معجم المصطلحات الكبير
مَدْرَسة خِطاطِية إسْلامِية
الخِطاطة

إذا كانت قد وُجدت بعض المدارس الفقهية في الإسلام خلال تاريخه الطويل، فإنّ الحديث عن مدرسة خطاطية كمفهوم معرفي مهيكل ضمن حقل الفنّ الإسلامي يعتبر أمرا في غاية الصعوبة، لأنّ منتجات الفنون الإسلامية كما يُصرّح النقّاد الفنّيون ارتبطت بظاهرة «وحدة الفن الإسلامي» التي ميّزته عن فنون الأمم الأخرى «هذه الوحدة التي تخطّت عامل المكان فلم يفرّقها بُعْد المسافات بين ديار المسلمين وامتدادها، كما تخطّت عامل الزمان فلم يغيّرها مرور الأيّام وتتابع القرون» (أحمد الشامي، 1990م) يقول أرنست كونل (1966م): يتعذّر في الفنّ الإسلامي تقرير وجود اتّجاه عربي أو فارسي أو تركي أو هندي موحّد، لأنّ المعماريين كانوا يُستقدمون من مختلف البلاد الإسلامية.

المدارس في الفن التشكيلي الغربي

إنّ قيام مدرسة فنّية في الفنّ التشكيلي الغربي كان مرتبطا بالفلسفة السائدة في المجتمع، إذ نجد تأثيرا واضحا للنظريات الفلسفية والاجتماعية على تطوّر الفنون والآداب الغربية، فالملاحظ في المنحنى العام لتطوّر المدارس التشكيلية الغربية كان في معظم الأحيان مبنيا على الانتكاسات، أي رفض مبادئ المدرسة السابقة، والاتجاه نحو رفض الطبيعة ثمّ رفض الموضوع لنصل أخيرا لرفض الفنّ والجمال أصلا، والمهم في هذا ليس منحنى التغيير ولا النتيجة المتوصل إليها (على الرغم من إقرارنا بفداحة النتائج التي توصّل إليها الفنّ الغربي من الناحية الأخلاقية والفنّية معا) إنّما المهمّ هو وضوح الانتقال من مدرسة إلى أخرى على المستوى الفكري والفلسفي، والمبدأ العام الذي ساهم في هذا التطوّر هو مفهوم «القطيعة المعرفية» الذي تبلور كمفهوم علميائي (إبيستومولوجي) طبع العقلية الأوروبية الحداثية الفكرية والفنّية، وأبرز من أشار إلى سيطرة هذا المفهوم هو «غاستون باشلار» عالِم المنهجية وناقد العلوم الذي أسّس لقيام المفهوم المعرفي وركّز على تأثيره في تطوّر العلوم والفلسفات الأوروبية، معتبرا أنّ كلّ نظرية معرفية تُحدِث قطيعة معرفية مع النظرية التي سبقتها، وهكذا فإنّ مستوى تطوّر العلم مرتبط بكمّ القطيعات المعرفية التي حدثت خلال مسيرة تطوّره. وبما أنّ تطوّر المدارس التشكيلية الغربية قد تزامن مع تطوّر النظريات المعرفية والاجتماعية السائدة في أوروبا، فقد كانت كلّ مدرسة تُحدث قطيعة مع المدرسة السابقة لها، ويجب التأكيد هنا على أنّ القطيعة هي بمعناها ومدلولها المعرفي، وليست بأي حال بمعناها الأخلاقي والعاطفي، والسؤال الذي نتوصّل إليه بعد هذا، هل المدارس الخطاطية الإسلامية حكمها المبدأ المعرفي نفسه أم لا؟

التصنيف النظري لمدارس الخطاطة

من أهمّ هذه التصنيفات التي نجدها، التصنيف الأسلوبي والتصنيف الإراضي والتصنيف البِنْيوي والتصنيف الرؤيوي والمفهومي والتصنيف الأُسّي أي المبني على اختلاف الأسس.

