ الأسئلة الأولى قد يُجاب عليها ويُوجد معنى جديد في النصّ الأوّل. وبالتالي يمكن للنصّ أن يُقرأ مئات المرّات مع تدفّق دائم للمعاني.

في الموضوع السادس : ينادي جاوس بأنّ النصّ لا يتغيّر فقط بمرور الوقت بالنسبة لقارئ معيّن، ولكنّه يكتسب معنى جديدا مع كلّ جيل. كلّ جيل ينقل لما بعده فهمه للنصّ، ويبدأ الجيل التالي حيث انتهى الجيل السابق. وبالتالي فمعنى النصّ يرتقي باستمرار عبر الزمن.

في موضوعه السابق يطوّر جاوس أكثر من فكرته عن أنّ التأثير الاجتماعي يُعدِّل التفسيرات. كلّ تأثير اجتماعي (من نهاجل الحكومة إلى ضغوط العمل) له تأثير على التفسير، وبينما الافتراضات العامّة قد تُصنع بناءً على عوامل كبرى في حياة القارئ للنصّ في أية لحظة. من الواضح أنّ جاوس بنى نظريته عن مثلّث التفسير، وزواياه تمثّل المكوّنات الثلاثة الرئيسة للتفسير: الكاتب، النصّ، القارئ. الكاتب لديه تفسيره الخاصّ للنصّ، والنصّ يحمل إمكانية عدد من التفسيرات، والجمهور قد يخلق المزيد من التفسيرات. بالنسبة لجاوس لأنّ كلّ طرف للمثلّث يلعب دورا بارزا في عملية التفسير، فلا يصحّ إهمال أي طرف أو إعطاءه أولوية عن الأطراف الأخرى في أي عمل تفسيري. (التفسير الكتابي، دبليو. راندولف تاتي).

مصطلح قريب

لغة كلزية

reception theory
مراجع

  • النظرية الأدبية. ديفيد كارتر. ترجمة الربيز: باسل المسالمة. دار التكوين، الطبعة الأولى، 2010م. دمشق، سوريا.
  • التفسير الكتابي، اتّباع نهج تكاملي. دبليو، راندولف تاتي. ترجمة الربيز: عادل زكري. مكتبة دار الكلمة، 2017م. القاهرة، مصر.