معجم المصطلحات الكبير
المَهْدِي
الإسلام

المشهور بين كافّة أهل الإسلام أنّه لا بدّ أن يظهر في آخر الزمان رجل من ذرّية الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، يُعْرف بالمهدي، ويسمّى محمد بن عبد الله، يؤيّد الدين، ويملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا، ويتّبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية، وهو علامة من علامات الساعة وشرط من أشراطها، يملك سبع سنين أو تسع. يبعث الله تعالى من يمهّد لبيعته وإمامته ويوطئ له. يظهر عند وجود فتنة بين الناس واختلاف على إثر موت الخليفة القائم، فيخرج أوّل مرّة من مكّة إلى المدينة، ثمّ يخرج من المدينة إلى مكة فيعرف الناس حينئذ أنه المهدي، فيبايعونه بين الركن والمقام، ويأتي جيش من الشام لقتاله فتُخسف به الأرض، ثمّ يخرج في وقته الدجّال، وينزل عيسى ابن مريم عليه السلام فيأتمّ بالمهدي في صلاته، ثمّ يقتل الدجّال، ويساعده المهدي على قتله. هناك من يقول بأن لا مهدي سوى عيسى ابن مريم، ولكن جمهور المسلمين يرون أن المهدي غير عيسى ابن مريم عليه السلام. ويشارك الشيعة عامّة المسلمين في ذلك، واختلفوا فيمن يكون هذا الشخص. فالمسلمون يرون أنّه رجل من ولد فاطمة رضي الله عنها من دون التحديد بالشخص، ويذهب الشيعة الإمامية إلى القول بأنّه محمد بن الحسن العسكري، الإمام الثاني عشر عندهم. أمّا الإسماعيلية الباطنية فالمهدي عندهم هو محمّد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، فهو قائم القيامة أو صاحب الدور والكور، ويتألّف الكور من عدّة أدوار قد تصل إلى سبعة، فالإمام السابع في أي دور من الأدوار يكون هو القائم صاحب الدور الذي يحاسب أهل دوره على الأخطاء التي ارتكبوها.

قصّة المهدي لم تذكر في القرآن الكريم، ولم يرد ذكره إلاّ في الأحاديث النبوية، وعليها خلاف كبير منذ القدم، وهي أحاديث كثيرة، والكثير منها غريب وضعيف، وبعضها حسن، والآخر صحيح. وقال القاضي محمد بن علي الشوكاني المتوفّى سنة 1250، وهو صاحب التفسير المشهور، ومؤلّف نيل الأوطار، قال في كتابه: التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي والدجّال والمسيح: والأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها، منها خمسون حديثا فيها الصحيح والحسن والضعيف والمنجبر، وهي متواترة بلا شكّ ولا شبهة. بل يصدق وصف التواتر على ما دونها على جميع الاصطلاحات المحرّرة في الأصول. وأمّا الآثار عن الصحابة والمصرِّحة بالمهدي فهي كثيرة جدّا، لها حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك. وقد عدّ السفاريني في عقيدته المسمّاة لوامع الأنوار البهية: الإيمان بالمهدي من جملة عقيدة أهلّ السنّة والجماعة، وقال: وما أتى بالنصّ من أشراط فكلّه حق بلا شطاط، منها الإمام الخاتم الفصيح: محمّد المهدي والمسيح. وقال السفاريني: وقد كثرت الأقوال في المهدي حتّى قيل: لا مهدي إلاّ عيسى، والصواب الذي عليه أهل الحقّ، أنّ المهدي غير عيسى، وأنّه يخرج قبل نزول عيسى عليه السلام. وقد كثرت بخروجه الروايات حتّى بلغت حدّ التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنّة حتّى عُدّ من معتقداتهم.

