معجم المصطلحات الكبير
تَكْعِيبِية
الفنّ

اتّجاه حديث في الفنّ ظهر في فرنسا سنة 1907م في أعقاب الحركة الحُوشية (الفُوفية) التي لم تدم طويلا، حيث رفض التكعيبيون مبدأ محاكاة الأشكال الطبيعية وقاموا باختزالها إلى أصولها الهندسية، ثمّ صاغوها من جديد بحسب رؤية كلّ فنّان في صور فنّية بعيدة عن عناصرها الأصلية، مع تحطيم المنظور الخاصّ بها. تعتبر التكعيبية أضخم ثورة فنية وجمالية عرفها الغرب في العصر الحديث، استندت إليها الكثير من النزعات الفنّية الجديدة الأخرى في النحت والعِمارة، وامتدّ تأثيرها إلى الأثاث والتصميمات الصناعية. ظهرت في وقت واحد تقريبا مع التعبيرية في ألمانيا والمستقبلية في إيطاليا، فإذا كانت الحوشية والتعبيرية تدين بأصولهما إلى كوكان وفان كوخ، فإنّ التكعيبية تدين في ذلك إلى الرسّام بول سيزان، الذي ولد سنة 1839م في مقاطعة ايكس آن بروفانس Aix-en-Provence في جنوب فرنسا، ومات هناك سنة 1906م، فقد شكّلت أعماله منهجا سارت عليه التكعيبية، وطوّرت فكرته الأساسية التي تنصّ على أنّ: كلّ الأشكال الطبيعية تعود في أصلها إلى مساحات هندسية بسيطة، فكل جسم في الطبيعة يمكن تحويله إلى معادلة هندسية مثل: المربّع، والكَعْب، والدائرة، والمخروط، والمنشور، فالعمل الفني في أساسه هندسة. تمرّد الانطباعيون عن الفن القديم الذي تحفل به المتاحف، وفضلوا إظهار العناصر السطحية، وكانت عودة سيزان إلى البعد الثالث من أجل ربط الانطباعيين بعظمة فنّ الماضي، وتطلّب من سيزان التلميح إلى الأشكال الهندسية، حيث قال في عام 1904م: أنظر إلى الطبيعة كأسطوانة، أو محيط، أو مخروط، أو أي مجسّم آخر، بحيث إنّ كلّ جانب أو سطح منه يتّجه نحو نقطة مركزية، إنّ الطبيعة بالنسبة إلينا هي شيء يعتمد على العمق أكثر منه على السطح. على هذا النحو عبّر سيزان عن فكرته، وطبّقها فعليا بيكاسو وبراك عن طريق تفسير الواقع بأشكال هندسية مجرّدة.

بدأ بيكاسو في العمل على لاحته المعلونة «آنسات أفينيون» في أوائل عام 1907م بعدما اطّلع على مجموعة من التماثيل الإفريقية، ليستكملها في يوليو من العام نفسه. لم تلق لاحته هذه الإعجاب حين قدّمها لأصدقائه، لأنّ بيكاسو الذي أخذ جسد المرأة وملأه بالزوايا جعله غير جميل، حيث انصبّ اهتمامه على تكوين الأشكال بينما جعل الألوان لفصل الأشكال بعضها عن بعض، وقد استقبحها براك كثيرا لمّا رآها بعد 4 أشهر من رسمها في مرسم بيكاسو، أي في شهر نوفمبر، وقال لبيكاسو، «بلاحتك هذه تجعلنا كأنّنا نأكل اللوف ونشرب البنزين». إلاّ أنّ براك على الرغم من كلّ ذلك بدأ يجرّب طريقة بيكاسو في الرسم، ومن هنا بدأ أسلوب فنّي جديد الذي أخذ اسم التكعيبية فيما بعد. تعرّف براك على بيكاسو عن طريق الشاعر أبو لينير، وسرعان ما ارتبطا بصداقة متينة العرى دفعتهما للعمل معا، حيث شارك بيكاسو في نشر التكعيبية وتثبيتها، واستطاع بمهارة كبيرة رسم الأشخاص والمناظر وعناصر الحياة اليومية كلّها على شكل صور بأشكال هندسية تغلب عليها البِنى والرماديات، فالشكل يأخذ المرتبة الأولى بينما يأتي اللون في المرتبة الثانية، وأصبح فنّانو هذا الاتجاه يخلطون على مِدْخلاتهم جميع الألوان، ويتقرّبون من الألوان الحيادية الرمداء والسوداء والخضراء الكامدة.

