الرَّسِيسة، هي لغة بسيطة في معجمها وأبنيتها وميسّرة في قواعدها، تنشأ في مجتمع متعدّد اللغات والأعراق بسبب افتقاره إلى لغة مشتركة عاملة، لتلبية مطالب اتّصالية ملحّة ومحدودة بين أفراده كالتجارة، لذلك فهي مقيّدة باستعمال معيّن، تستند على لغة مصدرية قائمة للتفاهم، ولا توصف بأنّها لغة أصلية لأي مجموعة عرقية معيّنة، تُكتسب هذه اللغة من خلال معايشة مستعمليها ولا تعلّم تعليما نظاميا. قد تتوغّل الرسيسة تدريجيا في المجال المحلّي إذا ما اُستعملت لوظائف اتصال إضافية بشكل مطّرد ودائم، فتكتسب حينئذ خصيصة اللغة الأولى، والجيل التالي من المتحدّثين بها، والذين قد تكون لغتهم الوحيدة سيطوّرونها إلى لغة مكتملة النمو وغير مقيّدة باستعمال معيّن، ويقتربون بخصائصها إلى اللغة المصدرية وهي اللغة المحكية في البلد الذي تسود فيه. اللغات التي ثبتت لها هذه العملية في التاريخ يُطلق عليها اللغات المَعاتية أو المَعَوات اختصارا، والعملية نفسها تُسمّى باسم التمعّي.
ليس بالضرورة دائما أن تتحوّل رسيسة إلى معاة، فقد تنقرض كما حدث للكلزية الصينية الرسيسية فقد زال استعمالها باستثناء بعض الجيوب المعزولة في هونغ كونغ، أو إذا ما كانت لغة رسيسية مرتبطة وظيفيا بالتفاعل اللغوي المختلط في المجال التجاري، فإنّها يمكن أن تبقى مستعملة على هذا النحو لأجيال عديدة من المتحدّثين، كما هو الحال في الكاميرون والمناطق المجاورة من الشاطئ الغربي لإفريقيا، حيث استعملت هناك لغة تجارية على أساس اللغة الكلزية منذ وقت مبكّر في القرن الثامن عشر. والكاميرون، بلد ثنائي اللغة، بنسبة تصل إلى 90% من كلّ الأطفال تتعلّم بالفرنسية والكلزية، ومع ذلك فإنّ اللغة الرسيسية ما زالت تقوم بوظيفة مفيدة في التعامل لا سيّما بين الطبقات الاجتماعية.
حدّد فلوريان كولماس المراحل المتتالية على ستلة التغيّرات بالنسبة للغات التي ظهرت في الأقاليم التي سيطر عليها الأوروبيون، خلال فترة الاستعمار وتوسّعهم التجاري، والتي لا تعتبر حالات تطوّر متتابعة تحلّ إحداها محلّ الأخرى، بل هي أعراف متصاحبة في الاستعمال اللغوي تكشف عن توزيع إقليمي:
- 1- بداية الاتصال بين لغة أوروبية وأخرى محلّية؛
- 2- لغة خاصّة jargon غير مستقرّة؛
- 3- رسيسة مستقرّة محدودة؛
- 4- رسيسة مستقرّة متوسّعة؛
- 5- لغة متمعّية؛
- 6- لغة ما بعد المتمعّية.
ويميّز واردوغ Wardhaugh, 2006 بين ثلاثة أنواع من الرسائس، يمكن اعتبارها مراحل تمرّ بها الرسيسة في طريقها إلى التمعّي، ضاربا أمثلة من اللغة الكلزية، وهذا التقسيم وإن كان يرسم خصائص كلّ مرحلة من مراحل التحوّل، إلّا أنّ الحدود الفاصلة بين كلّ مرحلة يصعب ضبطها بدقّة:
- - الرسيسة الدنيا bassilect، وتكون بعيدة عن اللغة المصدرية، والمتحدّثون بها لا يمتلكون أي مكانة اجتماعية متميّزة؛
- - الرسيسة الوسطى mesolect، وتقع وسطا بين المعاة واللغة المصدرية؛
- - الرسيسة العاليا acrolect، تكون قريبة من اللغة المصدر بحيث لا يبدو هناك فروق كبيرة بينهما، ويتميّز متحدّثوها بمكانة اجتماعية جيّدة، وهي رسيسة قياسية في حالة مقارنتها بغيرها من الرسائس الأخرى.