ينكر بعضهم ظهور المهدي في آخر الزمان، ويقولون إن المهدي شخصية لا وجود لها، إنّما هي مجرد خرافة استند مروّجوها على أحاديث لا تصح، ولا يشكّل هؤلاء نسبة كبيرة من المسلمين، منهم نفر من العلماء، وقد طعن ابن خلدون (ت، 808) في أحاديث المهدي في الفصل الذي عقده في مقدمته (ص 311)، إذ قال: لم يخرج البخاري ولا مسلم منها شيئا، ولو صحّت عندهم لأخرجوها. فرُدّ عليه: بأنّ الشيخين لم يلتزما إخراج كلّ الصحيح في صحيحيهما، ولم يستوعباه، فدلّ ذلك على أنّ هناك أحاديث صحيحة لم يخرجاها، ومن ضمنها الأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي، وإن لم يخرج الشيخان في صحيحيهما من أحاديث المهدي شيئا، لكن أخرجها أئمّة آخرون كأصحاب السنن الأربعة، والإمام أحمد، وابن حبّان وغيرهم من العلماء المصنّفين. ويرى ابن خلدون عدم ظهوره، وأنّه لم يظهر في وقته، وإذا ظهر فمن الراجح أنّه يظهر من بين الطالبيين بأرض الحجاز كالمدينة ومكّة.

الجدير بالذكر أنّ هناك فِرَقٌ كثيرة ادّعت المهدية على مدى التاريخ القديم والحديث، وكانت تجد لها صدى بين الجماهير، وغالبا ما تخوض تلك الفرق في الدماء بين قاتل ومقتول، وتقوم بالثورات، وتسبّب الفتن، وتشتّت الدول. بل في كلّ عصر يخرج داع أو دعاة كلّهم يزعم أنّه المهدي، فقد ادّعت الكيسانية في حياة محمّد بن الحنفية، أنّه هو المهدي الموعود، وقالت الاثنا عشرية هو محمّد بن الحسن العسكري الذي دخل في سرداب، ويرون أنّه سيخرج آخر الزمان؛ بينما قالت الإسماعيلية إنّ المهدي هو إسماعيل بن جعفر الصادق؛ واعتقدت فرقة الجارودية بمهدية محمّد بن عبد الله النفس الزكية، وقد قُتل سنة 45؛ قال عنه ابن كثير: تلقّب بالمهدي طمعا أن يكون هو المذكور في الأحاديث، فلم يكن به، ولا تمّ له ما رجاه، ولا ما تمنّاه فإنّه لله. ثمّ مهدي القحطانية، وهي جماعة في اليمن؛ ومهدي الخوارج، ولا تعتقد به إلاّ فرقة واحدة هي اليزيدية المنقرضة. ولا يكاد يمرّ عصر في المغرب إلاّ خرج من يدّعي المهدية، كالذي كان من المهدي رأس الدولة العبيدية، التي قامت في المغرب أوّلا، ثمّ انتقلت إلى مصر واتسع نطاقها، وقد استغلها «ابن تومرت» فأسس دولة الموحدين بني عبد المؤمن؛ وفي القرن الثامن، أيام الدولة المرينية بفاس، قام رجل اسمه «التويرزي» مدّعيا أنه المهدي، وقد اغتيل.

