الشَّفَافة مصطلح مستعار من قولهم: شفّ الشيءُ شُفوفا أي أبان ما وراءه، وجاءت علّة التسمية على تقدير أنّ الشَّفافة في الإدارة الحكومية هي «أن تكون الحكومة والأجهزة الإدارية العامّة في صندوق من زجاج بحيث يرى الجميع بوضوح ما تقوم به من أعمال، وتباشره من مهامّ، وتديره من نَهاجِل، وما ترتبط به من علاقات» (أفندي، 2002م)، فالشَّفافة وضوح ما تقوم به المؤسّسات العامّة، وكذلك وضوح علاقتها مع المواطنين وعلانية الإجراءات والغايات والأهداف سواء في المؤسّسات الحكومية أو غير الحكومية، وأن تكون الحقائق معروفة ومتاحة للبحث والمساءلة والنقاش، ولا يتمّ التستّر عليها بحجّة السرّية والمصالح العليا والأمن، فالفساد يستشري في جنح الظلام وينمو في مَحاطه ويزدهر، ويذوي ويضمحّل في نور الشمس، فالمجتمعات غير الديمقراطية بيئات مغلقة تسيطر فيها الحكومات على إعلامها ولا تسمح بنشر إلاّ ما يكون في صالحها. وليست الشَّفافة غاية في ذاتها إنّما هي وسيلة لمكافحة الفساد، لأنّهما مفهومان متعارضان بينهما علاقة عكسية، فكلّما زادت الشفافة في المجتمع ومؤسّساته، قلّ الفساد وتمكّنت أجهزة الرقابة من محاربته والسيطرة عليه وعلى آثاره المدمّرة، وتتضمّن الشَّفافة أيضا وضوح التشريعات والتعليمات، واتّباع ممارسات إدارية واضحة وسهلة من أجل الوصول إلى اتّخاذ قرارات موضوعية وسليمة.
كما أنّ الشفافة ليست مجرّد الوضوح في الإجراءات بل هي فلسفة ومنهج عمل يمكن أن يتشكّل من العديد من العناصر والمعايير وفق الأساليب الإدارية المستعملة في المنظمّة سواء أكانت حكومية أم منظّمة أعمال هادفة إلى الربح أو غير هادفة، ويمكن توضيح عناصرها فيما يلي (الغالبي والعامري، 2010م):
- 1- وضوح رسالة الأجهزة الحكومية ومسوّغ وجودها، من خلال التحديد الدقيق لرؤيتها ودورها في المجتمع وأهدافها السَّنافية (الاستراتيجية).
- 2- شرعية وجود الأجهزة الحكومية ومشروعيتها، وتمتّعها بالقبول من لدن جميع فئات المجتمع، ورسمها صورة ناصعة من خلال دورها الواضح والمعزّز لثقة الآخرين بها.
- 3- أنّ تتّسم إجراءات العمل والتخطيط بالبساطة والوضوح والابتعاد عن التعقيد، وأن يجري تحديث مستمرّ لهذه الإجراءات وتغييرها إذا دعت الضرورة لذلك.
- 4- النشر الواسع للمعلومات والبيانات، وتوفير أدلّة يسترشد بها الجمهور والجهات الأخرى لمراقبة سير عمل المؤسّسة ومعرفة مدى تطوّرها وتقدّمها.
- 5- ابتعاد المنظمّة عن كلّ الممارسات المثيرة للريبة والشكّ، وأن تتّسم أعمالها بالوضوح، والإعلان عن نشاطها وممارساتها، وأن تعتمد في إدارتها على مبادئ الديمقراطية والمساواة وتكافؤ الفرص.
- 6- من الضروري أن تمتلك الدولة مدوّنات أخلاقية تسير وفق نصوصها وهي تمارس أعمالها.
- 7- تصميم نهاجل التوعية بمفهوم الشَّفافة للعاملين في المنظّمة وبسبل التعامل مع المستفيدين من خدمة المنظّمة أو سلعها وبمعرفة حقوقهم وعدم تجاوزها.
- 8- أن تمتلك الأجهزة الحكومية مواقع إشباكية يتمّ تحديثها باستمرار لتعطي صورة صادقة عمّا يجري بداخلها، وأنّ تكون على استعداد دائم لسماع آراء الأفراد والفئات المختلفة حول عملها وأنشطتها.
خلاصة القول إنّ الشفافة تقوم على مبدأين أساسيين هما: تقاسم المعلومات والتصرّف بطريقة مكشوفة، ثمّ التدفّق الحرّ للمعلومات، فتقاسم المعلومات يتيح لمن لهم مصلحة في شأن من الشؤون أن يجمعوا معلومات حوله، يكون لها دور حاسم في الكشف عن المساوئ وحماية المصالح، وتساعد في اتّخاذ إجراءات واضحة لكيفية صنع القرار على الصعيدين العام والخاص، كما أنّ الأنظمة ذات الشفافة تمتلك قنوات اتّصال مفتوحة بين أصحاب المصلحة والمسؤولين، وتضع مجموعة كبيرة من المعلومات في متناول الجمهور. يؤدّي تدفّق المعلومات الحرّ إلى فهم العمليات التي تقوم بها المؤسّسات وتسهّل مراقبتها وترفع من درجة شفافتها، ولكي تكون المؤسّسات المستجيبة لحاجات الناس ومشاغلهم منصفة، عليها أن تعمل وَفْق سيادة القانون.