معجم المصطلحات الكبير
مَرْكَزية أُوروبية
الثقافة والإناسة

تشير عبارة «المركزية الأوروبية» إلى كلّ المعتقدات التي تسلّم بفكرة تفوّق الأوروبيين على سائر الشعوب الأخرى غير الأوروبية، وأنّ معظم الأحداث التاريخية المهمّة أو تلك التي غيّرت مجرى التاريخ، حدثت في أوروبا أو بسبب قوّة دافعة من أوروبا. وهي تقوم على مسلّمتين، الأولى: معظم المجتمعات الإنسانية ليس لها القدرة على الاختراع؛ الثانية: مجتمعات إنسانية قليلة أو أماكن أو ثقافات هي التي لديها القدرة على الاختراع، ولذلك تبقى هي المركز الدائم للتغيّر الثقافي والتقدّم، وهذا المركز هو بالتقريب أوروبا الكبرى. وتتعرّض هذه الفكرة إلى تيّار قوي نقدي في كلّ مجالات الفكر الاجتماعي، حيث ينظر إلى المركزية الأوروبية في معظم الخطابات على أنّها نوع من التحيّز، لذلك فهي سلوك يمكن استبعاده من الفكر الحديث المستنير بالطريقة نفسها التي تُستبعد بها العنصرية، والتعصّب الديني، الخ. لكن الجانب المهم من المركزية الأوروبية ليس السلوك الذي يأخذ شكل القيم والانحيازات، بل هو مجموعة من المعتقدات بمنزلة قضايا تدور حول الحقيقة العلمية، وهي مقبولة لدى مجموعة كبيرة من الأوروبيين المتعلّمين على اعتبارها افتراضات تدعّمها الوقائع، وأنّ التفكير التاريخي ما يزال يركّز على أوروبا الكبرى باعتبارها المنبع الثابت للتاريخ، على سبيل المثال:

  • 1- ثورة العصر الحجري الجديد، أي عصر اختراع الزراعة وبداية الحياة المستقرّة للإنسانية، حدثت في الشرق الأوسط (أو أرض الإنجيل)؛
  • 2- إنّ الخطوة المهمّة الثانية في التطوّر الثقافي تجاه الحضارة الحديثة، هي ظهور الدول القديمة والمدن والديانات المنظّمة ونظم الكتابة وتقسيم العمل، وما شابه ذلك، كلّه حدث في الشرق الأوسط؛
  • 3- بدأ عصر الفلزّات في الشرق الأوسط، واستعملت أعمال الحديد في الشرق الأوسط أو شرق أوروبا، وظهر عصر الحديد أولا في أوروبا؛
  • 4- ظهرت الوحدانية أولا في الشرق الأوسط؛
  • 5- اخترعت الديمقراطية في أوروبا (في اليونان القديمة)؛
  • 6- وكذا العلوم البحتة، الحساب، والفلسفة، والتاريخ، والإراضة؛
  • 7- ظهر المجتمع الطبقي وكفاح الطبقات أوّلا في الحقبة والأقاليم اليونانية- الرومانية؛
  • 8- كانت الدولة الرومانية أوّل دولة إمبراطورية عظمى، اخترع الرومان البيروقراطية، والقانون؛
  • 9- حدثت الخطوة التالية الكبرى في التطور الاجتماعي، وهي الإقطاع، في أوروبا تحت لواء الفرنسيين؛
  • 10- اخترع الأوروبيون مجموعة من الخصائص الصنعيائية في العصور الوسطى، الأمر الذي منحهم التفوّق على غيرهم من غير الأوروبيين؛
  • 11- اخترع الأوروبيون الدولة الحديثة؛
  • 12- اخترع الأوروبيون الرأسمالية؛
  • 13- تفرّد الأوروبيون بصفة المغامرة، نجد منهم المكتشفين والمستكشفين العظماء؛
  • 14- اخترع الأوروبيون الصناعة وصنعوا الثورة الصناعية.

على هذا النحو يمكن الإشارة إلى العناصر المكوّنة لهذه المركزية، وهي:

  • 1- يبدأ تطوّر العالم من تاريخ تطوّر أوروبا، فالحضارة ما تزال تتقدّم من أثينا إلى روما، ثمّ إلى باريس وإلى لندن، وربّما تتوجّه إلى نيويورك، ولا يسهم غير الأوروبيين كثيرا في تاريخ العالم على الرغم من أنّهم بدأوا في هذا الأمر نتيجة للتأثير الأوروبي، حيث تتعلّم الشعوب المستعمرة من معلّميها، واليابان تقلّد بنجاح، ومازال الأوروبيون هم الأذكى؛
  • 2- إنّ التنظيم الاقتصادي ومستوى الحياة في الغرب هما المعيار الذي على أساسه تقاس التنمية والتخلّف، والتنمية مساوية للتغريب، فالإنسان بوصفه حيوانا اقتصاديا يُعتبر أوروبي الأصل، وترسّم خطى نجاحه من دون تبنّي بعض خصائصه المميزّة قد ثبت أنّه أمر صعب، ما لم يكن مستحيلا؛
  • 3- نفي لكلّ المساهمات التي قدّمتها الحضارات الأخرى، لا سيّما الحضارة الإسلامية، التي سطت عليها أوروبا ونسبتها إلى نفسها، وفي أحسن الأحوال تتعامل معها كماضٍ بائد، لم يدرك الحضارة التي جاء بها الرجل الأوروبي.