فتصنيف المدارس الخطاطية عند روّاد التصنيف الأسلوبي يقوم على اعتبار أسلوبية أحد كبار الخطّاطين بمثابة المدرسة، وهم على هذا الأساس يعتبرون الأسلوبية بمثابة نقطة التأسيس لقيام المدرسة الخطاطية، وبالتالي فإن الاختلاف في الأسلوب من خطّاط إلى آخر يؤدّي إلى اختلاف في المدارس الخطاطية، ومن أهمّ روّاد هذا الاتجاه نجد الباحث في تاريخ الفنّ الخِطاطي الأستاذ مصطفى أوغور درمان الذي يقول في هذا الصدد: «مع نهاية القرن الخامس عشر استطاع أحد الخطّاطين العثمانيين أن يقتبس من أسلوب ياقوت المستعصمي أسلوبا جديدا، وهكذا نستطيع أن نشير إلى بداية المدرسة العثمانية في فنّ الخطّ، أمّا قبل ذلك فقد كانت هذه المدرسة تتّبع ياقوت المستعصمي» (أوغور درمان، 1997م). ومن أهمّ المآخذ على هذا التصنيف عدم تفريقه بين الأسلوب والمدرسة على الرغم من الاختلاف الجوهري بينهما، إذ أنّ المدرسة أعمّ من الأسلوب، والفروقات الأسلوبية كما قال شيرزاد لا ترقى إلى مستوى تصنيف المدارس على أساسها.

أمّا التصنيف الإراضي فهو الأكثر استعمالا عند الخطّاطين، إذ تعوّد هؤلاء استعمال مفردات مثل المدرسة المشرقية، والمدرسة المغربية، والمدرسة العثمانية.. الخ، أي تقسيم المدارس الخطاطية على إراضية العالم الإسلامي، ومن أهمّ روّاد هذا الاتّجاه الباحث الخطّاط الربيز محمّد سعيد شريفي في كتابه «اللوحات الخطّية في الفنّ الإسلامي» حيث اعتمد هذا التصنيف أثناء دراسته للأعمال المركّبة بخط الثلث الجلي. والواقع أنّ الإراضة لا تحمل أي دلالة معرفية في هذا الحقل، فمن الناحية العِلميائية نجد أنّ الإراضة لا تصلح معيارا أو مبدأ لتصنيف المدارس الخطاطية، والمُخْطِر في هذا التصنيف هو التمادي في التقسيم إلى غاية اعتبار كلّ دولة وحدها تمثّل مدرسة خطاطية، حيث وُجد بحث بعلوان «المدرسة التونسية في الخطّ» للأستاذ محمّد الصادق عبد اللطيف، وبحث آخر بعلوان «المدرسة الخطية التونسية» للأستاذ محمّد المحجوب.

التصنيف البِنوي اقترحه الباحث والناقد الربيز محمّد ادهام حنش صاحب كتاب «الخطّ العربي وإشكالية النقد الفنّي» الذي صنّف المدارس الخطاطية على أساس بنية كلّ مدرسة من حيث العناصر التالية:

- عدد أنواع الخطوط وأساليبها الخاصّة، المعروفة بها هذه المدرسة أو تلك.

- الخصوصية الوظيفية والفنّية الأسلوبية في أداء هذه الأنواع والأساليب.

- سلسلة الخطّاطين المجيدين الممثِّلين لهذه المدارس.

ثم قال: يصعب الأخذ بما ذهب البعض إليه من التعدّدية فيما يتعلّق بتصنيف المدارس الفنّية للخطّ العربي وتوصيفها لأسباب تتّصل بغياب المعيار المنهجي الواضح لهذه العملية. (ادهام حبش، 2007). وأخيرا توصّل إلى تحديد المدارس الخطّية حسب المعيار الذي اقترحه وذكر منها أمثلة هي: المدرسة البغدادية، المدرسة المشرقية، المدرسة المصرية، المدرسة المغربية، المدرسة العثمانية. الملاحظ في المعايير التي اقترحها الباحث أساسا منهجيا للتصنيف أنّها هشّة وأنّ الواقع يُناقضها جملة وتفصيلا، والدليل على ذلك عدم وجود علاقة منطقية بين معيار التصنيف والنتائج المتوصّل إليها، فهاشم محمّد البغدادي على سبيل المثال يخطّ الثلث على الأسلوب العثماني، والنسخ على أسلوب ذاتي، وبالرجوع إلى المعايير الآنفة الذكر فإنّه لا يُمكن إدراج هاشم في أي مدرسة من المدارس الخطية التي ذكرها، وكذلك، كيف يُمكن تصنيف خطّاط شامي يكتب على أسلوب الديراني، وتلميذه المباشر يخطّ على أسلوب العثمانيين؟ وهذا تناقض واضح، ومن جهة أخرى نجد الباحث قد عاد إلى التصنيف الإراضي الذي انتقده، وعجز عن حصر المدارس بصورة نهائية واكتفى بتقديم أمثلة فقط.

