معجم المصطلحات الكبير
حَدِيث صَحِيح
علم الحديث

يعّرفه أبو عمرو بن الصلاح: الحديث الصحيح، هو المسند الذي يتّصل إسناده بنقل العَدْلِ الضابِط عن العدل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذّا ولا مُعلّلا. واختصر النووي تعريف ابن الصلاح، فقال: هو ما اتّصل سنده بالعدول الضابطين من غير شذوذ ولا علّة. والمراد بالعدول الضابطين رجال السند، أي بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط من أوله إلى منتهاه، وعرّفه محمّد عجاج الخطيب بقوله: (إذا عرفنا أنّ العَدْلَ الضابِطَ هو الثقة أو الثبت، يمكننا أن نقول في تعريف الصحيح، هو «ما اتَصل سنده برواية الثقة عن الثقة، من أوله الى منتهاه من غير شذوذ ولا علّة»). وممّا تقدّم يتّضح أنّه لابدّ للحديث الصحيح من شروط خمسة، هي :

  • 1- اتصال الإسناد. وبهذا يخرج المنقطع، والمُعضَّل، والمُعلّق، والمُدلَّس وغيرها ممّا لم يتوفّر فيها شرط الاتصال؛
  • 2- أن يكون رُوّاته عُدُولا، والعَدْل من استقام دينه، وحَسُنَ خُلُقُه، وسَلِم من الفسق وخوارم المروءة؛
  • 3- أن يكون روّاته ضابِطين. والضبط هو تَيقُّظ الراوي حين تحمّله وفهمه لما سمعه، وحفظه لذلك من وقت التحمّل إلى وقت الأداء، أي يكون حافِظا عالما بما يرويه إنْ حدّث من حفظه، فاهما إنْ حَدَّث على المعنى، وحافظا لكتابه من دخول التحريف أو التبديل أو النقص عليه إن حدّث من كتابه، وفي هذا احتراز عن حديث المغفّل وكثير الخطأ؛
  • 4- أن لا يكون المروي شاذا، والشذوذ، هو مخالفة الثِّقَة من هو أرجح منه؛
  • 5- أن يَسْلَم المروي من علّة قادحة كإرسال موصول، أو وصل منقطع، أو رفع موقوف ونحو هذا في علل الحديث.

أقسام الصحيح : ينقسم الحديث الصحيح إلى قسمين، صحيح لذاته؛ وصحيح لغيره. فالصحيح لذاته، هو الذي اشتمل على أعلى صفات القبول، وهو الحديث الذي مضى تعريفه. والصحيح لغيره، هو الحديث الذي لم تتوفّر فيه صفات القبول، كان يكون راويه العدل غير تامّ الضبط، فهذا الحديث دون الحديث السابق، فلو عَضَد هذا الحديث طريقُ آخر مثله يكون صحيحا لغيره، فالصحيح لغيره ما صُحِّح لأمر أجني عنه، إذ لم يشتمل من صفات القبول على أعلاها،كالحديث الحسن إذا رُوي من عدّة طرق فإنّه يرتقى بما عضده من درجة الحسن إلى درجة الصحّة.

أصحّ الأسانيد : اجتهد العلماء في المقارنة بين الرواة المقبولين، ومعرفة الأسانيد التي تضمّ أعلى درجات القبول بروّاتها المشهورين بالعلم والضبط والعدالة وغير ذلك، ورأوا أنّ بعض الأسانيد الصحيحة أعلى مرتبةً من غيرها من الأسانيد الصحيحة أيضا، لتوفّر أعلى درجات القبول، وأكمل صفات الرواة فيها، فأطلقوا عليها أصحّ الأسانيد. وقد اختلفت آراء العلماء في ذلك، بعضهم قال أصح الأسانيد:

  • - مارواه ابن شهاب الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن ابن عمر؛
  • - وقال بعضهم، أصحّها ما رواه سليمان الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن قيس، عن عبد الله بن مسعود؛
  • - وقال البخاري و غيره أصحّها ما رواه الإمام مالك بن أنس، عن نافع مولى ابن عمر، عن ابن عمر، و لمّا كان الشافعي أجلّ من روى عن مالك، وأحمد أجلّ من روى عن الشافعي، ذهب بعض المتأخّرين إلى أنّ أجلّ الأسانيد ما رواه أحمد عن الشافعي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنه. يسمّى هذا الإسناد سلسة الذهب.

معنى قولهم : صحيح الإسناد، وأصحّ شيء في الباب. إنّ كلّ حديث اجتمعت فيه الشروط الخمسة السابقة وهي اتصاله بالعدول الضابطين من غير شذوذ ولا علّة يحكم له بالصحّة، وقد أوجب العلماء العمل به، ولكنّ بعض النقّاد يعدلون عن قولهم (حديث صحيح) إلى قولهم (حديث صحيح الإسناد) خشية أن يكون المتن شاذّا أو معلّلا، فيصحّ السند دون المتن، وفي هذه الحالة لا تستلزم صحّة الإسناد صحّة المتن. قال شيخ الإسلام ابن حجر: (والذي لاشكّ فيه أنّ الإمام منهم لا يعدل عن قوله «صحيح» إلى قوله «صحيح الإسناد» إلّا لامر ما). فإذا قال ذلك حافظ معتمد ولم يذكر للحديث علّة قادحة، فالظاهر صحّة المتن. لا بدّ من الإشارة هنا إلى هنا إلى أنّ بعض المتأخّرين حين يصحّحون بعض الأحاديث يقولون «صحيح الاسناد» ويحملهم على هذا ورعهم واحتياطهم ولا نشكّ في أن مراد الراسخين منهم صحّة الحديث. قد لا يوجد في باب من أبواب الفقه غير حديث لم تتوفّر فيه جميع شروط الصحّة، فيقول المُصنِّف: «أصح ما في الباب كذا وكذا»، وهذا لايدلّ على الأصحية، ولا على الصحّة، فقد يكون الحديث ضعيفا ولايوجد في الباب سواه، ومرادهم أرجح ما في الباب أو أقلّه ضعفا.

