معجم المصطلحات الكبير
ثقافة
الثقافة والإناسة

ثمّة تعريفات كثيرة للثقافة، لعلّ أبسطها وأوفاها هو تعريف العالم الإناسي البريطاني إدوارد بارنات تايلور (1832- 1917م) Edward burnett Tylor الذي عرّف «الثقافة أو «الحضارة» تعريفا مفهوميا وليس معياريا في سياق إناسي أكثر اتساعا: «هي ذلك الكلّ المركّب الذي يشمل المعرفة والمعتقدات، والفن والأخلاق، والقانون والعادات، وكلّ القدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضوا في المجتمع». لاقى هذا التعريف قبولا كبيرا عند الكتّاب والمفكّرين، وقد وضعه سنة 1872م. إنّ الثقافة بالنسبة لتايلور هي كلّية الحياة الإنسانية الاجتماعية، تتميّز ببعدها الجماعي، والثقافة أخيرا مكتسبة ولا تتأتّى من الوراثة الحِياوية، على أنّها وإن كانت مكتسبة إلاّ أنّ أصلها وخصيصتها يقعان خارج مجال الوعي إلى حدّ كبير، وقد تميّز عصر تايلور بالتردّد بين مفهومي «الثقافة» و«الحضارة»، وانتهى به إلى تفضيل «ثقافة»، لأنّه فهم أنّ «حضارة» حتّى وإن وُضعت في معناها الوصفي الخالص، فإنّها تفقد خصيصة المفهوم الإجرائي حالما تطبّق على المجتمعات البدائية، وذلك بفعل أصلها الاشتقاقي الذي يحيل على تكوين المدن. تمتاز كلمة ثقافة بالنسبة إلى تايلور في التعريف الذي وضعه لها، بكونها كلمة محايدة تمكّن من التفكير على نطاق الإنسانية جمعاء، فالحديث عن ثقافة قبيلة الزولو في جنوب إفريقيا أو قبيلة النوير في جنوب السودان على سبيل المثال، يكون بالطريقة نفسها التي نتحدّث بها عن الثقافة الصينية القديمة أو ثقافة العصر الحجري القديم. في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وأوائل القرن العشرين، أصبع معنى الثقافة طريقة شاملة للحياة مادّية، وعقلية، وروحية. هذا المعنى الأخير تأثّر به ت. س. غليوت، الذي كان له إسهامات في الوصول إلى ارتباط الثقافة بالدين، واعتبر أنّه لا تقوم ثقافة من دون اعتقاد ديني، وأنّ الثقافة بها جانب يائعٍ (لا واعي)، أمّا النشاطات مثل: الأدب، والفنون... فهي تمثّل الجانب الواعي من الثقافة، وقد وضع سنة 1939م كتاب «العودة لمجتمع مسيحي» نادى فيه بأهمّية العودة للمسيحية.

يُعرّف الفيلسوف الاجتماعي مالك بن نبّي الثقافة بأنّها «مجموعة من الصفات الخُلُقِية والقيم الاجتماعية التي تؤثّر في الفرد منذ ولادته كرأسمال أوّلي لتصبح من دون شعور منه علاقةً تربط سلوكه بأسلوب الحياة في المَحاط الذي وُلِد فيه». حين تتكوّن ثقافة مجتمع ما بهذا الشكل فإنّها تصنع تاريخه، حيث تولد العلاقة بين الثقافة والتاريخ، وليس ثمّة تاريخ بلا ثقافة، والشعب الذي يفقد ثقافته يفقد بالضرورة تاريخه، ولا تضمّ الثقافة في مفهومها الأفكار فحسب، بل هي أيضا أسلوب الحياة في مجتمع معيّن، والثقافة تُعطي الفرد القدرة على التصرّف في المواقف كلّها، وتهيئ له سباب التفكير والشعور، وتزوّده بما يُشبع حاجاته الحياتية وكيف يشبعها ومتى، كما يجد أفراد جماعة ما في ثقافتهم تفسيرات عن أصل الحياة والكون والإنسان، وتفسّر لهم الظواهر الطبيعية كالزلازل والعواصف والأمطار وغيرها، وتصنع لهم الضمير الجمعي، وذلك أنّ استبطان قيم الجماعة ومستوياتها يؤدّي إلى امتزاجها في شخصية كلّ واحد من أفرادها، كما تُعطي الأفراد الشعور بالانتماء، وتقدّم لهم الوسائل الضرورية للقيام بأدوارهم، فهي تربة خِصْبة لنمو الشخصية وازدهارها. ومهما تختلف تعريفات الثقافة في ألفاظها فإنّها تُجمع على أنّ كلمة ثقافة لا تتضمّن أية أحكام قيمية، فحين نتكلّم عن ثقافة شعب من الشعوب، فالمقصود ببساطة هو طرائق المعيشة وأنماط السلوك، وكلّ التراث الروحي أو المادّي (مثل: الآلات والملابس) الذي انحدر من الأجيال السابقة.

تعليق

المفكّرون والكتّاب الأوروبيون يعتبرون كولردج وراسكن هما أصل اختيار لفظة ثقافة وأصل الوصول لهذا المفهوم الجديد، أي أنّ الثقافة اِسمًا ومفهوما قامت نتيجة لمجهودات كولردج وراسكن، وهذا لا ينفي مجهودات الآخرين في تطوير هذا المفهوم. (الربيز: محمد الجوهري حمد الجوهري، الثقافات والحضارة: اختلاف، النشأة والمفهوم).

لغة كلزية

culture
لغة فرنسية

culture
مراجع

  • مصطلحات في الإعلام والاتصال. خضير شعبان، دار اللسان العربي. الطبعة الأولى، 1422، الجزائر.
  • مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية. دنيس كوش. ترجمة: الربيز، منير السعيداني. المنظمة العربية للترجمة، الطبعة الأولى، 2007م. بيروت، لبنان.
  • الثقافات والحضارات، اختلاف، النشأة والمفهوم. الربيز: محمد الجوهري حمد الجوهري. الدار المصرية اللبنانية، الطبعة الأولى، محرّم 1430، يناير 2009م. القاهرة، مصر.