حركة فكرية لغوية تهدف إلى دعم وجود القيم الفرنسية في دول العالم وبقائها لا سيّما الدول التي كانت مستعمرة قديما من فرنسا ثمّ انسحبت منها، وذلك من خلال دعم الوجود اللغوي الفرنسي، ومدافعة التيّارات اللغوية الأخرى. يعود مصطلح الفِرَنْكُفُونِية إلى العالم الإراضي الفرنسي «أونزيم ركلو» Onesime Reclus الذي وضعه في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي 1880م للدلالة به على الدول التي تستعمل اللغة الفرنسية لغة للحياة العامّة والإدارة والفكر، ثمّ صار فيما بعد يُطلق على مجموع المستعمرات الفرنسية التي انسحبت منها فرنسا، وتتحدّث كلّيا أو جزئيا باللغة الفرنسية. وفي عام 1906م تمّ تأسيس الجمعية العالمية للكتّاب باللغة الفرنسية، ثمّ توالى تأسيس الجمعيات والاتحادات وكذلك بعض المؤسّسات الأخرى مثل مكتب اللغة الفرنسية الذي أنشئ في عام 1937م، ولجنة دراسة المصطلحات الفنّية الفرنسية التي تكوّنت في عام 1954م، وفي عام 1962م نشرت مجلة الفكر الفرنسية عددا خاصّا عن «اللغة الفرنسية لغة حيّة» فكان هذا بمثابة البيان الأوّل للفرنكوفونية، ثمّ تزايد تأسيس الجمعيات والاتحادات للدفاع عن اللغة الفرنسية حتّى بلغ عددها سنة 1977م 1200 مكتب للتحالف الفرنسي «Alliance Française».
وفي عام 1970م تأسّست الفرنكفونية بمفهوم جديد باسم وكالة التعاون الثقافي والفنّي للتبادل الثقافي مع الحكومات، حيث خرجت منظّمة الدول الرسمية إلى الوجود، وأصبح لها مؤتمرات ومشاركات وإرساليات، من خلال مؤسّسات وتنظيمات لها ميزانيات لدعم أنشطتها المختلفة، ولها حضور قوي في المؤتمرات الدولية مثل: مؤتمر السكّان بالقاهرة 1995م، والمؤتمر الدولي الرابع حول المرأة والتنمية في بكين 1995م. وقد لقيت هذه الحركة دعما كبيرا من الرئيس الفرنسي «ميتران» حين دُشّنت تحت قيادته سنة 1986م، وكان قد أنشأ لها المجلس الأعلى للفرنكفونية في سنة 1984م. وتعتبر الفرنسية هي اللغة التي يُروَّج لها رسميا بشكل أكثر نشاطا وبإنفاق ضخم، وفي قمّة داكار الفرنكوفونية ماي 1989م أعلن الرئيس «ميتران» أن فرنسا ستلغي الدين العام للبلدان الإفريقية الخمسة والثلاثين الأفقر، وهو 16 جَلْف فرنك في جملته، وفي المقابل يُنتظر من هذه البلدان أن تستمرّ في ضمان الدور المتفوّق للغة الفرنسية في الحكومة والتعليم، وللمنظّمة جانب إعلامي يتمثّل في الرَّناة الفرنسية الخامسة الموجّهة إلى الشعوب الفرنكفونية، وسائر المهتمّين باللغة الفرنسية، ولدعم الوجود الفرنسي في العالم. والواقع أنّ اللغة الفرنسية ليست هي الوحيدة التي تُموّل رسميا من حكومتها ومن الشريكان لها في الحركة «بلجيكا وكندا» لنشرها خارج حدودها الطبيعية، بل إنّ الكلزية لم تحرز وضعها المتميّز في العالم إلاّ بالإعانات المالية الحكومية أيضا، فالولايات المتّحدة تستخدم على الأقلّ خمس هيئات مختلفة لترويج الكلزية هي: وكالة التنمية الدولية «AID» ووكالة الإشهار الأمريكية «USIA» وفرق السلام «Peace Corps» وإدارة الدولة «SD» وإدارة الدفاع «DD»، كما أقامت بريطانيا المجلس البريطاني «British Council» بميزانية سنوية قدرها 200 بَلْف جنيه استرليني، وهي مؤسّسة فعّالة للغاية لتنفيذ سياسة نشر اللغة الكلزية.