المركزية الأوروبية الجديدة

بعد النقد الصارم للمركزية الأوروبية القديمة، ونقد خطاب الاستشراق، تفاعل الكثير من العلماء في الغرب إيجابيا مع هذا النقد، وتوافرت الرغبة الجدّية لدى الكثير من الباحثين والمؤرّخين الغربيين، أمثال: هف، وهوبسن، وآرون بالا، وجي. إم. بلاوت، وجاك غودي، وبيتر غران، وبيير روسي الفرنسي، لتجاوز إشكالاته، فظهر تحوّل ملحوظ في المواقف الفكرية الغربية في العقود الأخيرة من القرن العشرين، وبداية القرن الواحد والعشرين الميلاديين، ما أدّى إلى تداعي قواعد المركزية الأوروبية القديمة، وقد انعكس على شكل تطور قواعد وأطر نظرية جديدة حدّدت العلاقة الفكرية والثقافية بين الغرب والشرق، وظهور مناهج جديدة متّحدة في رغبتها لتجاوز هذه المركزية القديمة. يقول سامر عكاش في هذا الشأن: «يمكننا تعريف مفهوم المركزية الأوروبية الجديدة، بأنّه إطار نظري جديد يرمي إلى إعادة التمركز الأوروبي في كتابة تاريخ العالم بشكل عام، وتاريخ العلوم بشكل خاص، يرتكز إلى ثلاث نقاط أساسية، أوّلا: إسقاط مبادئ الاستقلالية الأوروبية وتميّزها الحضاري المتأصل والشامل؛ ثانيا: التخلي عن فكرة العبقرية الغربية التي تميّز الغرب المبدع والقائد عن الشرق المقلّد التابع؛ ثالثا: اعتماد مبدأ التأقلم الخلاّق للثقافة الحاضنة في عملية التطوّر العلمي، وبواسطة هذه المبادئ، احتوت المركزية الأوروبية الجديدة الانتقادات التقليدية الموجّهة إليها، وأعطت الحضارات الأخرى مركزيتها المشروعة، وحصرت مركزيتها في فكرة صعود الغرب وظهور العلوم الحديثة».

هناك دراسات نقضت مبدأ الاستقلالية الأوروبية عن الشرق وهدّمت فكرة الحراك الداخلي في تطوّر العلوم، عن طريق التركيز على الحوار الثقافي والتبادل المعرفي بين الحضارات في تطوّر المجتمعات الإنسانية في الشرق والغرب، كما في مثل كتابات أرون بالا Arun Bala، وجاك غودي Jack Goody. دراسات أخرى أخذت موقفا مناوئا ضد المركزية الأوروبية، ونظرت إلى الغرب باعتباره صناعة شرقية كما في كتابات جوهن هوبسن John Hobson. وهناك دراسات لم تتخلّ عن المركزية الأوروبية، إلاّ أنّها ركّزت على فكرة جديدة وهي البيئة الفكرية المختلفة والقانونية الحاضنة، التي مكّنت الأوروبيين من احتواء المعارف والابداعات المختلفة من مصادرها الخارجية لا سيّما العربية، ومن دفعها إلى الأمام، وتطويرها إلى درجة علمية أعلى ممّا كانت عليه، فجوهر التطوّر العلمي عندها لم يستند إلى المركزية الأوروبية القديمة التي تركّز على الدور الإبداعي الغربي أو الانفراد الأوروبي بصناعة النهضة العلمية أي العبقرية المبدعة inventive genius المتأصّلة في العقلية الأوروبية، بل جوهر التطوّر يقوم على فكرة التأقلم الخلاّق creative adaptability للثقافة الحاضنة للعلم بشكل عام، وقد شكّلت كتابات توبي هفّ Toby Huff هذا الصنف من الأبحاث.

مصطلح قريب

لغة كلزية

eurocentrism
eurocentricity
western-centrism
لغة فرنسية

eurocentrisme
européocentrisme
مراجع

  • نموذج المستعمر للعالم، الانتشار الجغرافي وتاريخ المركزية الأوروبية. جي. إم. بلاوت. ترجمة: هبة الشايب. المركز القومي للترجمة، 2010م. القاهرة، مصر.
  • العلوم العربية والمركزية الأوروبية الجديدة، إشكاليات التأريخ العربي للعلوم في الحضارة الإسلامية. سامر عكاش. الفصل التاسع عشر من كتاب: التاريخ العربي وتاريخ العرب، كيف كُتب، وكيف يُكتب؟ الإجابات الممكنة. مجموعة مؤلفين. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأولى، 2017م. الظعائن قطر.