البَداء على الله أصل من أصول اعتقاد الشيعة الإمامية، ويُعرّف بأنّه: تغيّر إرادة الله وتبدّل عزمه تبعا لتغيّر الحال، كتغيّر مصلحة العباد أو لغضبه جلّ وعزّ أو رضاه أو غير ذلك، ويقولون: إنّ الله تعالى يريد الشيء ويعزم عليه، ثمّ يبدو له فلا يفعله، وقالوا يجوز البداء على الله سبحانه وتعالى لجواز النسخ منه. ويذكر الإمامي المعاصر جعفر سبحاني أنّ من العقائد الثابتة عند الشيعة الإمامية القول بالبداء، ومن الكلمات الدارجة بين علمائهم أنّ النسخ والبداء صنوان، غير أنّ الأوّل في التشريع، والثاني في التكوين، وقد اشتهرت بالقول به كاشتهارها بالقول بالتقية وجواز متعة النساء. استدلّ الشيعة على البداء بقوله تعالى: «يمحو الله ما يشاء ويثبّت وعنده أم الكتاب» (الرعد، 39)، وكان أوّل من استدلّ بهذه الآية المختار بن أبي عبيد الثقفي، وتابعه شيوخ الشيعة، ووضعوا روايات في ذلك بهتوا بها عليا وذريّته في تجويزه، حيث نقلوا عن علي رضي الله عنه، أنّه قال: «لولا البداء لحدّثتكم بما هو كائن إلى يوم القيامة»، وعن جعفر الصادق رضي الله عنه، أنّه قال: «البداء ديننا ودين آبائنا في الجاهلية»، ونقلوا عنه أيضا: «ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل»، أي في أمره بذبحه. وروى الطوسي في كتاب الغيبة في رواية مسندة إلى علي رضي الله عنه قوله: بعد السبعين رخاء، فقال الإمام جعفر: إنّ الله غيّرها بعد غضبه على أهل الأرض بسبب قتل الحسين. واتّخذوا هذه الأحاديث المختلقة المكذوبة عن علي وذرّيته مستندا لترسيخ هذه العقيدة الفاسدة.
أقدم من قال بالبداء المختار بن أبي عبيد الثقفي الذي كان يدعو لمحمّد بن الحنفية، وقال الشهرستاني: «إنّما صار المختار إلى البداء، لأنّه كان يدّعي علم ما يحدث من الأحوال إمّا بوحي يوحى إليه، وإمّا برسالة من قبل الإمام، فكان إذا وعد أصحابه بكون شيء وحدوث حادثة فإن وافق كونُه قولَه جعله دليلا على صدق دعواه، وإن لم يوافق قال قد بدا لربكم، وكان لا يفرّق بين النسخ والبداء، فإذا جاز النسخ في الأحكام جاز البداء في الأخبار». وقد اعتنق كثير من الشيعة مذهب البداء وطبّقوه في كثير من المسائل، وقال أحد أئمتهم: «لا يعبد الله بأحسن من القول بالبداء»، لأنّه يفتح باب التوبة في طلب العفو من الله، وكان اليهود أقوى المعارضين في البداء. وعندما توفي إسماعيل بن جعفر الصادق في حياة والده، بعد أن كان قد تقرّر من قبل أنّه الوصي بالإمامة خلفا لأبيه، اُستعمل مفهوم البداء للخروج من هذا المأزق التوقّعي الكاذب، أي: ظهر لله في إسماعيل غير ما كان مقرّرا في علم الله السابق، إلاّ أنّ الخطّابية رفضت تصديق جعفر الصادق بموت ولده، وأصرّوا على عدم وفاة إسماعيل، وبأنّ والده قام بتهريبه إلى خارج المدينة خوفا عليه، على الرغم من دفن جعفر الصادق إسماعيل أمام الملأ ودعا المشيّعين إلى النظر إلى وجهه للتأكّد من وفاته.