التصنيف الرؤيوي والمفهومي فقد اعتمده الخطّاط والباحث العراقي الربيز صلاح شيرزاد حيث يقول: «أمّا إذا بحثنا عن مدرسة ثانية في مجال فنّ الخطّ العربي فإنّنا سنجدها في الأسلوب الحروفي... فالمدرسة الحروفية تختلف عن مدرسة الخطّ العربي التقليدي في أنّ الأولى لا تبني العمل الفنّي على النصّ الكامل دائما، ولا تعنيها القواعد الموزونة للحروف، وإنّما تستعمل مختلف الصِّنْعات (التقنيات) التي هي تشكيلية بحتة، فالحروف عند الحروفيين لها قيمة تشكيلية بحدّ ذاتها دون أن تحمل بالضرورة معان لغوية... إنّ هذا الاختلاف في الرؤية والمفهوم عند الخطّاطين التقليديين والحروفيين لهو اختلاف جوهري في التعامل مع الحروف، وهو سبب كاف لإضفاء صبغة المدرسية على الاتجاه الحروفي» (شيرزاد، 2002م). إنّ التصنيف على أساس الرؤية هو الأكثر وضوحا وتحديدا، ولكن هناك بعض التعميمات غير المبرّرة، مثل اعتبار الخطاطة التقليدية كلّها مدرسة واحدة، وهذا ما يظهر عكسه في الجزء اللاحق من هذا المقال، كما أنّ الحروفية فنّ تشكيلي وُلدت أساسا من تأثّر الفنّانين الغربيين بالخطاطة الإسلامية، ولم تتشكّل ضمن مفاهيم فنّ الخطّ وعلى ذلك فهي أحد الفنون التشكيلية المستقّلة بذاتها عن الخطاطة وعن باقي الفنون التشكيلية، وليس هناك أي علاقة معرفية أو فنّية بينهما أي الخطاطة والحروفية، باستثناء استعمال الأخيرة الحرف عنصرا من عناصر تكوين اللاحة، ومن هنا لا يمكن اعتبار الحروفية مدرسة من مدارس الخطاطة بل هي فنّ تشكيلي مستقلّ بذاته.

287.jpg

الحروفية فن تشكيلي استعملت الحرف عنصرا من عناصر تكوينها، لاحة للفنّان العراقي وسام شوكت.

وأخيرا التصنيف الأسّي وقال به الباحث عيسى يحيى بودودة (2010م) وهو اقتراح نظري سمّاه «نظرية المحورين» واستعمل مصطلح نظرية لأنّ العِلمياء تُسمّي كلّ مقترح ساهم في الإجابة عن أهمّ الإشكاليات المطروحة ضمن حقله المعرفي بالنظرية، خلافا للرأي النظري الذي يعالج إشكالية واحدة بالتحديد، ولهذا كانت تسمية «نظرية المحورين» عند الباحث مطلبا منهجيا لا يُمكن تجاوزه أكثر منه طموحا شخصيا يُمكن التنازل عنه.