وتعقد الفرنكفونية مؤتمرات قمّة كلّ عامين، حيث يجري بحث القضايا المشتركة التي تهمّ الأعضاء المنتسبين، وقد عُقد مؤتمرها الثامن في بيروت سنة 2002م وعقد مؤتمرها في جمهورية الكونغو الديمقراطية سنة 2012م، وإلى جانب الترويج للغة الفرنسية فهي تتبنّى أهدافا عامّة مثل: الديمقراطية، والتنوّع الثقافي، والسلام، ودعم دولة القانون، وحماية البيئة، وتفعيل دور المرأة ومشاركتها في الحياة العملية والسياسية ولا سيّما في الدول الأفريقية دون الصحراء. والسياسيون الفرنسيون يفضلون التركيز على الأهمّية المعنوية للفرنسية بوصفها اللغة العالمية للوضوح clarté والجمال beauté والكمال perfection، لكن الدوافع الاقتصادية تظهر واضحة في بعض الأحيان، ففي عام 1985م أعلن «ج. ب. شفنمان» وزير التربية الوطنية أنّ الاحتكار اللغوي «الأنغلو-أمريكي» هو بمنزلة إفقار ثقافي غير مقبول، وأنّ سياسة تنويع تدريس اللغة الأجنبية هي مكوّن أساسي للقوّة الاقتصادية الضاربة لفرنسا. وقد كان «ميشيل جوبير» وزير التجارة الخارجية صريحا عندما حدّد «بيع» اللغة الفرنسية باعتباره إحدى أولوياته. وقد كان هذا الأمر أكثر وضوحا في التقرير الذي أعدّه المجلس الاقتصادي الاجتماعي «Conseil Economique et Social» في عهد الرئيس «ميتران» وهو هيئة رسمية تقدّم التوصيات للحكومة الفرنسية، ويشير التقرير إلى أنّ وجود الفرنسية في الخارج أمر أكبر من مسألة تراث ووجاهة، ويُظهِر الرغبة في جني المعرفة عن فرنسا، واستعمال خدماتها التجارية، واستهلاك سلعها، والدخول معها في علاقات تبادل، ولذلك نصحت الحكومة الفرنسية بأن تتوقّع الطلب على اللغة الفرنسية وأن توازن بين الوجود الثقافي والوجود الاقتصادي لفرنسا في البلدان الأخرى. وغالبا ما يُنظَر إلى اللغة على اعتبار أنّها تقوم بدور مهم في المجتمع الحديث، لأنّ المجتمع الاتّصالي يتأثّر تأثرا مباشرا بالاقتصاد والتجارة، وما دامت اللغة سلعة فإنّ الفصل بين اللغة والتجارة يجب أن يزول.
ومن بين أبرز الأطر السياسية الجامعة وأهمّها في مضمار سياسة إنتاج وإعادة إنتاج شروط التبعية المتجدّدة لفرنسا من لدن الدول التي استقلّت عنها سياسيا وما زالت ترتبط بها بعلاقات اقتصادية وتجارية وثقافية: القمّة الفرنسية الإفريقية السنوية، والقمّة الفرنكفونية، والمنظّمة الفرنكفونية العالمية، ونورد هنا ما كتبه عبد الإله بلقزيز حول الوظائف المنوطة بهذه الأطر، وهي أربع وظائف: (1) وظيفة تكريس التبعية الثقافية واللغوية من خلال دفع هذه الدول إلى تكريس مركز اللغة الفرنسية في النظام التعليمي وفي الحياة الإدارية فيها. (2) وظيفة تكريس علاقات الارتباط الاقتصادي والسياسي لهذه البلدان بالمركز «الميتروبولي» الفرنسي، على النحو الذي يحافظ لفرنسا على مناطق نفوذ اقتصادي لها خارج حدودها. (3) وظيفة تشكيل قطب عالمي فرنكفوني يوازن القطب الكلزي في آسيا وشمال أمريكا وأستراليا وأجزاء من أفريقيا، والقطب الجرماني في شرق أوروبا، ويكون وكيلا للدفاع عن السياسة الفرنسية خارج حدودها. (4) وظيفة تنمية مركز فرنسا في الساحة الدولية وفي منظّماتها الدولية الكبرى مثل الأمم المتّحدة، والاتحاد الأوروبي، ومنظّمة الأمن والتعاون في أوروبا، وقمّة الثماني الكبار، والمؤتمرات الدولية والمتوسطية.