المشهور بين كافّة أهل الإسلام أنّه لا بدّ أن يظهر في آخر الزمان رجل من ذرّية الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، يُعْرف بالمهدي، ويسمّى محمد بن عبد الله، يؤيّد الدين، ويملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا، ويتّبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية، وهو علامة من علامات الساعة وشرط من أشراطها، يملك سبع سنين أو تسع. يبعث الله تعالى من يمهّد لبيعته وإمامته ويوطئ له. يظهر عند وجود فتنة بين الناس واختلاف على إثر موت الخليفة القائم، فيخرج أوّل مرّة من مكّة إلى المدينة، ثمّ يخرج من المدينة إلى مكة فيعرف الناس حينئذ أنه المهدي، فيبايعونه بين الركن والمقام، ويأتي جيش من الشام لقتاله فتُخسف به الأرض، ثمّ يخرج في وقته الدجّال، وينزل عيسى ابن مريم عليه السلام فيأتمّ بالمهدي في صلاته، ثمّ يقتل الدجّال، ويساعده المهدي على قتله. هناك من يقول بأن لا مهدي سوى عيسى ابن مريم، ولكن جمهور المسلمين يرون أن المهدي غير عيسى ابن مريم عليه السلام. ويشارك الشيعة عامّة المسلمين في ذلك، واختلفوا فيمن يكون هذا الشخص. فالمسلمون يرون أنّه رجل من ولد فاطمة رضي الله عنها من دون التحديد بالشخص، ويذهب الشيعة الإمامية إلى القول بأنّه محمد بن الحسن العسكري، الإمام الثاني عشر عندهم. أمّا الإسماعيلية الباطنية فالمهدي عندهم هو محمّد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، فهو قائم القيامة أو صاحب الدور والكور، ويتألّف الكور من عدّة أدوار قد تصل إلى سبعة، فالإمام السابع في أي دور من الأدوار يكون هو القائم صاحب الدور الذي يحاسب أهل دوره على الأخطاء التي ارتكبوها.
قصّة المهدي لم تذكر في القرآن الكريم، ولم يرد ذكره إلاّ في الأحاديث النبوية، وعليها خلاف كبير منذ القدم، وهي أحاديث كثيرة، والكثير منها غريب وضعيف، وبعضها حسن، والآخر صحيح. وقال القاضي محمد بن علي الشوكاني المتوفّى سنة 1250، وهو صاحب التفسير المشهور، ومؤلّف نيل الأوطار، قال في كتابه: التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي والدجّال والمسيح: والأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها، منها خمسون حديثا فيها الصحيح والحسن والضعيف والمنجبر، وهي متواترة بلا شكّ ولا شبهة. بل يصدق وصف التواتر على ما دونها على جميع الاصطلاحات المحرّرة في الأصول. وأمّا الآثار عن الصحابة والمصرِّحة بالمهدي فهي كثيرة جدّا، لها حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك. وقد عدّ السفاريني في عقيدته المسمّاة لوامع الأنوار البهية: الإيمان بالمهدي من جملة عقيدة أهلّ السنّة والجماعة، وقال: وما أتى بالنصّ من أشراط فكلّه حق بلا شطاط، منها الإمام الخاتم الفصيح: محمّد المهدي والمسيح. وقال السفاريني: وقد كثرت الأقوال في المهدي حتّى قيل: لا مهدي إلاّ عيسى، والصواب الذي عليه أهل الحقّ، أنّ المهدي غير عيسى، وأنّه يخرج قبل نزول عيسى عليه السلام. وقد كثرت بخروجه الروايات حتّى بلغت حدّ التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنّة حتّى عُدّ من معتقداتهم.
ينكر بعضهم ظهور المهدي في آخر الزمان، ويقولون إن المهدي شخصية لا وجود لها، إنّما هي مجرد خرافة استند مروّجوها على أحاديث لا تصح، ولا يشكّل هؤلاء نسبة كبيرة من المسلمين، منهم نفر من العلماء، وقد طعن ابن خلدون (ت، 808) في أحاديث المهدي في الفصل الذي عقده في مقدمته (ص 311)، إذ قال: لم يخرج البخاري ولا مسلم منها شيئا، ولو صحّت عندهم لأخرجوها. فرُدّ عليه: بأنّ الشيخين لم يلتزما إخراج كلّ الصحيح في صحيحيهما، ولم يستوعباه، فدلّ ذلك على أنّ هناك أحاديث صحيحة لم يخرجاها، ومن ضمنها الأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي، وإن لم يخرج الشيخان في صحيحيهما من أحاديث المهدي شيئا، لكن أخرجها أئمّة آخرون كأصحاب السنن الأربعة، والإمام أحمد، وابن حبّان وغيرهم من العلماء المصنّفين. ويرى ابن خلدون عدم ظهوره، وأنّه لم يظهر في وقته، وإذا ظهر فمن الراجح أنّه يظهر من بين الطالبيين بأرض الحجاز كالمدينة ومكّة.
