معجم المصطلحات الكبير
اِقْتِياس
الاصطلاح

هو توليد كلمة جديدة على قياس كلمة أخرى من كلام العرب، أو وضع مصطلح جديد لمعنى مستحدث في العلم والحضارة على نمط الوضع الذي كان في عصر الرواية. كان أوّل من وضع مصطلح الاقتياس هو إسماعيل مظهر (توفي سنة 1962م)، ويعني به إجازة الصوغ على تلك الصيغ التي قال عنها اللغويون إنّها سماعية، لأنّ ذلك «يفتح على اللغة أبوابا واسعة تجعلها تفوق لغات الأرض في القدرة على الوضع اللغوي الأصيل» وهو من أجل ذلك يقترح «أن نكبّ على جميع صيغ الأسماء التي قيل إنّها سماعية ونحصرها ثمّ نجيز قياسها والصوغ عليها» وهذا الرأي يتّفق ورأي مدرسة أبي علي الفارسي وتلاميذه الذين كانوا يرون أنّ كلّ ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب. وإسماعيل مظهر صِحافي وأديب تخصّص في علوم الأحياء واُختير عضوا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة وقد وضّح رأيه في كتابه «تجديد العربية» فبيّن موقفه من بعض الوسائل التي نمت بواسطتها اللغة في عصور الرواية، وذكر رأيه في التعريب والنحت والزيادة ثمّ تكلّم عن الاقتياس وهو كما يقول: مبحث جديد استخلصه في اللغة، وآمل أن يصلح أساسا جديدا يُنتحى في وضع الأسماء الاصطلاحية. ويرى الربيز ضاحي عبد الباقي أنّ هذا الرأي وجيه، ويجب أن لا نلجأ إلى الصيغ التي قال اللغويون إنّها سماعية إلاّ بعد العجز عن وضع لفظ على الصيغ القياسية.

يُمكن توسيع مفهوم الاقتياس على ما جاء به إسماعيل مظهر ليضمّ جواز كل ما من شأنه أن يضيف كلمة جديدة على نمط الوضع الذي كان في عصر الرواية، بحيث يشمل قياس مفردات اللغة المحتملة على مفردات اللغة الواقعية، واستنتاج ألفاظ جديدة قياسا على نظائرها المستعملة في العربية. ولتوضيح ذلك نأتي بالأمثلة التالية: قالت العرب، الدار من الفعل دار يدور، والقاس من قاس يقيس، والحال من حال يحول، ويُقال اقتياسا على هذا الذي قالته العرب قديما، الكال من كال يكيل والراز من راز يروز، والحاط من حاط يحوط، والحاذ من حاذ يحوذ، وقالت العرب الطاغوت من طغى والحانوت من حنى، ويُقال اقتياسا على ذلك الجاروت والشاكوت والبادوت والهاذوت من جرى وشكى وبدى وهذى. وقالت العرب العادة من عاد يعود والهامة من هام يهوم، ويُقال اقتياسا الدامة من دام يدوم، والسالة من سال يسيل.

مثال آخر على ذلك، وهو استعمال كلمة التقييم اليوم بمعنى بيان القيمة، وقد أحسن مجمع القاهرة حين جوّز استعمالها سنة 1968، ويُمكن أن تُقتاس هذه الكلمة على التمييه، فقد قالت العرب موّه تمويها وميّه تمييها وقوّم تقويما ولم تقل قيّم تقييما، وباقتياسها على ميّه تمييها تُصبح صحيحة فصيحة لأنّها مثيلتها ونظيرتها في القياس، ولو احتاج إليها العرب قديما كاحتياجنا نحن إليها اليوم لما قالوها إلاّ كما قُلناها. وثمة قاعدة صرفية مطّردة تقول: إذا وقعت الواو ساكنة بعد حرف مكسور، قُلبت ياء لتُناسب الكسرة التي قبْلها، وهذا ما يُعرف في العربية بالإعلال كميزان أصلها مِوْزان من وزن وميعاد أصلها مِوْعاد من وعد، ونقول: قام يقوم قوْما ودام يدوم دوْما وعاد يعود عوْدا. ثم نقول - طِبْقا للقاعدة الصرفية السابقة - قِيْمة ودِيْمة (المطر يدوم طويلا) وعِيْد. ونجمعها على قِيم ودِيم وأعياد. والمطّرد في الاشتقاق من هذه الألفاظ ونحوها الرجوع إلى أصل الحرف في الفعل الثلاثي. فإذا اشتققنا من (قيمة) نقول: قوّمت الشيء تقويما، بإعادة الياء واوا كالأصل. ونقول: دوّمتِ السماءُ، بمعنى أنزلت مطرا دام طويلا. ولكن العرب أهملوا أحيانا النظر إلى أصل حرف العلّة هذا، فقالوا: ديّمتِ السماء أخْذا من (ديمة) مثلما قالوا: دوّمتِ السماء. وقالوا: عيّد الناس إذا شهدوا العيد، ولم يقولوا: (عوّد الناس) وذلك دفعا لتوهّم أنها من (العادة) لا من (العيد) وعلى هذا اقتاس مجمع القاهرة استعمال التقييم بمعنى بيان القيمة، وأورد في معجمه الوسيط، قيّم الشيء تقييما: قدّر قيمته.