أوّل من صنّف في الصحيح : يعود تدوين السنّة إلى القرن الهجري الأوّل، وإن ما دُوِّن منها يختلف في كمّه وكيفه من عالم إلى أخر، وأنّ كثيرا من المصنّفات قد ظهر في النصف الأوّل من القرن الثاني للهجرة، ومن أقدم ما وصلنا من ذلك موطّأ الإمام مالك رحمه الله، ولكنّ مالكا لم يفرد موطّأه بالصحيح فقط، بل أدخل فيه المرسل والمنقطع والبلاغات. وإن كانت هذه الأنواع حجّة عنده وعند من يقلّده في ذلك إلا أنّها ليست على شرط الصحيح الذي عُرِّف، ففي كتابه ما هو صحيح وما هو دون الصحيح. ولهذا لا يمكننا أن نعتبر الموطّأ أوّل ما صُنِّف في الصحيح المجرّد، ثمّ كان عصر الإمام البخاري الذي أجمع العلماء على صحّة كتابه، واعتبروه أوّل كتاب صُنِّف في الصحيح المجرّد، ثمّ تبعه الإمام مسلم وغيره من العلماء من بعده في التصنيف في الصحيح المجرّد.

يحسن بنا أن نشير هنا إلى أنّ البخاري ومسلما لم يقصد أحدهما استیعاب الحديث الصحيح في كتاب، بدليل ما ينقل الترمذي وغيره عن البخاري تصحيح أحاديث ليست في كتابه، بل في السنن وغيرها، وقد قال الإمام البخاري: ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صحّ، وتركت من الصحاح مخافة الطول. قال مسلم ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا، وإنما وضعت ما أجمعوا عليه، يريد ما وجد عنده فيها شرائط الصحيح المجمع عليه، والحقّ أنّه لم يفت الصحيحين وسنن أبي داود والترمذي والنسائي إلا اليسير، وهذا اليسير يوجد في كتب السنن والمسانيد، وفي المصنفّات بجمع الصحيح فقط، كصحیح ابن خزيمة (311)، وصحيح ابن حبان (354)، وكتاب المستدرك على الصحيحين لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري (321- 405).

مراتب الصحيح بالنسبة للصحيحين : يتبيّن لنا من شروط الصحيحين أنّ لما خُرِّج فيهما مراتب متفاوتة، وإن كانت كلّها صحيحة، وذهب العلماء إلى بيان هذه المراتب كما يليك - المرتبة الأولى : صحيح أخرجه البخاري ومسلم جميعا، وهذا ما يقول فيه أهل الحديث «متفق عليه».

  • - المرتبة الثانية : صحيح انفرد به البخاري عن مسلم؛
  • - المرتبة الثالثة : صحیح انفرد به مسلم عن البخاري.

ويلي هذه المراتب :

  • 1- الصحيح الذي على شرطيهما ولم يخرجاه؛
  • 2- الصحيح الذي على شرط البخاري ولم يخرجه؛
  • 3- الصحيح الذي على شرط مسلم ولم يخرجه؛
  • 4- ما كان صحيحا عند غيرهما وليس على شرط واحد منهما.
  • (الوجيز في علوم الحديث، محمد عجاج الخطيب).

تعليق

يقول محمد عجاج الخطيب: «رأى أبو عبد الله الحاكم تسهيلا لمعرفة أصحّ الأسانيد، وقطعا لاختلاف العلماء في هذا أنّ يخصّص القول في أصحّ الأسانيد بصحابي، أو ببلد معيّن، فيقال: أصحّ إسناد الصحابي فلان كذا وكذا، وأصحّ أسانيد البلد الفلاني كذا وكذا». رأي أبي عبد الله الحاكم النيسابوري مردود عليه ولا يعتدّ به، فهو شيعي استدرك على البخاري ومسلم في القرن الرابع الهجري. وأخبر ابن الجزري عنه أعجوبة من اجتماع النقيضين، فقال: كان شيعيا، مع حبّه للشيخين. وقد دسّ في مستدركه الأباطيل. الغريب المدهش أنّ المحدّثين لقلّة فقههم جعلوه مصدرا من مصادر الحديث النبوي الشريف، نسأل الله العافية، هذا مما يؤخذ على أهل الحديث، فقد ترخصّوا في الأخذ عن الشيعة الكذّابين.

مراجع

  • الوجيز في علوم الحديث ونصوصه، محمد عجاج الخطيب، المطبعة الجديدة، 1399، 1979م. دمشق، سوريا.