ومن هذا الصنف علي محمّد الشيرازي الذي ادّعى أنّه «باب المهدي»، ثمّ ترقّى فأدعى أنّه المهدي نفسه، ثمّ قرّر نسخ دين الإسلام، وشيوع المرأة والمال وإلغاء التكاليف، وكان يسانده ويسلّحه الكليز والروس، وبعد إعدامه سنة 1266 ادّعى حسين علي الملقّب ببهاء الله إلغاء الأديان، وأنّه مظهر الله الحقيقي، وأنّ جميع الأنبياء إنّما جاؤوا ليبشّروا به، ومعلوم أنّ البهائية صنيعة كلزية روسية وريبة للصهيونية العالمية؛ ومنهم غلام أحمد القادياني الذي ادّعى أنّه المجدّد، ثم المهدي، ثمّ المسيح الموعود، ثمّ النبي المستقلّ، وكان للكليز دور كبير في نصرته وتأييد دعوته. وممّن حمل لقب المهدي صاحب ثورة السودان محمّد أحمد بن عبد الله، كان أتباعه يطلقون عليه اسم المهدي، واستطاع محاربوه القبليون أن يكسروا شوكة الجيش البريطاني ويقضوا على الجنرال تشارلز غوردون، الملقّب بالصيني، في الخرطوم سنة 1885م. وكان آخر عهد بالمهدية جهيمان الذي استولى على الحرم المكّي في مطلع القرن الخامس عشر (1979م)، وهو جهيمان بن محمد الصقري الحافي الروقي العتيبي. نشأ في ساجر في المملكة العربية السعودية، مستوطنة بدوية أنشأها عبد العزيز بن سعود وسميت بالهُجر. جاء في منهاج السنّة النبوية لابن تيمية قوله: «ولهذا لمّا كان الحديثُ المعروف عند السلف والخلَف أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال في المهدي: يواطئُ اسمُه اسمي واسمُ أبيه اسم أبي، صار يطمعُ كثير من الناس في أن يكون هو المهدي، حتّى سمّى المنصور ابنه محمّدا ولقّبه بالمهدي مواطأةً لاسمه باسمه واسمِ أبيه باسم أبيه، ولكن لم يكن هو الموعود» (منهاج السنّة النبوية 4/98). يقول محمّد رشيد رضا في تفسير المنار (9/105): «ولأجل ذلك كثر الاختلاف في اسم المهدي ونسبه وصفاته وأعماله، وكان لكعب الأحبار جولة واسعة في تلفيق تلك الأخبار».

تعليق

قصّة المهدي من الأمور المختلف فيها، وفيها من الأوهام والأباطيل الشيء الكثير، ولعلّ أكثر ما وُضع من الكذب عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان فيما تعلّق بالمهدية، لأنّها مطية سهلة لجمع الناس، ولأننّا ما زلنا نعيش في نسقنا الفكري القديم وإلى حدود كبيرة مرحلة الذهنية التقابلية الثنائية المختلطة بموروثات المرحلة الذهنية الإحيائية، وهذا ما جعل بعض العلماء ينكرون وجود هذه الشخصية أصلا، وقد أسماه بعضهم بالمهدي اللامنتظَر، إلاّ أنّ قصّة وجود رجل صالح يعيد للإسلام مجده وينشر العدل ويحيي سنّة الرسول عليه الصلاة والسلام صحيحة من جهة النقل، ويدعّهما العقل، سواء أكان هذا الرجل هو الذي تنطبق عليه صفة المهدي الموعود أم لا، ونفهم ذلك من الحديث الذي يُروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، يقول فيه: «لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطوّل اللهُ ذلك اليومَ حتّى يبعث فيه رجلا منّي، أو من أهل بيتي، يواطئ اسمُه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قِسْطا وعدلا كما مُلئت ظُلما وجَوْرا»، روى أبو داود 4282 واللفظ له، والترمذي 2230 عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: الحديث، صحّحه الألباني في صحيح أبي داود.

