معجم المصطلحات الكبير
اِرْتِدادِية
العلوم السياسية

يرى بعض المفكّرين في مجال دراسة العلاقات الدولية أنّ هناك وحدة ما بين العاملين المادّي والاجتماعي. كما يعتقدون بإمكان تطبيق الأسلوب العلمي والبحث العلمي في هذا المجال. وتنبثق هذه الوحدة من الاعتقاد بأنّ الحقيقة موجودة وإنْ غير معلنة وهي قابلة للظهور. فهدف العلم -المادّي والاجتماعي- هو استكشاف القوانين الشاملة والتي تمكنّنا من استشراف وتفسير الأمور وفقا للمسبّبات التي تتضمّنها هذه القوانين في نظام ضمني معيّن.

الارتدادية هي عبارة تشمل عدّة مناهج، وتؤمن بأن الوظيفة الأساسية للعلوم الاجتماعية ليست في استشراف أو اكتشاف القوانين الشاملة. فالعالم، لا سيّما الجانب الاجتماعي منه، ليس مستوعبا لأمور يتوجّب علينا فهمها بتفكيرنا أو تفسيرها بنظرياتنا، بل هي تتمثل من خلال مفاهيمنا ونظرياتنا. ولهذا، يرى معظم الارتداديين فرقا أساسيا بين العالم المادي والعالم الاجتماعي. ويؤمنون بأن مهمّتنا هي فهم الأخير -وبصورة ثانوية- تفسيره. ولأن الارتداديين مهتمّون بالنظام الاجتماعي الذي يعيد إنتاج نفسه بواسطة مكوناته فإنهم معنيون بأمري المضمون والمعنى اللذين يمثّلان الأطر التي تحوي هذه الحركة. أمّا بالنسبة إلى «الوضعيين»، فالحقيقة المهمّة هي عادة الحقيقة النظرية والناتجة من سعي وراء الحقائق من منظار «موضوعي». وعلى عكس ذلك، يرى الارتداديون الأمور بمنظار ذاتي في محاولة إعادة بناء المكوّنات ومفهومها. لكنّهم يعترفون بوجود آلية اجتماعية غير منظورة موجودة في المضمون الاجتماعي للحدث المعيّن، لذا يتوجّب على الباحثين إيجاد الأطر التي تحيط والبيئة الاجتماعية التي تتضمن هذا الفعل أو الحدث.

وباختصار، إن طريقة النظر إلى الأمور، كما تعلّمناها من العلوم الطبيعية، غير كافية لرؤية واقع يتضمّن مساهمين مفكّرين. فهؤلاء فصلوا ما بين الحدث والملاحظات التي تتعلّق به. فالأحداث هي وقائع والملاحظات (الاستنتاجات) هي فكر عرضة للصحّ أو الخطأ. وهذا أسلوب فاعل في التعاطي مع الأمور. ولكن، لأنّ هذه المقاربة كانت ناجحة للغاية، يرى الارتداديون تماديا فيها. فهي إذا طبّقت على مشاركين مفكّرين في صنع الحدث، ستشوّه صورة الواقع. والنقطة الأساسية هنا هي أن المشاركين المفكّرين قد يغيّرون الوقائع في وضع ما لأنّ الوقائع والأفكار غير منفصلة في المجال الاجتماعي كما هي منفصلة في مجال العلوم الطبيعية، إذ إنّ الفكر والاستنتاج في العلوم الطبيعية منفصلان عن الموضوع ذاته، في حين نرى أنّهما مكوِّنان للموضوع في مجال العلوم الاجتماعية. فإذا اقتصرت الدراسة على الوقائع فقط، يغيب عنصر مهمّ ألا وهو المشاركة الفكرية، وهذا شيء مهمّ جدا، إذ إن العلوم الاجتماعية ترتكز على العلاقة بين الفكر والواقع.

الارتدادية إذا، هي حركة ذات اتجاهين، بحيث يقوم الواقع بتأسيس الفكر لدى المشاركين، كما يقوم فكر المشاركين بصنع الواقع والتأثير فيه من خلال عملية متواصلة وممتدّة تدفع بالفكر والواقع إلى التلازم، ولكن ليس إلى الاندماج أو الانصهار. الوعي في الارتدادية يُبرِّر وجود فروقات واضحة بين العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية بحيث يبرز عنصر في العلوم الاجتماعية وهو عنصر مبهم التحديد والذي يغيب عن العلوم الاجتماعية. ويفسّر الارتداديون الأحداث الاجتماعية على أنها عملية تاريخية مُتلانية (لا متناهية)، إذ لا يمكن استشراف هذه العملية التاريخية من خلال قوانين شاملة كما هو الحال في العلوم الطبيعية، حيث يبقى دائما هامش الغموض أو عدم التحديد الذي ينتج من وجود فكر المشاركين وآرائهم.

مثالا على ذلك السوق المالية الحرّة المتغيّرة. فأي تغيّر في سعر صرف العملات قد يتأتّى معه التأثير في أسس كان يتركز عليها سعر الصرف مثال مؤشر التضخّم لدى بعض الدول. فيكون أي انحراف عن التوازن قد ثبت، ما يؤدّي إلى التوقّعات والتخمينات وبدورها التخمينات تقود إلى انحراف عن التوازن، وبذلك تصبح الدائرة كاملة. وتكون النتيجة أنّ الأسواق النقدية المتغيّرة الحرّة قد أنتجت انحرافا عن التوازن، وهذا بدوره يؤدّي إلى التخمينات. وقد لا يحصل هذا في معظم الأحوال، ولكنّه يبدّل ماهية الوضع إذ بدلا من الاتجاه نحو توازن معيّن تتداخل آراء المشاركين مع الوضع الفعلي في تفاعل غير متوازن حيث يعزّز كلّ موقعه ويدفع بالفكر والواقع معا في اتجاه معيّن، ثم ينكفئ على نفسه لعدم قدرته على الاستمرار، ويرتدّ في اتجاه آخر. وتظهر النتيجة أن الواقع نفسه والفكر الناتج لا يستطيعان الارتداد إلى النقطة التي انطلقا منها، لذا حين تعزل ظاهرة الارتدادية ويحدّد مفهومها، يسهل تبيانها في أوضاع شتى. (المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية. مارتن غريفيش، تيري أوكالاهان).

لغة كلزية

reflexivity
لغة فرنسية

réflexivité
مراجع

  • المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية. مارتن غريفيش، تيري أوكالاهان. مركز الخليج للأبحاث، 2008م. دبي، الإمارات العربية المتّحدة.