تعتبر لاحة «منازل في ليستاك» لبراك والتي أنجزها في عام 1908م، واحدة من رائدات الحركة التكعيبية مع «آنسات أفينيون» لبيكاسو، وهذه اللاحة هي التي دفعت الناقد الفنّي لويس فوكسيل Louis Vauxcelles إلى السخرية منها، حيث وصف براك بأنّه رجل جريء، «إنّه يلخص كلّ شيء، الأماكن والشخصيات والمنازل إلى أشكال هندسية، لتصبح مثل الكُعوب» ومن هذا القول للويس ولد مصطلح التكعيبية، ويدلّ هذا على أنّ لاحة براك تعتبر أكثر الأعمال الفنّية تعبيرا عن هذا المذهب، ممّا جعل بعض النقّاد يضع براك في موضع الصدارة من التكعيبيين. لقد عارض بيكاسو وبراك هذه التسمية إلاّ أنّهما لم يفلحا في التخلّص منها، وقوبلت أعمالهما في أوّل الأمر بمعارضة وهجوم شأن كلّ فكرة جديدة، إلاّ أنّ بعضا من الجمهور انجذب إلى التكعيبية، ومنهم بعض الفنّانين من فترة الانطباعية وما بعدها، ثمّ أخذ بيكاسو وبراك في تطوير هذا الفنّ، فأخرج بيكاسو لاحته «خزّان في هورتا  دي إيرو» سنة 1909م، وقد اعتبرها الكثير من النقّاد اللاحة الأولى الرائدة في الفنّ التكعيبي، واُعترف به سنة 1911م كمخترع للتكعيبية، في حين ذهب بعض النقّاد الآخرين إلى القول بأنّ براك هو مبتدع التكعيبية حقّا، وذلك حينما عرض لاحته للمناظر الطبيعية في ليستاك سنة 1908م.

يرى مؤرّخو الفنّ أنّ التكعيبية مرّت بمرحلتين، هما: المرحلة التحليلية، أو التكعيبية التحليلية analytic cubism، التي امتدّت من عام 1908 إلى الأشهر القليلة من عام 1912م، حيث لجأ الفنّان التكعيبي إلى خلع الجسم وتحليله إلى مكعّبات صغيرة وأشكال هندسية، يعيد تجميعها بعد ذلك في بناء جديد، لتتداخل أجزاء الشكل المرسوم مع بعضها بعضا وتصبح له زوايا مختلفة يمكن النظر إليه من خلالها، وبذلك رفضت التكعيبية التحليلية استعمال المنظور الخطّي ذي نقطة التلاشي الذي كان الفنّان يعتمد عليه، فالمنظور التقليدي لا يسمح للفنّان إلاّ بالنظر من زاوية واحدة للشكل المرسوم في كلّ مرّة، بينما يستطيع في التكعيبية التحليلية أن يرى الشكل من زوايا متعدّدة، وفي أوقات مختلفة من اليوم في اللاحة ذاتها، وفي أضواء مختلفة في الوقت ذاته بدلا من الرسمة البصرية المباشرة. وقد شملت هذه المرحلة كلّ الموضوعات التي ارتبطت بالأشكال الآدمية أو الطبيعية الصامتة، مع الاقتصار على الألوان القاتمة، الأقهى والأرمد، واُستعمل اللون الأبيض لتسليط الضوء على السطوح. ثمّ المرحلة الثانية وهي التكعيبية التخليقية أو التركيبية synthetic cubism، بدأت من حيث انتهت التكعيبية التحليلية واستمرّت بحيوية إلى زهاء عام 1919م، ففي سنة 1912م حدث تخلّ كامل عن الأسلوب التحليلي وعاد الفنّان مرّة أخرى إلى الشكل الطبيعي ليختار منه جزءا يرسمه رسما طبيعيا دقيقا، ليجعله محورا تدور حوله جميع التكوينات الأخرى للصورة ذات السطوح الهندسية، وقد تميّزت هذه المرحلة بزيادة استعمال الألوان، لا سيّما تلك الأكثر إشراقا، واستعملت الخطوط والأشكال ببساطة كبيرة.  كما استعمل في هذه المرحلة أيضا أسلوب التغرية collage، حيث استبدل الفنّان الجزء الطبيعي من الشكل بلصق أشياء حقيقية على اللاحة عوض رسمها، كقصاصات الجرائد أو الخيش أو عُلب النَّبَخ أي أعواد الكبريت، إلخ، وقد أعطى واقعية أكبر لموضوع اللاحة.

