أوّل من استعمل مصطلح التنشئة الثقافية عالمة الاجتماع الأمريكية «مارغريت ميد» Margaret Mead لتعريف: عملية اجتماعية تقوم على التعليم والتدريب، يكتسب الفرد بمقتضاها ثقافة مجتمعه، كالعقائد، والعادات، والأخلاق، وصفات الثقافة التي يولد فيها، وكلّ ما يجعله شخصا قابلا لأنّ يُشارك مجتمعه في الحياة الثقافية، وتتمّ هذه العملية بشكل شعوري حينا، أو بشكل غير شعوري في أحيان أخرى. يُعرّفها «شارل وينيك» Charles Winick بأنّها: العملية التي يتكيّف بمقتضاها الكائن البشري مع ثقافته، ويتعلّم من خلالها كيف يضطلع بوظائف مكانته ودوره. أمّا «ميلفيل هيرسكوفيتس» Melville Herskovits فيراها عملية واعية أو غير واعية تتمّ ممارستها داخل الحدود التي يفرضها نظام معيّن من نظم العادات، وتُعدّ التربية في رأيه جزءا مهمّا من التنشئة الثقافية حيث يعرّفها بأنّها ذلك الجزء من خبرة التنشئة الثقافية الذي يؤهّل الفرد ليحتلّ مكانه كعضو ناضج في مجتمعه، وذلك من خلال عملية التعلّم.

وقد استعمل سنة 1948م مصطلح التنشئة الثقافية عالم الاجتماع الأمريكي «هيرسكوفيتس» في كتابه: الإنسان وأعماله، إلاّ انّه لم يوفّق فيه أوّل مرّة، وذلك لاشتراك معناه مع معنى التنشئة الاجتماعية، وحسب «هيرسكوفيتس» يكمن الاختلاف بينهما في أنّ التنشئة الثقافية تجعل الإنسان عن طريق التعليم والمران حاملا للثقافة التي يعيشها ويصبح خبيرا بها، أمّا التنشئة الاجتماعية، فقد استعملت أوّلا في مجال علم النفس الاجتماعي، ثمّ في مجال علم الاجتماع، وتشير إلى العمليات النفسية والاجتماعية التي تكتنف عملية التنشئة الاجتماعية، وهي تشير على الخصوص إلى الأطفال وتمرينهم على السلوك السائد في المجتمع، أمّا التنشئة الثقافية فتشمل الجميع الأطفال والكبار، خلال التمرّن على الأنماط الثقافية، وتعلّمها، والتمرّس عليها، فهي عملية حركوتية (ديناميكية) مستمرّة، تبدأ من ولادة الطفل وتستمر معه في طول حياته إلى أن يودع في الثرى، ففي كلّ مرحلة يكتسب المزيد من الرأسمال الثقافي. ويمكن القول إنّ التنشئة الاجتماعية والتنشئة الثقافية مصطلحان مترادفان كثيرا، ومصطلح التنشئة الاجتماعية هو الأكثر انتشارا، ولا يكاد يُذكر مصطلح التنشئة الثقافية في الفرنسية إلاّ ترجمة لمقابله الكَلَزي.