معجم المصطلحات الكبير
نظرية الانتشار
الثقافة والإناسة

إنّ التغيّرات الثقافية التي تحدث في المجتمعات تكون نتيجة اختراع حدث في هذا المجتمع، أو فكرة مع تأثيراتها المادية كالآلات والأساليب الفنّية، إلخ، نشأت أوّل مرّة في مجتمع آخر، ثمّ تبنّاها هذا المجتمع، يُسمّى النوع الأوّل من الأحداث «بالاختراع المستقلّ»، ويدعى النوع الثاني «بالانتشار»، ويحدث كلا النوعين من العمليات في كلّ مكان. يرى بعض الباحثين أن الاختراع المستقلّ غير شائع، ولذا فهو غير مهمّ في التغيّر الثقافي على المدى القصير والتطوّر الثقافي على المدى الطويل. يعتقد هؤلاء الباحثون أنّ الناس في معظمهم مقلّدون، والمخترعون قليلون جدّا، ولهذا يعتبر الانتشار في نظرهم المِيفاق (الميكانيزم) الأساسي للتغيّر الثقافي. ينظر الانتشاريون إلى كلّ ابتكار ثقافي في إقليم معيّن على أنّه عملية انتشار قادمة من مكان آخر، مكان تكون فيه الصفة الجديدة هنا محلّ استعمال هناك، فالسلاح المعروف بالمِشْرز النفخي blow-gun الذي استعمله بعض تانِئة أمريكا (السكّان الأصليين لأمريكا) يعتبر عندهم نتيجة عملية انتشار من العالم القديم إلى العالم الجديد، وذلك لاعتقادهم أنّ التانئة في أمريكا لم تخترعه لافتقادهم صفة الابتكار المطلوبة لمثل هذا العمل. من أكبر ادّعاءات الانتشاريين أنّ الحضارات في أمريكا قبل الهجمة الأوروبية هي نتيجة انتشار تمّ عبر المحيط الهادي أو المحيط الأطلسي، لأنّ هذه الصفات الحضارية كالزراعة، وعمارة المعابد، والكتابة، إلخ، وجدت قبل هذا في العالم القديم، ويعتقد بعض المتطرّفين من الانتشاريين أنّ الحضارة انتشرت من مكان واحد، يظنّ بعضهم أنّ هذا المكان هو مصر القديمة، ويقول بعضهم إنّها آسيا الوسطى، مثل إقليم القوقاز لاعتقادهم أنّ القوقاز موطن الجنس الأبيض أو القوقازي.

اتّجه معارضو نظرية الانتشار الذين يطلق عليهم عادة اسم «التطوريون» أو أصحاب نظرية الاختراع المستقل لتوجيه تهمتين رئيستين ضد الانتشاريين: (1) يحمل الانتشاريون وجهة نظر سلبية نحو الإبداع الإنساني، فالناس في حقيقتهم مبدعون وخلاّقون بالفطرة، وظهور الاختراع المستقل أكبر بكثير مما يعترف به الانتشاريون. (2) كل انتشار ينبغي أن يبدأ في مكان ما، ويحدث الاختراع في مجتمع ما قبل أن يبدأ في الانتشار في غيره، ولو قبلنا بفكرة أن المجتمعات الإنسانية تتشابه إلى حدّ كبير في قدرتها على الاختراع والإبداع، فمن المتوقّع حدوث الاختراعات في أي مكان على خريطة الجنس البشري. وتسمّى هذه الفرضية «بالوحدة النفسية للجنس البشري». ومع ذلك يدّعي الانتشاريون أنّ مجتمعات مختارة فقط هي التي لديها ملكة الإبداع، بمعنى آخر، تتغيّر معظم المجتمعات نتيجة استقبال صفات جديدة عن طريق الانتشار، ولكن بعض الأماكن تعدّ مبتكِرة وخلاّقة بطبيعتها، وهي المصادر الأصلية للصفات الجديدة.

إنّ أغلب الباحثين الثابتين على نظرية الانتشار، هم أيضا أصحاب نظرية انتشار المركزية الأوروبية، فأوروبا هي مصدر كلّ الإبداعات من الأفكار والمعارف والفلسفات والصنعياء، أوروبا هي مصدر كلّ انتشار أمّا غيرها فهو المستقبِل لهذا الانتشار. فالطريقة الطبيعية التي يتجدّد بها الجزء غير الأوروبي ويتغيّر إلى الأفضل هي انتشار الأفكار التقدّمية والإبداعية من أوروبا مثلما يسري الهواء في الفراغ، حيث يأخذ هذا الانتشار شكل أفكار أوروبية أو منتجات جديدة تتجسّد فيها تلك الأفكار، وقد يكون الانتشار عن طريق هجرة الأوروبيين أنفسهم، حاملي هذه الأفكار الجديدة والإبداعية، واستيطانهم خارج أوروبا. تعتبر النهضة العصامية لأوروبا، أهمّ مبادئ نظرية الانتشار التي يطلق عليها الغربيون بنوع من الفخر «المعجزة الأوروبية» ويؤمن بها معظم الدَّيْوَنيين (الأكاديميين) ويسلّمون بها، ويرون أن التحديث الاجتماعي والاقتصادي في أوروبا جاء نتيجة صفات داخلية لأوروبا وليس نتيجة تفاعل بينها وبين مجتمعات أخرى. وعلى أساس هذه المعتقدات فإنّ الاستعمار لم يكن مهما ولا ضروريا لدخول أوروبا العصر الحديث، ولا يعني أيضا للأفارقة والآسيويين والأمريكيين السلب والهدم الثقافي، بل على العكس فهو تلقّي الحضارة الأوروبية أو استقبال الحداثة عن طريق الانتشار من أوروبا.

مصطلح قريب

لغة كلزية

theory of diffusion
لغة فرنسية

théorie de la diffusion
مراجع

  • نموذج المستعمر للعالم، الانتشار الجغرافي وتاريخ المركزية الأوروبية. جي. إم. بلاوت. ترجمة: هبة الشايب. المركز القومي للترجمة، 2010م. القاهرة، مصر.