الجِبْت اسم ورد ذكره في القرآن الكريم، في قوله تعالى: «ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا». النساء، 51. وقد اختلف المؤرّخون واللغويون في معنى الكلمة، وفي معاجم اللغة، أنّ الجبت كلمة تُطلق على كلّ ما عُبِد من دون الله، وتطلق على الساحر، والصنم، والكاهِن. يرى الجوهري أنّ اللفظ دخيل من الحبشية. قال النووي في فتاويه، قال الجوهري: الجبت كلمة تقع على الصنم، والكاهن، والساحر، ونحو ذلك. وقيل الجبت والطاغوت اسمان لكلّ مُعظّم بعبادة من دون الله. جاء في تفسير القرطبي قوله: «روى قطن بن المخارق عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطرق والطيرة والعيافة من الجبت. الطرق الزجر، والعيافة الخط؛ خرّجه أبو داود في سننه». والظاهر من الحديث أنّ الجبت كلّ الأمور المتعلّقة بكشف الغيب، ومنها السحر والكهانة، وقد نهى الإسلام عنها جميعا، ويشفع لهذا التخريج أنّ الآية نفسها ربطت الإيمان بالجبت، والإيمان متعلّق بالغيب.
الجبت، هو ما جاء ذكره في العهد القديم باسم «بَعْل زَبُوب» أو «بعل زبول»، على اعتباره إلها له قدرة على التنبّؤ بالغيب، حيث جاء في سفر الملوك الثاني (2): «وسقط أَخَزْيا من الكوّة التي في علّيته التي في السامرة فمرض، وأرسل رُسُلا وقال لهم: اذهبوا اسألوا بعل زبوب إله عقرون، إن كنت أبرأ من هذا المرض». وفي المسيحية أصبح شيطانا أو هو اسم آخر لإبليس أو لرئيس الشياطين، له القدرة على أن يشفي المرضى، حيث كانت الأمراض العصبية كالجنون، والشلل، والفالج، والصرع، والهزال، تنسب إلى تلبّس الشياطين لجسم الإنسان. ففي إنجيل متّى، 12: «حينئذ أحضر إليه مجنون أعمى وأخرس فشفاه، حتى إن الأعمى والأخرس تكلم وأبصر، فهبّت الجموع وقالوا ألعل هذا هو ابن داود. أما الفريسيين فلما سمعوا قالوا هذا لا يخرج الشياطين إلا ببعلزبول. رئيس الشياطين». يعتقد الكثير من الباحثين أنّه هو بعل الذي عبده الصَّيْدن في عقرون. هناك الكثير من الصيغ الكتابية لهذه الكلمة في اللغة الفرنسية: Belzébuth, Baal-sébub, Baal-zébub, Baalzébuth, Béelzébub, Béelzébuth, Belzéboul, Belzébul, Belzébut. الصيغة الصحيحية هي Belzébut، والصيغ الأخرى توهّموها من بَعْل، فالحرف «b» في أوّل الكلمة مُلتّب، والحرف «z» منقلب من جيم، فصيغتها الأصلية هي b-el gébut، أي el-gébut، والمعنى: الجِبْت.
نزلت الآية الكريمة في اليهود، وقد رُوي عن الضحّاك، قوله، إنّ الجبت «حيي بن أخطب»، والطاغوت «كعب بن الأشرف». والظاهر أنّ الجبت هو ما كان يفعله اليهود من أمور تتعلّق بالكهانة، ومعرفة الغيب، واستعمال حساب الجمّل، ولعلّ جزءا من الجبت موجود فيما هو معروف اليوم بالقبّالا، وقد أخذه بعض أهل الأهواء من الشيعة عن اليهود، وسموّه بالجفر، وينسبه الشيعة على زعمهم إلى علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وقد كتبه على جلد جفْر وهو ولد الشاة إذا بلغ ستّة أشهر فسُمّي به، ثمّ توارثته ذريته من بعده، وبعضهم ينسبه إلى جعفر الصادق رضي الله عنه، والظاهر أنّ الجفر ما هو إلاّ الجبت، وقد نُسب إلى علي وذرّيته، كما نُسب السحر إلى سليمان عليه السلام، حيث ردّ القرآن على هذا الإفك، فقال تعالى: «وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا» البقرة، 102. الجفر علم إجمالي على طريقة علم الحرف بلوح القضاء والقدر المحتوي على ما كان وما يكون، يدّعي أصحابه أنّهم يعرفون به أحداث العالم قبل وقوعها، ويحتاج لمن يمارسه أن يعرف أسراره وأن يفكّ رموزه وألغازه. وتصف روايات الشيعة الجفر، بأنّه «جلد ثور مُلئ علما»، وبأنّه وعاء من اُدم فيه علم النبيين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل. ويقول الشيعة، إنّ لدى الأئمّة «الجفر الأبيض»، الذي يحتوي على زبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم.