معجم المصطلحات الكبير
رُوح
الإسلام

اختلف الناس في معنى الروح، فقال بعضهم: هي والنفس شيء واحد، وقال آخرون: إنّهما متغايران، وقال ابن قيّم الجوزية في كتابه الروح: إنّ النفس تطلق على أمور أحدها الروح، قال الجوهري: النفس الروح... وأمّا الروح فلا تطلق على البدن لا بانفراده ولا مع النفس، وتطلق الروح على القرآن الذي أوحاه الله تعالى إلى رسوله، قال تعالى: «وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا» الشورى 52. وعلى الوحي الذي يوحيه إلى أنبيائه ورسله، قال تعالى: «يُلقي الروحَ من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاقِ» غافر، 15. وسُمّي ذلك روحا لما يحصل به من الحياة النافعة، فإنّ الحياة بدونه لا تنفع صاحبها البتّة، بل حياة الحيوان البهم خير منها وأسلم عاقبة. ويضيف ابن القيّم أنّ الفرق بين النفس والروح فرق بالصفات لا فرق بالذات... يُقال فاضت نفسه، وخرجت نفسه، وفارقت نفسه، كما يقال: خرجت روحه وفارقت. وقال أيضا إنّ ما يؤيّد الله به أولياءه من الروح، فهي روح غير هذه الروح، أي غير النفس، كما قال تعالى: «أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروح منه» المجادلة، 22. وكذلك الروح التي أيّد بها روحه المسيح ابن مريم، كما قال تعالى: «إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيّدتك بروح القدس» المائدة، 110.

خلاصة قول ابن القيّم أنّ النفس هي الروح، وأنّها القرآن والوحي وعيسى ابن مريم، وما يؤيّد الله به المؤمنين. وقال القرطبي: والروح جسم لطيف (ج 5\3747) وقال في العقائد الإسلامية (224): وقد عرّفها من العلماء المسلمين: بأنّها ذات مجرّدة عن المادّة، وأنّها جسم نوراني علوي حيّ، ووجود الروح متّفق عليه في الأديان السماوية كلّها، وقال، قال أبو عبد الله بن مندة: ثمّ اختلفوا في معرفة الروح والنفس، فقال بعضهم: النفس طينية نارية، والروح نورية روحانية. وقال بعضهم: الروح لاهوتية (متعلّقة بالله) والنفس ناسوتية، وقال بعضهم: الأرواح نور من نور الله (الروح: 247). وقال ثابت بن قرّة: النفس متعلّقة بأجسام نورانية.

ورد لفظ روح في القرآن الكريم أربعا وعشرين مرّة في عدّة صيغ، أكثرها روح (14 مرّة)/ وأقلّها روحنا (3)، مضافة إلى ضمير المتكلّم الجمعي، مرّة بالنصب ومرّتين بالجرّ، أو مضافة إلى ضمير المتكلّم المفرد روحي (2) أو الغائب (1)، وأخير روح (1) بالنصب. ورد اللفظ مضافا إلى الضمير ستّ مرّات، المتكلّم الجمعي روحنا (3)، المتكلّم المفرد روحي (2)، الغائب المفرد روحه (1). وصف الروح بلفظ القدس أربع مرّات، مرّتين في سياق عيسى ابن مريم، ومرّة في سياق مريم، ومرّة في سياق الوحي. الروح مذكّر ومؤنّث في آن واحد.

الروح الذي ذُكِر في القرآن الكريم ليس له إلاّ معنى واحد، وهو جبريل عليه السلام، ولم يقع الروح في القرآن الكريم على النفس مطلقا. سمّي الروح روحا من الريح التي تخرج بالنفخ، والكلمة من ذوات الواو، ولهذا تُجمع على أرواح، ذلك أنّ أوّل ما اتصّل جبريل عليه السلام ببني آدم كان عن طريق نفخة جبريل في آدم عليه السلام، والنفخة هي ريح تخرج من الفم، منها أخذ آدم الاستعراف، أي العلم والمعرفة، فأخرجه بها من الحياة البهيمية وأعطاه المفاهيم القيمية والتي بها أصبح قادرا على أن يميّز بين الخطأ والصواب وبين الحرام والحلال، وبهذا الاكتساب الجديد، أصبح آدم مؤهّلا لتسجد له الملائكة ويستعمر الأرض. وهذا ما فعله جبريل أيضا حينما نفخ في مريم عليها السلام فتخلّق المسيح ابن مريم، ومن جبريل أخذ المسيح عليه السلام القدرة على النفخ في الطين الذي يصنعه على هيئة الطير فيكون طائرا بإذن الله، وبهذه النفخة نفسها أصبح قادرا على أن يُحيي الموتى بإذن الله ويبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، وجبريل عليه السلام هو الذي جاء بعرش ملكة سبأ، وذلك لما له من علم من الكتاب، «قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرْفُك» النمل (40)، وجبريل عليه السلام هو الطائف من الله الذي طاف على الجنّة فأصبحت كالصريم. هذا النفخ هو نفسه الذي يفعله الملك حينما يتخلّق الإنسان في بطن أمّه ليعطيه الاستعراف وهي القدرة على المعرفة أو كما يُسمّيها القرآن الكريم البيان، وليس النفس.