حين اتّصل الأوروبيون بالشعوب الأخرى كان ذلك في ظلّ تفوّق اقتصادي وعسكري فعلي، وامتلاك ما كانوا مقتنعين بأنّه عقيدة صحيحة وثقافة متفوّقة، وبسبب هذه العلاقة غير المتكافئة بين السكّان المحلّيين والأوروبيين الدخلاء، فقد تحمّل السكّان المحلّيون عبء التغلّب على المأزق الاتصالي، فالجهود المبذولة من جانبهم لتعلّم اللغات الأوروبية هي التي جعلتهم يأخذون الجزء الأكبر من مفردات أنواع الاتصال الناشئة حديثا، ولمّا كان البالغون هم الذين عليهم أن ينجزوا هذه المهمّة وليس الأطفال، فإنّ الكلمات المكتسبة لم تكن تستعمل تبعا للقواعد النحوية للغات الأوروبية أو في معانيها الصحيحة دائما، وذلك بسبب غياب تعليم نظامي، ومقدرة محدودة جدّا على التقليد، وفي ظلّ هذا الظرف التعليمي الخاصّ لم يكن في إمكانهم إلاّ الاعتماد على الأنظمة النحوية والصرفية التي تضمّنتها لغاتهم الأصلية، والتي يمكن اعتبارها الطبقة اللغوية السفلى substrate للصور الأخيرة للغة الاتّصال. الصورة العامّة للرسائس والمعوات الناشئة في ظروف من هذا النوع تكشف إلى حدّ كبير عن وجود طبقة لغوية أو معجمية عليا superstrate أوروبية الأصل، وطبقة نحوية تحتية محلّية، عدّلت واختلفت على نطاق واسع في طريقها للتمعّي. وهذه الصورة هي انعكاس لوضع شركاء الاتصال الأضعف اقتصاديا في محاولاتهم للتكيّف مع الجماعة الأقوى اقتصاديا.
بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية يمكن تحديد تاريخ اللغات الرسيسية والمعاتية، حيث ظهرت كثير من هذه اللغات في أعقاب التوسّع التجاري الأوروبي، لذلك يمكن أن يؤرّخ لنشأتها بشكل دقيق نوعا ما، فقد ظهرت المَعاة الهواوية الكلزية hawaiian creole english بعد عام 1880م، كما لم تكن هناك لغة كلزية صينية رسيسية قبل أن يقام أوّل مركز تجاري متقدّم في غوانغتشو Guangzhou في سنة 1664م، فليست هناك لغة ذات تراث ثقافي كبير وممتدّ يمكن تحديد نشأتها بالثقة نفسها التي تحدّد بها الرَّسائس والمَعَوات. توجد اللغات الرسيسية في الساحل الغربي لإفريقيا والمناطق الساحلية من الهند والصين ومضايق ملقة والمحيط الهادئ والحافة الشمالية الشرقية لأمريكا الجنوبية، وهي مناطق أقام التجّار الأوروبيون صلات تجارية مع شعوبها أو قاموا باحتلالها كما في جزر الكاريبي، لذلك يطلق على الرسائس والمعوات لغات تجارية، لأنّ التجارة هي العامل الأوّل في إبرازها إلى الوجود، وقد حدث الترسّس pidginization والتمعّي creolization بلغات أخرى غير أوروبية كالصينية والعربية والهندية، وتعتبر هندية البازار، الصيغة المختصرة من الهندية التي نشأت في أسواق شمال الهند.
ظهرت في بعض الأحيان لغات تجارية في أوروبا وعلى أطرافها مثل: الروسُنُرسكية russonorsk، وهي لغة خاصّة بالمستمكين النرويجيين والروس. قد يتولّد أحيانا في مَحاط العمل نوع من اللغات الهجينة hybrid، تكون مصطلحاتها الصِّنْعِية من لغة، بينما إطار الجملة فيها من لغة أخرى، مثل ما حدث للغة الرومانية التي أخذت بالمنظومة الاصطلاحية الألمانية. بشكل عام فإنّ اللغات الرسيسية والمعوات ظهرت للوجود من المجابهة بين الأوروبيين وشعوب القارّات الأخرى، ظهرت الكلزية الرسيسية على الساحل الصيني، والكريو krio في غرب إفريقيا، والمعاة الكريولية الفرنسية في هايتي وفي جزر الأنتيل الصغرى، والبابيامنتو من البرتغالية والإسبانية في أروبا Aruba وبونير Bonaire، وكوراساو، والهندية البرتغالية في سيريلنكا، وتوكبِسِن tok pisin الكلزية في بابوا غينيا الجديدة، وتنوّعات متّصلة ذات أساس إسباني في الفلبين، والهولندية الزنجية negro dutch المنقرضة في الجزر العذراء.