أعتقد الكثير من شرّاح الحديث أن اسم هذا الرجل هو: محمد بن عبد الله، وذلك غير صحيح، فلا يراد بمواطأة اسمه لاسم الرسول عليه الصلاة والسلام من جهة العلَمية، لأنّ اسم محمّد لا يواطئ اسم محمّدٍ بل هو سمّيه، إنّما المواطأة تكون في الاسم المحمول من حيث محو الكفر وإحياء الدين وإفشاء العدل والقسط بين الناس، فالمهدي هو الماحي والمحيي، فالماحي يمحو الله به الجاهلية والمحيي يُحيي الله به الدين، إلاّ أنّ محوه ليس كمحو الرسول إنّما يواطئه أي يُقاربه في المحو فالمواطأة المقاربة، أمّا اسمه العلَمي فقد يكون زيدا أو عمرا، ثمّ إنّ المراد بقوله واسم أبيه اسم أبي، نعرفه من خلال حديث آخر: «ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» أي أنّ الأمر متعلّق بخلو الخلافة في الأمّة والتي سيحييها هذا الرجل الصالح ويرفع عنها ميتة الجاهلية، وأنّ كِلا الأبوين يموتان ميتة جاهلية، أي أنّ أبا المهدي يموت في جاهلية كما مات أبو الرسول عليه الصلاة والسلام في جاهلية، بمعنى أنّ بين العالميتين الإسلاميتين الأولى والثانية هناك جاهلية أخرى، وصفة الجاهلية في الموت لا تقدح في دين المسلمين اليوم وإن لم تكن لهم في أعناقهم بيعة لإمام، فهي كصفة اليُتم التي تلحق الولد أو البنت حين يموت الوالد، فلا تضيرهم بحال، إنّما بيّنتْ أنّ أمر المهدي متعلّق بعودة الخلافة الإسلامية لا غير. لذلك فإنّ المواطأة تكون فيما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد بدأت بالرسول عليه الصلاة والسلام العالمية الإسلامية الأولى أو عالمية البيت المعمور، وتبدأ بالرجل الصالح العالمية الإسلامية الثانية أو عالمية السقف المرفوع، فالرسول عليه الصلاة والسلام جاء بالإسلام، أمّا المهدي فيتّبع الرسول ولا تكون خلافته نبوّة بل على منهاج النبوّة، ومن هنا جاءت مواطأته للرسول عليه الصلاة والسلام.

كلّ الدول التي ظهرت في التاريخ الإسلامي إلى سقوط الخلافة كانت دولا صحيحة الإسلام، فقد أورثها الله تعالى الكتاب، بعد أن رفع النبوّة، قال تعالى: «ثمّ أورثنا الكتابَ الذين اصطفَينا من عبادنا، فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله، ذلك هو الفضل الكبير» (فاطر، 32). لذلك اعتبرت هذه المرحلة التي خلت منها الخلافة الإسلامية مرحلة جاهلية، ويصفها الرسول عليه الصلاة والسلام بالثبَجية في قوله: «خيار أمتي أولها وآخرها، وبين ذلك ثَبَج أعوج ليس مني ولست منه»، وفي الحديث الذي يرويه الترمذي، عن أنس، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «مَثَلُ أمّتي مَثَلُ المطر، لا يُدرى أوّله خيرٌ أم آخره». كما أنّ الأقوال التي تنصّ على أنّ المهدي يُبايَع بين الركن والمقام، وأنّه سيقاتِل على المُلْك وأنّ جيشا يُخسف به في البيداء يُرسل لقتاله، فكلّ هذا من الأوهام، فقد تكون هذه الأحاديث صحيحة إلاّ أنّها ليست متعلّقة بالمهدي، فهو لا يعدو أن يكون رجلا من عامّة الناس يصل إلى الحكم بما يصل إليه الناس، ولا يدعو أحدا إلى نفسه. كما أنّه لا يمكن أبدا أن يعلم أنّه المهدي، فذلك كرجل ما يزال يصدق ويتحرّى الصدق في حياته حتّى كُتب عند الله صدّيقا، فهل يُمكن لرجل كهذا أن يعلم أنّه قد كُتب عند الله صدّيقا؟! وهو أوّل الخلفاء، تبدأ به الأمّةُ عودتَها إلى الإسلام على منهاج النبوّة في بداية مرحلة الظهور الكلّي للدين ومن دون معجزات، فالرسول عليه الصلاة والسلام وهو أعظم أنبياء الله تعالى حُجبت عليه آيات الخوارق، فكيف يُعطاها رجلٌ من عامّة المسلمين!