كلمة روح ممّا استرجعه القرآن الكريم من أديان الأمم السابقة، وجبريل كلمة عروبية قديمة معناها عبد الله من جبْر وإيل، واستعمال اللغة العربية لكلمة روح بمعنى النفس جاء من الدارجات العربية القديمة، وأدّى هذا الخلط بين المفهومين إلى سوء الفهم لبعض النصوص القرآنية، والقرآن الكريم لا يستعمل لهذا المعنى إلاّ كلمة نفس وكذلك الحديث النبوي، لأنّ لغة القرآن الاصطلاحية هي نفسها لغة الحديث الشريف، أمّا ما جاء من الأحاديث في النفس بمعنى الروح فناتج عن فهم الصحابة وخلطهم بين النفس والروح. في اللغات الغربية مثل الإغريقية واللاتينية الكنسية والفرنسية تدلّ كلمة روح على النبوّة والنبي p-ro(p)h-ète أي roh وهي أقرب إلى المعنى القرآني من معنى روح في الدارجات العربية، حيث اقترن اسم جبريل عليه السلام عند الغربيين بالوحي والنبوّة، وهذا الذي نجده في القرآن الكريم، وفي قوله تعالى: «ويسألونك عن الروح، قلّ الروحُ من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلا (85) ولئن شئنا لنذهبنّ بالذي أوحينا إليك ثمّ لا تجد لك به علينا وكيلا (86)» الأسراء، إنّما سأل أهلُ الكتاب عن جبريل عليه السلام الذي جاء للرسول بالوحي والنبوّة، فكان ردّ القرآن أنّ جبريل لا يتنزّل إلاّ من أمر الله، وليس من أمر الرسول، ونفهم أنّ المراد هو الرسالة والوحي من تمام الآية: «ولئن شئنا لنذهبنّ بالذي أوحينا إليك ثمّ لا تجد لك به علينا وكيلا (86)» الأسراء.

وكذلك قوله تعالى: «رفيع الدرجات ذو العرش يُلقي الروحَ من أمره على يشاء من عباده ليُنذر يوم التلاقِ». غافر 15. وكذلك قوله تعالى: «فاتّخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثّل لها بشرا سويّا». مريم 17، وكذلك: «قل نزّله روحُ القُدُس من ربّك بالحقّ ليُثبّت الذين آمنوا وهدى وبُشرى للمسلمين». النحل 102، وكذلك: «نزَل به الروح الأمين (193) على قلبك لتكون من المنذِرين (194)». الشعراء، وكذلك: «إذ قال الله ياعيسى ابن مريم اُذكرْ نعمتي عليك وعلى والدتك إذا أيّدتك بروح القدس» المائدة 110، وكذلك قوله تعالى: «تعرجُ الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة». المعارج 4. فالروح في هذه الآية هو جبريل عليه السلام. وكذلك في قوله تعالى: «يُنزِّل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنّه لا إله إلاّ أنا فأتّقون» النحل 2. أي أن الله يُنزّل الملائكة بنزول جبريل، وهو نفسه عليه السلام في قوله تعالى: «يوم يقوم الروح والملائكة صفّا لا يتكلّمون إلاّ من أذن له الرحمن وقال صوابا». النبأ 38، وكذلك: «فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين» الحجر 29. فالنفخ في آدم كان من جبريل عليه السلام، وكذلك النفخ في مريم عليها السلام كان من جبريل أيضا، قال تعالى: «والتي أحصنت فرْجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين» الأنبياء 91.