تبلور هذا الاقتراح النظري عند الباحث أثناء اهتمامه بإشكالية غياب الميزان في الخطوط المغربية، ليتطوّر بعد ذلك ويتناول أهمّ إشكاليات الخِطاطة المعاصرة، فقد انطلق من محاولة منهجية لبناء إشكالية الخطوط المغربية ضمن حقلها العِلْميائي الصحيح، فبعد أن كان التساؤل العام المطروح، أين قواعد وموازين الخطوط المغربية؟ تجاوز هذا إلى السؤال الفلسفي التالي: كيف حافظ الخط المغربي على صورته على الرغم من غياب القواعد والموازين؟ ما فائدة الميزان في الخطاطة إذا كانت الخطوط المغربية قد تطوّرت من دون الحاجة إليه؟ وكأنّه هنا قد قام بتغيير الاتّهام المعرفي، فبعد أن كان الميزان يتّهم الخطوط المغربية، أصبحت الخطوط المغربية هي التي تتّهم الميزان، أي تتساءل عن جدواه العلمية والعملية، وبهذا قد نجح في إحداث قطيعة معرفية مع المعارف السابقة والسائدة في هذا المبحث الخطاطي والإشكال الفنّي. 

286.jpg

قامت الخطاطة الإسلامية على القطّة المحرّفة وميزان النقطة

بداية البحث عن النقطة المرجعية الفاصلة واللحظة التاريخية الفارقة التي انفصلت فيها الخطاطة عن الكتابة العربية، هي ظهور القطّة المحرّفة والميزان بالنقطة، فهذان العاملان هما اللذان ساهما في نشأة الخطاطة الإسلامية على اعتبارها فنّا منفصلا عن الكتابة الوظيفية، وقد وضع الباحث هذين العاملين في محور أفقي كما هو مبيّن في الشكل (1). ليتّضح بعد ذلك تشكّل الخطاطة ضمن الأسس التالية: الميزان بالنقطة، القلم المقطوط المحرّف، شكل الحروف، التسطير والتخميل، الشكل (2). 

 

146.jpg

 

وبالرجوع إلى هذا الشكل فإنّ الخطاطة تتكوّن من الأسس الأربعة المذكورة آنفا، وعلى ذلك فإنّ كلّ كتابة لا تستعمل قلما مقطوطا، وميزانا بالنقطة لا تنتج سوى حروفا كتابية لا ترقى لتكون ضمن الخطاطة وإنتاجاتها، ومن هنا ظهرت إشكالية الخطوط المغربية على اعتبار أنّها لا تستعمل الأقلام المقطوطة ولا الميزان بالنقطة، وهكذا نصل إلى النتيجة المُخْطِرة التي صرّح بها البعض وكتمها آخرون: الكتابة المغربية ليست فنّا من فنون الخطاطة.

إنّ العقل الباطن الذي تأسّس على القلم المقطوط والميزان بالنقطة هو الذي جعل الخطّاطين في مشارق الأرض ومغاربها يرفضون أن تكون الخطوط المغربية فنّا، فهل هذا الحكم الصارم صحيح من الناحية المنهجية والفنّية؟

إشكالية المدارس الخطاطية

بعد ممارسة الباحث بودودة للخطوط المغربية مدّة سنوات لاحظ وجود خلل في التعريف السابق للخطاطة، وتوصّل إلى النتيجة التالية:

- إنّ الأسس المتوصّل إليها في الشكل السابق (المحورين) ليست أسس الخطاطة بعمومها، بل خاصّة فقط بالخطوط الليّنة المشرقية.

- ما هي إذن أسس الخطوط المغربية؟ هل يمكن اعتبارها مدرسة مغايرة للخطوط المشرقية الليّنة؟

وقد كانت الإجابة عن هذين السؤالين في جملتين تاريخيتين الأولى قالها ابن خلدون والثانية ما رواه المقري في نفح الطيب.

الجملة الأولى، قال ابن خلدون:

«وليس الشأن في تعليم الخطّ بالأندلس والمغرب، كذلك في تعلّم كلّ حرف بانفراده، على قوانين يُلقيها المعلّم للمتعلّم، وإنما بمحاكاة الخطّ من كتابة الكلمات جملة، ويكون ذلك من المتعلّم ومطالعة المعلّم له، إلى أن يحصل له الإجادة ويتمكّن من بنانه الملكة فيُسمّى مجيدا».

