صورة متحركة صامتة، يتحرّك في أدائها الأشخاص من دون حوار مسموع أمام منظر معبّر صامت أيضا، ويعتمد فيها التمثيل على قوة الحركات وتعبير المنظر ككل، ويستعمل هذا الأسلوب من التمثيل حين يكون الصمت أبلغ من الكلام. ويُعرّفها بعضهم: بأنّها تعبير مسرحي فنّي خلاّق قائم على التمثيل الحَركي الصامت المُتجافي عن الكلام، وقد تطوّر تطوّرا غدت فيه هذه النظرية ذات أسلوب تمثيلي خاصٍّ يُتعلَّم تعلُّما، فله تركيباته وهيئاته المحفوظة. وتوظّف التماية لغة الجسد أي الحركة والإيماءة والموسيقى، هذه العناصر الثلاثة تؤدّي في النهاية مجتمعة حوارا من نوع آخر، يقول «ستانسلافلسكي» في ذلك: «إنّ في المسرحيات الحوارية يستعمل الممثّل جسده، ويُعبّر عن انفعالاته الداخلية، لكي يصاحب الحوار توصيل المعنى.. والحركات في التماية هي الحياة.. ومصدر هذه الحركات هو الجسد». ولا يعني التمثيل الصامت المتجافي عن الكلام أنّ استعمال الصوت محرّم في الأداء الحركي التصويري، بل يمكن استعمال أصوات الجهد كالنَّفَس الثقيل والشَّهَقات ووقع الأقدام وما شابه ذلك مع التوقيش (أصوات الأشياء الجامدة) والموسيقى المعبّرة المتساوقة مع إيقاع الحركات. ويشترك التمثيل المنطوق مع التمثيل الصامت في: (1) أنّ كليهما فنّ مسرحي مُحتاج إلى تجلّي شخصية، وصراع، وفكرةٍ مؤسِّسة، وقصّة. (2) أنّ كليهما محتاج إلى ممثّلين يؤدّون عرضا حركيا، عماده الجسد والحركات أمام النظّارة الحاضرين بأبدانهم. (3) أنّ كليهما محتاج إلى الالتزام بالمادّة التي يمثّلونها لخلق باعث داخلي على الحركات الخارجية.
كان أوّل من استعمل التِّماية كجزء من مسرح منظّم هم اليابانيون والصينيون، واستعمله الإغريق كشكل فنّي في ذاته وبذاته، وواصل الرومان استعماله بعد سقوط اليونان وجعلوا عروضه صامتة تتّسم بالمبالغة والسوقية والإباحية غالبا إلاّ أنّها جماهيرية بدرجة كبيرة. وفي العصور الوسطى الأوروبية كان للتماية مصدران، الأوّل المهرّج الرحّالة الذي كان ضليعا في التماية والأغنية والارتجال، والمصدر الثاني ذلك الذي وُجد في الاستعبار الكنسي (الدراما الكنسية) لا سيّما في مسرحيات المعجزات. يمدّنا عصر النهظة بميلاد جديد للتماية كشكل مسرحي مميّز، وقد أعيد تأصيلها في إيطاليا القرن السادس عشر الميلادي فكانت جزءا هامّا من فرق المَلهاة، وأيضا فيما بعد في أنكلترا القرن الثامن عشر الميلادي حيث كسبت التماية قدما ثابتة مع مسرحيات البلاط المقنّعة، ومع مهرّجي البلاط والمهرّجين فيما بعد في ملاهي شكسبير، وبحلول عام 1800م كانت التماية قد أصبحت مجالا مألوفا للتسلية المسرحية في كثير من البلدان، اليابان وإيطاليا وفرنسا وأمريكا، لكن الحدث الأكثر أهمّية هو بزوغ جين-جيسبارد دوبيرو jean-Gespard Debureau في فرنسا في بداية القرن التاسع عشر حيث برزت تقاليد للتماية تجسّدت في مدارسها الثلاثة المتميّزة.
ويضمّ التمثيل الصامت مصطلحين متداخلين هما التِّماية mime والمُومَى pantomime، وهناك ستّ نظريات تشرح الفروق بينهما، فقيل إنّ مضمار المُومى هو المَلْهاة، وإنّ التِّماية مضمارها العروض الجادّة، وقيل إنّ الأوّل هو العرض الجسدي المُؤدَّى بالحركة الواسعة غير المُقيَّدة، وإنّ التماية هي العرض الجسدي المؤدَّى بالحركة الدقيقة المُتعلَّمة، وقيل إنّ المُومى قائم على كونه أداءً حركيا جسديا فيه شخصية رئيسة، وإنّ التماية ليس فيها ذلك، وقيل إنّ المومى أداء حركي يؤدَّى بأسلوب واقعي، والتماية تؤدَّى على نحو تجريدي، وقيل إنّ الأوّل هو ما اُبتدع قبل سنة 1850م وإنّ التماية هي ما ابتدع بعد ذلك التاريخ، وقيل إنّ المُومى عرض روائي يكون مصحوبا في العادة بالموسيقى، يعتمد على وسيلة التعبير في التماية، يصعب حجبه بالرقابة لأنّه لا يمتلك نصّا مكتوبا فنصّه هو التفسير، وقيل إنّه لا فرق بين التماية والمومى، فهما يستعملان اليوم بشكل تبادلي، فمن المستحيل تحديد الفروق بينهما، ربّما كان هناك فرق محدّد ذات مرّة، لكنّه اليوم لم يعد موجودا. وهناك خمس مكوّنات للتماية هي عناصرها الأساسية: (1) التامي أو المُؤدّي، وهو عنصرٌ أساسٌ ينبغي له أن يكون قادرا على ابتكار الفكرة وتوصيلها إلى النظّارة. (2) الفكرة، مكوّنٌ أساسٌ ثانٍ وهي التي تؤدّى من لدن التامي. (3) المساحة، المكوّن الثالث، وعادة ما تكون فارغة وحيادية. (4) الجمهور، مكوّن لا غنى عنه، وأفضله الذي يكون راغبا في المشاهدة بمؤازرة وإحساس. (5) الصِّنعات، وهي الأداء الحركي التصويري.
وتُقسّم التماية إلى شقّين، أوّلهما التماية الحَرْفِية literal mime وهي الأكثر ذيوعا وانتشارا في مسرح الحِكاية والملهاة، ولها سمات ستّ مُميِّزة: (1) تتركّز كثيرا حول الحُبْكة، فهي قائمة على قصّة. (2) فيها شخصية محورية راسمة للمعاني رسما جسديا حركيا. (3) هي قصّة قائمة على الصراع والنِّزاع. (4) ذات وضوح مطلق يصرِف الممثِّلُ جهده في تحقيقه. (5) الصِّنْعات المستعملة في التماية الحرفية مصمّمة لصنع إيهام حَرْفي، ففكرة جذب الحبل مثلا تعبّر باختصار عن حبل يُجذب، فنادرا ما تكون هناك معانٍ رمزية وراء الأفعال. (6) التماية الحرفية مصمّمة لتكون ممتعة بصريا. ثانيهما التِّماية التجريدية abstract mime وهي مغايرة من وجوهٍ بعضَ ما تقدّم بيانه، فهي تقدّم مادة جادّة تستفزّ مشاعر الجمهور وأفكاره، فلا حُبكة ولا شخصية مركزية، فقد تكون الشخصية في هذا النمط من التمثيل الصامت كلَّ إنسان من وجهة عالمية أو رمزية، وإذا كانت فكرة جذب الحبل في التماية الحرفية تدلّ على جذب الحبل حقّا، فإنّها في التماية التجريدية ذات دلالة رمزية كمحاولة شخص أن يتحكّم في حياة آخر. وتتمثّل عناصرها في: (1) التماية التجريدية لها موضوع أو نقطة رئيسة، قد يكون الموضوع عامّا كظهور الإنسان أو محدّدا مثل «في الطلاق لا يوجد فائز». (2) تُقدّم التماية التجريدية وجهة نظر نحو الموضوع. (3) تصوير الشخصية ليس واقعيا. (4) القطعة التجريدية مبنية في صور بدل أفعال. (5) تتركز التماية التجريدية حول الرمزية، فمعظم القطع التجريدية بها رمز محوري. ويمكن ملاحظة ثلاثة أشكال مؤسِّسة للتماية: أولها الإيماءات، وتتمثّل في الحركات الجسدية التي تقوم على حركة اليدين والذراعين، من تجلّياتها جذب الحبل الأساسِ. ثانيها الإيهامات، وهي الحركات الجسدية التي عمادها الجسد كلّه باعتباره كُلاّ واحدا، كتمايل الثمل. ثالثها المِشْيات، كالمشيات التي تتخلّق منها دِلالة على تحرّك الجسد نحو الأمام أو الخلف، كالجري والتزلّج أو مشية المُثقل والمجهد.