أمّا الفرق بين القياس والاقتياس، هو أنّ القياس يكون في عرف اللغة العام ويُؤخذ به فيما اطّرد وكثر وأصبح قاعدة عامةّ، ويُؤخذ بالاقتياس في المصطلحات من الصحيح ولو كان شاذا قليل الاستعمال، مثال ذلك في العربية أنّ الصفات من اسمي الفاعل والمفعول التي أوّلها ميم تُجمع جمعا سالما لا جمع تكسير، مثل مُعْجم التي تُجمع قياسا على معجمات وهي في هذه الحال كلمة لغوية وليست مصطلحا، أمّا جمعها اقتياسا فمعاجم ومعاجيم وفي هذه الحال تكون كلمة معجم مصطلحا وليس كلمة لغوية عامّة، وقد فرّق القدماء بين الجمع المصطلحي والجمع اللغوي، فنراهم يجمعون الألفاظ التي تدلّ على المعاني الاصطلاحية جمعا يخالف القاعدة والقياس اللغوي، فجمعوا مُسند على مساند ومسانيد، ومُصحف على مصاحف، ومُجسد وهو ما أُشبع صبغه من الثياب على مجاسد، ومُطْرف وهو رداء من خزّ له أعلام على مطارف، ومُصعب الذي هو الفرس أو الجمل لم يركب فصار صعبا فقد جُمع على مصاعب ومصاعيب، بينما القياس اللغوي يرى أن تُجمع جمعا سالما. ومثلها أيضا أنّ الأصل في جمع المصادر الرباعية أنّ تكون بالألف والتاء، مثل: تفعيل تفعيلات، وتكبير تكبيرات، إلاّ أنّ أئمّة اللغة كسّروا بعض مصادر الرباعي «فعّل» لأنّها أصبحت مصطلحات فنّية ولم تعد كلمات لغوية، فقالوا: تفاعيل وتصانيف وتآليف وتقاليب وتخاريج.

الحقيقة أنّ الاستعمال اللغوي للصيغ سيؤدّي بالضرورة إلى غلبة بعضها على بعض لأسباب كثيرة، وذلك مثل الميل العام اليوم في استعمال الصيغ المزيدة أكثر من الصيغ المجرّدة، بينما استعمل القدماء الصيغ المجرّدة بكثرة غالبة. وما كان غير مطّرد منها في القياس لا يعني أنّه غير صحيح أو لا يُمكن البناء عليه، بل يُمكن اعتباره خاما لم يُستنزف، ثمّ إنّ الاطّراد أمر نسبي فما يراه عالم في صيغة ما أنها كثيرة لدرجة بناء ألفاظ جديدة عليها قد يرى غيره أنّ هذه الصيغة نفسها لم تبلغ مبلغ القياس، وهذا ما فعلته مجامع اللغة العربية في كثير من الصيغ التي قال عنها القدماء إنّها شاذّة، وقرّرت المجامع اللغوية اليوم أنّها قياسية لكثرتها، مثل صيغة فِعِّيل للدلالة على المبالغة، وصيغة فعّالة في اسم الآلة إذ رأى مجمع القاهرة القياس فيهما. ثمّ إنّ القياس يُستعمل في عُرف اللغة العام، أي ما كان عامّا من اللغة في النحو والصرف والمفردات وأساليب الخطاب وأحكام النطق وهلمّ جرجرة، كالجمع والتثنية والتصغير واسم الفاعل واسم المفعول والإدغام والإعلال.. الخ، بينما يرتبط الاقتياس ارتباطا وثيقا بالمصطلح أو بالأسامي أي فيما تعلّق باللغات الخاصّة وهي لغات المتخصّصين من العلماء والباحثين والتُبناء من جهة توليد الألفاظ الجديدة للمعاني المستحدثة التي لم تعرفها العرب من قبل، على نمط لغتهم وطريقتهم في الوضع، حيث تأخذ فيه كلّ كلمة حكمها بالقياس من حيث الصيغة والاشتقاق والجمع والتأنيث أو التذكير إلى غير ذلك، والمعنى أن توضع الكلمة بالاقتياس ثمّ تُحكم بالقياس.

مثال ذلك أنّه يمكن وضع مصطلح جديد للدلالة على مركبة النقل الجمعي في المجال الحضري من جاس يجوس فنقول: الجاس عوض «الباص» لأنّه يجوس الشوارع ويتخللّ الديار، ومن جاب يجوب لمركبة النقل الجمعي خارج المجال الحضري والتي تُعرف بالحافلة فنقول: الجاب، لأنّه يجوب البلاد ويقطعها، فيكون حينئذ الجاس والجاب مصطلحين مقتاسين على الدار من دار يدور، والحال من حال يحول، وكلمة مرْكبة على صيغة مفْعلة لفظ لغوي عام لا يمكن أن يكون مصطلحا محدّد الدلالة مثله مثل كلمة الحافلة، ويكون جمع الجاس قياسا جُوس وأجْواس وجيسان كنار تُجمع على نور وأنوار ونيران، إذن فقد وُضع المصطلح بالاقتياس وجُمع بالقياس. كما يمكن أن يكون الاقتياس على أساس علّة التسمية، أي الأسباب التي بُنيت عليها الكلمات قديما، تكون هي الأسباب ذاتها لتوليد كلمات جديدة أخرى. مثال ذلك أنّ العرب قديما قالت المِكسل ويريدون به وتر المندف إذا نُزع منه أخذا من الكسل لأنّه لا يعمل، ويُقال اقتياسا على المِكْسل المِكْسلة وهي العجلة الاحتياطية في السيّارة لأنّها لا تعمل أيضا مثل الوتر حينما يُنزع من مندفه.

مصطلح قريب

مراجع

  • مجلة البحوث الإسلامية، الجزء 11. الربِيز: محمد جابر فياض العلواني (ص227-259).
  • المصطلحات العلمية والفنّية، وكيف واجهها العرب المحدثون. الربيز: ضاحي عبد الباقي، الطبعة الأولى 1413. مكتبة الزهراء، القاهرة، مصر.