أمّا الروايات التي تربط وجود المهدي بوجود عيسى بن مريم عليه السلام، فلا تصحّ أيضا، فشرعية وجود النبوّة تُلغي كلّ شرعية لوجود غيرها، فما جدوى المهدية وهي حركة تجديد وإحياء، مع نبوّة ووحي يتنزّل به جبريل عليه السلام. هناك حديث يصحّحه العقل والمنطق، وقد أخرجه ابن عساكر من حديث ابن عبّاس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كيف تهلك أمّة أنا في أوّلها، وعيسى بن مريم في آخرها، والمهدي من أهل بيتي في وسطها»، رواه النسائي عن ابن عباس، وأخرجه أحمد بن حنبل في مسنده ورواه الحافظ أبو نعيم في عواليه، والسيوطي في الدر المنثور (2\36)، وأورده الترمذي في نوادر الأصول، وأخرجه بن حجر في فتح الباري وفي روايته اختلاف في اللفظ. وهناك حديث آخر كهذا عن أبي جعفر محمّد بن علي، عن أبيه، عن جدّه، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «أبشروا أبشروا، إنّما أمّتي كالغيث، لا يُدرى آخره خير أم أوّله، أو كحديقة أطعم منها فوج عاما، لعلّ آخرها فوجا يكون أعرضها عرضا، وأعمقها عمقا، وأحسنها حُسنا، كيف تهلك أمّة أنا أوّلها، والمهدي أوسطها، والمسيح آخرها، ولكن بين ذلك ثَبَج أعوج، ليس منّي ولا أنا منه»، أخرجه الإمام أبو عبد الرحمن النسائي في سننه. وعلى هذا يمكن القول:

  • - إنّ قصّة المهدي أو الرجل الصالح صادقة، جاء بها النقل، ويفرضها العقل، فمن المستحيل أنّ تبقى الأمة الإسلامية من دون خلافة إلى أبد الدهر؛
  • - ليس اسمه محمد بن عبد الله؛
  • - هو رجل لا يدعو الناس إلى نفسه، فكلّ من قال إنّه المهدي، ودعا إلى البيعة لنفسه، فهو كذّاب، بل قد يظهر ثمّ يمضي إلى ربّه من دون أن يعرف نفسه أو يعرفه أحد؛
  • - لا يبايع بين الركن والمقام؛
  • - غير معني بجيش الخسف؛
  • - لا يجتمع مع عيسى ابن مريم، ولا يقاتل معه الدجّال؛
  • - ليس بنبي ولا معصوم، ما هو إلاّ رجل يحكم بشريعة الإسلام، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما مُلئت جَوْرا، يحيي السنّة ويميت البدعة، ويعود بالإسلام إلى منبعه الصافي النمير حين نزوله على الرسول عليه الصلاة والسلام، فينفي عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين؛
  • - ليس للمهدي معجزات، معجزته الوحيدة أن الله يوفّقه في رتق كل فتق في الأمّة بجهود الأمّة نفسها؛
  • - ليس الإيمان بالمهدي من ضرورات الدين.

 

972.jpg

 

رِسْبان يبيّن موقع المهدي من الأحداث التي تمرّ بالعالم الإسلامي مع العلو اليهودي، ونلاحظ أن العلو اليهودي في الأرض يتوافق مع الجاهلية في العالم الإسلامي، ويعتبر العلو الأخير المظهر الأكثر وضوحا في انتهاء دورة تاريخية كاملة للحضارة الإسلامية.

 