أمّا الآية التي يقول الله جلّ وعزّ فيها: «يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلاّ الحقّ إنّما المسيح عيسى ابن مريم رسولُ الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورُسُله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم». النساء 171، فقد فُهمت على أنّ عيسى عليه السلام روح من الله أو روح الله، والأمر خلاف ذلك فمعناها أنّ عيسى ابن مريم رسولُ الله وكلمته وروحه اللذان ألقاهما إلى مريم، أي إنّما المسيح عيسى ابن مريم رسولُ الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ألقاه أيضا إلى مريم، بمعنى آخر أنّ عيسى عليه السلام هو بشارة الله التي حملتها الملائكة إلى مريم، ونفخة جبريل في مريم عليهما السلام. فكما يُلقي الله تعالى كلمتَه أي وعدَه بالبشرى إلى من يشاء من عباده كذلك يُلقي جبريلَ على من يشاء من عباده، قال تعالى: «رفيع الدرجات ذو العرش يُلقي الروحَ من أمره على يشاء من عباده ليُنذر يوم التلاقِ». غافر 15، وقوله تعالى: وروح منه، أي من أمره جلّ وعزّ. وكذلك قوله تعالى: «وسخّر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون». الجاثية 13، أي سخّر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا من أمره.

اقترن جبريل بالكتاب لدرجة أنّ أخذ كلّ واحد منهما صفة الآخر بل وأصبح سميّه، حيث أخذ الكتاب مفهوم الإلقاء الذي هو خصيصة جبريل، وأخذ جبريل مفهوم الوحي الذي هو خصيصة الكتاب وذلك في قوله تعالى: «وما كنت ترجو أن يُلقى إليك الكتابُ إلاّ رحمةً من ربّك فلا تكوننّ ظهيرا للكافرين». القصص 86، لأنّ الكتاب الذي يوحى به في الأصل، قد ألقي مع جبريل، كما أنّ جبريل الذي يُلقى به في الأصل، قد أوحي به مع الكتاب، قال تعالى: «وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كُنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنّك لتهدي إلى صراط مستقيم» الشورى 25. ففي الآية الأولى قد تمّ تعويض كلمة روح بكتاب، وفي الآية الثانية عوّضت كلمة كتاب بروح، ولذلك قرن تعالى بين جبريل والعلم القليل الذي أوتيه أهل الكتاب وما بقي في كتبهم، وبين جبريل وذهاب الوحي عن الرسول عليه الصلاة والسلام قال تعالى: «ويسألونك عن الروح، قلّ الروحُ من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلا (85) ولئن شئنا لنذهبنّ بالذي أوحينا إليك ثمّ لا تجد لك به علينا وكيلا (86)» الأسراء. ونجد مثل ذلك في قوله تعالى: «هو الذي يُريكم آياته ويُنزّل لكم من السماء رِزْقا، وما يتذكّر إلاّ من يُنيب» غافر، 13. حيث جعل الماء الذي ينزل من السماء رزقا، لأنّه السبب الأوّل في نمو الثمار واهتزاز الأرض بالعشب.

تعليق

 الروح في القرآن الكريم هو جبريل عليه السلام لا غير، إلاّ أنّ لكلمة روح استعمالات مجازية أخرى، منها: روح العصر (zeitgeist) أي المناخ الفكري المميز لثقافة حقبة معيّنة من الزمن، والمؤثّر عليها. وكذلك، روح العمل، وروح المنافسة، أي ما يُقابل المادّة في الأشياء، أي بعدها الروحي، كذلك، روح الكلام، أي جوهره. حينما يراد بالمعنى جبريل عليه السلام، تذكّر كلمة روح، وتؤنّث في كلّ الاستعمالات المجازية الأخرى.

مراجع

  • الروح. محمد بن القيّم الجوزية. دار الارقم بن ابي الارقم 2016م. بيروت. لبنان.
  • الروح والجسد في القرآن الكريم. الربيز: حسن حنفي. عالم الفكر، العدد 4، المجلّد 37 أبريل 2009م.
  • الذين ركبوا في السفينة، مقدّمة في الاستفان، الفرنسية والكَلَزِية مثالا. الربيز: خضير شعبان. ديوان اللغة العربية، الطبعة الأولى: 1437. باتنة، الجزائر.