الجدير بالذكر أنّ هناك فِرَقٌ كثيرة ادّعت المهدية على مدى التاريخ القديم والحديث، وكانت تجد لها صدى بين الجماهير، وغالبا ما تخوض تلك الفرق في الدماء بين قاتل ومقتول، وتقوم بالثورات، وتسبّب الفتن، وتشتّت الدول. بل في كلّ عصر يخرج داع أو دعاة كلّهم يزعم أنّه المهدي، فقد ادّعت الكيسانية في حياة محمّد بن الحنفية، أنّه هو المهدي الموعود، وقالت الاثنا عشرية هو محمّد بن الحسن العسكري الذي دخل في سرداب، ويرون أنّه سيخرج آخر الزمان؛ بينما قالت الإسماعيلية إنّ المهدي هو إسماعيل بن جعفر الصادق؛ واعتقدت فرقة الجارودية بمهدية محمّد بن عبد الله النفس الزكية، وقد قُتل سنة 45؛ قال عنه ابن كثير: تلقّب بالمهدي طمعا أن يكون هو المذكور في الأحاديث، فلم يكن به، ولا تمّ له ما رجاه، ولا ما تمنّاه فإنّه لله. ثمّ مهدي القحطانية، وهي جماعة في اليمن؛ ومهدي الخوارج، ولا تعتقد به إلاّ فرقة واحدة هي اليزيدية المنقرضة. ولا يكاد يمرّ عصر في المغرب إلاّ خرج من يدّعي المهدية، كالذي كان من المهدي رأس الدولة العبيدية، التي قامت في المغرب أوّلا، ثمّ انتقلت إلى مصر واتسع نطاقها، وقد استغلها «ابن تومرت» فأسس دولة الموحدين بني عبد المؤمن؛ وفي القرن الثامن، أيام الدولة المرينية بفاس، قام رجل اسمه «التويرزي» مدّعيا أنه المهدي، وقد اغتيل.
ومن هذا الصنف علي محمّد الشيرازي الذي ادّعى أنّه «باب المهدي»، ثمّ ترقّى فأدعى أنّه المهدي نفسه، ثمّ قرّر نسخ دين الإسلام، وشيوع المرأة والمال وإلغاء التكاليف، وكان يسانده ويسلّحه الكليز والروس، وبعد إعدامه سنة 1266 ادّعى حسين علي الملقّب ببهاء الله إلغاء الأديان، وأنّه مظهر الله الحقيقي، وأنّ جميع الأنبياء إنّما جاؤوا ليبشّروا به، ومعلوم أنّ البهائية صنيعة كلزية روسية وريبة للصهيونية العالمية؛ ومنهم غلام أحمد القادياني الذي ادّعى أنّه المجدّد، ثم المهدي، ثمّ المسيح الموعود، ثمّ النبي المستقلّ، وكان للكليز دور كبير في نصرته وتأييد دعوته. وممّن حمل لقب المهدي صاحب ثورة السودان محمّد أحمد بن عبد الله، كان أتباعه يطلقون عليه اسم المهدي، واستطاع محاربوه القبليون أن يكسروا شوكة الجيش البريطاني ويقضوا على الجنرال تشارلز غوردون، الملقّب بالصيني، في الخرطوم سنة 1885م. وكان آخر عهد بالمهدية جهيمان الذي استولى على الحرم المكّي في مطلع القرن الخامس عشر (1979م)، وهو جهيمان بن محمد الصقري الحافي الروقي العتيبي. نشأ في ساجر في المملكة العربية السعودية، مستوطنة بدوية أنشأها عبد العزيز بن سعود وسميت بالهُجر. جاء في منهاج السنّة النبوية لابن تيمية قوله: «ولهذا لمّا كان الحديثُ المعروف عند السلف والخلَف أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال في المهدي: يواطئُ اسمُه اسمي واسمُ أبيه اسم أبي، صار يطمعُ كثير من الناس في أن يكون هو المهدي، حتّى سمّى المنصور ابنه محمّدا ولقّبه بالمهدي مواطأةً لاسمه باسمه واسمِ أبيه باسم أبيه، ولكن لم يكن هو الموعود» (منهاج السنّة النبوية 4/98). يقول محمّد رشيد رضا في تفسير المنار (9/105): «ولأجل ذلك كثر الاختلاف في اسم المهدي ونسبه وصفاته وأعماله، وكان لكعب الأحبار جولة واسعة في تلفيق تلك الأخبار».