يقول الربيز ليونيللو فينتوري: إذا كان المقصود بالفنّ الحديث فنّ اليوم أو فنّ النصف الأوّل من القرن العشرين، فيجب علينا الاعتراف بأنّ التكعيبية قد غلبت على هذه الفترة كلّها. كانت الحوشية أوّل ثورة ذوقية في هذا القرن، لا التكعيبية، إلاّ أنّ الحوشية لم تستمر، وإنّما ذابت في التكعيبية، وكانت هناك حركات أخرى تجد من المشجّعين أكثر ممّا وجدته التكعيبية، ومن تلك الحركات التعبيرية والمستقبلية، إلاّ أنّنا نشعر اليوم أنّ تلك الحركات قد تلاشت، في حين أنّ التكعيبية، على العكس، ما تزال تحيا، كما كانت تحيا منذ أربعين عاما، على الرغم من أنّها اليوم تختلف جدّا عمّا كانت عليه في ذلك الوقت، إلاّ أنّ من صفات الحركات الحيّة أن تتغيّر وتتطوّر، وذلك لأنّها يجب أن تجيب على المشاكل الجديدة، كما أنّ الأساس الذي تنهض عليه التكعيبية وهو تفسير الواقع بأشكال هندسية مجرّدة لغرض إدراك الاستقلال الفنّي، يلوح اليوم في منتهى الحيوية. لقد انبعث كلّ ما في الهندسة والزخرفة الحديثتين عن التكعيبية، ويمكن تعريف التكعيبية بأنّها عصر الإدراك الهندسي الذي خسره القرن التاسع عشر.

مصطلح قريب

لغة كلزية

cubism
لغة فرنسية

cubisme
مراجع

  • جولة في فنّ وتاريخ التصوير الزيتي. أسامة الفقّي. مكتبة الأنجلو المصرية، 2003م. القاهرة، مصر.
  • الفن الحديث. الربيز: ليونيللو فينتوري، ترجمة: أنيس زكي حسن. وكالة الصحافة العربية، 2020م. الجيزة، مصر.
  • مدارس التصوير الزيتي، الأستاذ الربيز: أسامة محمد مصطفى الفقّي. مكتبة الأنجلو المصرية، 2016م. القاهرة، مصر.

بابلو بيكاسو، 1910م، فتاة بمندولين، زيت على قماش، متحف الفن الحديث، نيويورك. مصدر الصورة ويكيبيديا.

رجل بخَطّارة، جورج براك Georges Braque. زيت على قماش، متحف الفن الحديث، نيويورك. مصدر الصورة ويكيبيديا.

مرأة مع حصان (11، 1912م)، للرسّام: جين ميتزينجر Jean Metzinger، متحف ستاتينز للكونست، المتحف الوطني للدنمارك. مصدر الصورة: ويكيبيديا.

راقصة المقهى، زيت على قماش، 1912م. جان ميتزنجر Jean Metzinger. معرض ألبرايت نوكس للفنون، بوفالو، نيويورك.

امرأة مع مروحة. جان ميتزنجر Jean Metzinger.