يأتي رفض الخطّابية لذلك مع رفض إمامة موسى بن جعفر الذي عيّن خلفا لأخيه المتوفّى إسماعيل لوجود القاعدة الأساسية عندهم في الإمامة التي تنصّ على أنّها تكون في الولد الأكبر للإمام، فالإمامة عندما تكون إلهية لا تخضع للانتخاب المباشر، ولا يتغيّر مسارها بموت الإمام الشرعي، حيث تنتقل حسب الناموس الإلهي من الأب إلى الابن، شأنها شأن العلّة والمعلول، فإذا مات الوريث الشرعي الذي هو إسماعيل فلا يحقّ لأبيه الصادق أن يعيّن موسى ابنه الأصغر، بل تنتقل الإمامة إلى الابن الأكبر من ظهر إسماعيل، وبما أنّ الشيعة الإمامية تبنّت فكرة الإمامة الإلهية بالصورة نفسها قالت بفكرة البداء لكي تخرج من هذا المأزق، وتلقي مسؤولية تغيّر مسار الإمامة على الله وليس على الإمام.
حاول اللاحقون من علماء الشيعة الاثني عشرية إعادة تعريف البداء بتكلّف ظاهر فرارا من تبعاته الكفرية، أو نفيه عن الطائفة جملة وتفصيلا. من ذلك تأويل بعضهم مفهوم البداء بما يقرب من معنى النسخ عند فقهاء المسلمين، وأن أمر البداء يفهم بما يقرب من تأخير الله في أجل الإنسان ومدّ عمره، ومن هؤلاء الطوسي، واحتجّ هذا الفريق بأنّ الروايات التي جاءت بالمعنى الذي لا يجوز على الله تعالى أخبار آحاد لا تفيد علما ولا عملا، ومن هذا الرأي الطبرسي في تفسيره، والمرتضى في كتابه الانتصار حيث نفى القول عن الله بالبداء. ومن تأويلات الشيعة الإمامية المتأخّرين القول بأنّ معنى البداء هو حدوث الاختيار لله تعالى، فله أن يختار بين الإيجاد والعدم، وبعد الإيجاد له أن يختار بين الإبقاء والعدم أيضا. يأتي المعنى الأصلي لمصطلح البداء كما اُستعمل تاريخيا أوّل مرّة على لسان رجل معاصر، وهو المتكلّم الزيدي سليمان بن جرير، زعيم الفرقة الزيدية السليمانية، حين قال: إنّ الرافضة قد وضعوا مقالتين لشيعتهم لا يظهر أحد قطّ عليهم، أحدهما: القول بالبداء، فإذا أظهروا قولا أنّه سيكون لهم قوّة وشوكة وظهور، ثمّ لا يكون الأمر على ما أخبروا، قالوا: بدا لله تعالى ذلك. والثانية: التقية. وكلّ ما أرادوا تكلّموا فيه، فإذا قيل لهم: ذلك ليس بحقّ وظهر لهم البطلان، قالوا: إنّما قلناه تقية، وفعلناه تقية. وهذا القول ضابط محدِّد من رجل خبر جدل منتحلي هذا المصطلح ومخترعيه وله الأسبقية التاريخية في الاعتبار.
يُعدّ محمّد بن النعمان، الملقّب بالمفيد (ت 413) أحد أبرز ممثلي الشيعة الإمامية في نهاية القرن الرابع وبداية القرن الخامس، وهو المجمع على وثاقته بين الأخبارية والأصولية، حيث يقرّر ما أجمعت عليه طائفته إلى زمنه بقوله:
(1) اتّفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا، قبل يوم القيامة، وإن كان بينهم في ذلك من جهة السمع اختلاف؛ (2) واتّفقوا على إطلاق البداء في وصف الله تعالى، وأنّ ذلك من جهة السمع دون القياس؛ (3) واتّفقوا على أنّ أئمة الضلال (يعني بهم الخلفاء الراشدين الثلاثة، أبا بكر وعمر وعثمان) خالفوا في كثير من تأليف القرآن (أي حرّفوه) وعدّلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي عليه الصلاة والسلام. وأجمعت المعتزلة، والخوارج، والزيدية، والمرجئة، وأصحاب الحديث على خلاف الإمامية في جميع ما عددناه. (المفيد، أوائل المقالات، ص146، ضمن مجموعة: بحار الأنوار، للمجلسي).