بدأت العالمية الإسلامية الأولى بالرسول عليه الصلاة والسلام، وانتهت بسقوط الخلافة الإسلامية. تبدأ العالمية الإسلامية الثانية بالمهدي وتكون خلافته على منهاج النبوّة، ثمّ يأتي عيسى ابن مريم في آخر هذه العالمية. بين العالميتين جاهلية ثانية وهي العلمانية التي نعيشها اليوم ويسمّيها الرسول عليه الصلاة والسلام بالملك الجبري أي الدكتاتورية العسكرية كما في حديث الأمراء الذي يرويه حذيفة رضي الله عنه، أمّا الحديث الذي يقول: إنّ الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثمّ ملك بعد ذلك، فلا يصحّ، فهو من وضع الشيعة الروافض، فالخلافة الراشدة تضمّ حكم بني أميّة أيضا، لقوله عليه الصلاة والسلام: خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لُكَع ابن لكع. سارت الفتوحات الإسلامية في العالمية الأولى من المشرق إلى المغرب، وتسير الفتوحات الإسلامية في العالمية الثانية من المغرب إلى المشرق، ويُؤيِّد ذلك الحديث الشريف: «قوم من قِبَل المغرب، عليهم ثياب الصوف». أمّا «البحر المسجور» فيدلّ على نهاية العالم، فالبحر المسجور، هو المختلط، وفي القرآن الكريم قوله تعالى: «وإذا البحار سُجّرت» (التكوير، 6) أي أفضى بعضها إلى بعض فصارت بحرا واحدا، ويحدث ذلك حينما ينعكس دوران الأرض فتشرق الشمس من مغربها، وهذه هي آخر الآيات التي يمكن أن يراها الإنسان على كوكب الأرض، ويكون بعد ذلك الانقراض الكلي، وتنفك الأرض من جاذبية الشمس وتصبح كوكبا منفلتا، تسير في الفضاء إلى حيث يكون البعث والنشور.

أخبر الله جلّ وعزّ أنّ اليهود قد ضربت عليهم الذلّة، فلا يكونون إلاّ تحت حكم غيرهم، واستثنى حالتين فقط يكون لهم فيهما علو كبير، ولا يكون لهم ذلك إلاّ بحبل من الله وحبل من الناس، قال تعالى: «ضربت عليهم الذلّة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة، ذلك بأنّهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون» (آل عمران، 112)، ويؤكّد هذا المعنى قوله تعالى: «وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلنّ علوا كبيرا» (الإسراء، 4). فحبل الله هو الذي أذهب عنهم الذلّة يوم مكّنهم من أن يدخلوا فلسطين ويقيموا دولة لهم مع طالوت وداوود عليه السلام، فحقّق الله لهم بذلك الدخولِ الوعدَ الأوّل، ثمّ أخبرهم الله يوم دخلوا فلسطين أوّل مرّة أنّهم سيخرجون منها وأنّ هناك عودة أخرى ثانية ستكون لهم و يأتي الله بهم يومئذ لفيفا، أي مجموعات من شعوب شتّى من أوروبا الغربية والشرقية والبلدان العربية والأمريكيتين، فاللفيف في اللغة، المجموعة من قبائل شتّى: «وقُلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا» (الإسراء، 104) وهذا الوعد الأخير هو الذي تحقّق لهم اليوم بحبل النّاس، وهو الدعم الغربي المُطلق لإسرائيل، مع تبعية لهم وصلت حدّ الذِّلّة، فقد ساقوا الغربيين من بطونهم وفروجهم سَوْق البهائم. ثمّ إنّ لليهود عودة أخرى مع المسيح الدجّال، يقول الله تعالى: «وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنّم للكافرين حصيرا» (الإسراء، 8)، والقرآن الكريم يستعمل «إن» حرف شرط جازم يفيد التحقيق، أي أنّ عودتهم مرّة أخرى حقيقة مؤكّدة لكنها ليست على شكل دولة ونظام سياسي كما في الوعدين السابقين، بل سيكونون جنودا للدجّال وهذا هو حبل الدجّال. كما أنّ هناك السوم بسوء العذاب بين الوعدين يصيبهم من غيرهم بسبب إفسادهم وظلمهم، قال تعالى: «وإذ تأذّن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم» (الأعراف، 167)، أي مع أنّ الله غفور رحيم إلاّ أنّ مغفرته ورحمته لم تمنعا من وقوع العقاب عليهم لشناعة أعمال الظالمين منهم.

مراجع

  • نشأة الفرق وتفرّقها. الربيز: كمال الدين نور الدين مرجوني البوغيسي. دار الكتب العلمية، 2011م. بيروت، لبنان.
  • نزول عيسى ابن مريم آخر الزمان. جلال الدين السيوطي، دراسة وتحقيق: محمد عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية للنشر والتوزيع، 1985م. بيروت، لبنان.