وقد توصّل الربيز محمّد سعيد شريفي إلى هذه النتيجة في قوله: «إنّ طريقة التعليم بالجملة، أي ضبط إجادة الكتابة بتلقين المتعلّمين سطورا لا بالحروف المفردة وأجزائها يؤيّد خلو الكتابة المغربية من الموازين النقطية» وهذا صحيح، إلاّ أنّ الملاحظة الأهمّ هي:

- إذا كانت الموازين النقطية تتلاءم مع طريقة التعليم حرفا حرفا (المشرق)، فما هو الميزان الذي يتلاءم مع طريقة التعليم سطرا سطرا (المغرب)؟

الجملة الثانية، روى المقري:

«ثمّ قسنا حروفه بالضابط -أي حروف ابن مقلة لمّا وصلت إلى الأندلس- فوجدنا أنواعها تتماثل في القدر والوضع، فالألفات على قدر واحد واللاّمات كذلك والكافات والواوات وغيرها بهذه النسب».

من هذه الرواية توصّل الباحث إلى النتائج التالية:

- رفض المغاربة استعمال الميزان بالنقط بعد رفضهم شكل القلم المقطوط المحرّف، ومن هنا بدأت القطيعة المعرفية وبداية تشكّل مدرسة ثانية في الخطاطة.

- وجود ضابط لدى الأندلسيين يقيسون به تشابه الحروف في القدر والوضع، ولكنّه يقيس الحروف جملة واحدة، وليسوا مضطرّين لوضع ميزان على كلّ حرف لوحده، والدليل أنّهم وجدوا الألفات على طول واحد دون اضطرارهم إلى وضع خمس نقاط جنب كلّ حرف ألف.

ولكنّ النتيجة الأهم هي:

- التأكيد على وجود ميزان لدى المغاربة والأندلسيين يتلاءم مع طريقة التعليم بالجملة، ويسمّونه الضابط، كما أكّد المقري في كتابه «نفح الطيب» وهو يختلف عن الميزان بالنقطة هذا من جهة، ومن جهة أخرى هو ميزان سمح بتشابه الخطوط المغربية عند الخطّاط نفسه، ولكن في الوقت ذاته تتغيّر أحجام الحروف من خطّاط إلى آخر، والأهمّ في ذلك كلّه أنّه صالح ليكون ميزانا للخطوط المشرقية أيضا كما فعل الأندلسيون مع خطّ ابن مقلة.

والسؤال المهمّ هنا ما هو الضابط؟

من خلال ما سبق يمكن حصر مواصفات الضابط على الشكل التالي:

- الضابط أداة لقياس الحروف بالجملة.

- الضابط أداة تقيس الحروف ولا تترك أثرا على الورق، والدليل قياس خطوط ابن مقلة وخطوط المغاربة من دون أن نجد أثرا على كتابتهم.

- الضابط هو ميزان للخطوط المغربية يتلاءم مع قياس الكتلة (السطر)، وليس قياس العنصر الواحد وهو الحرف.

والنتيجة لما ذُكر آنفا أنّ الأداة الأقرب إلى كلّ هذه المواصفات من جميع أدوات الخطّاطين هي المِسْطر. يقول الربيز محمّد سعيد شريفي: «من الراجح أنّ المسطر من اختراع الورّاقين والخطّاطين العرب، ويؤخذ ورق مقوّى على مقياس الورق المراد تسطيره، وتُسطّر عليه الأسطر حسب المرغوب من الفراغ الفاصل بينهما (الذعاع) ويُسطّر الجانبان أيضا، ثمّ بالإبرة والخيط تُمدّ الخيوط فوق السطور من طرف إلى آخر، وكذلك بالنسبة للجانبين، فيبدو المسطر مُسطّرا بالخيوط البارزة. نضع الورقة على المسطر، ونضغط عليها بقطعة قطن أو خرقة باتجاه الأسطر، فتترك الخيوط أثرها على وجه الورقة، بارزة وعلى ظهرها غائرة وفي لحظات تغدو الورقة مسطّرة». إذا قد غابت موازين الخطوط المغربية لاستعمال الضابط (المسطر) الذي تختفي خطوطه بمرور بضعة أيّام على استعماله، ومن كلّ ما سبق توصّل الباحث إلى التصنيف التالي للمدارس الخطّية.

- مدرسة الخطوط الليّنة (الخطوط المشرقية)، الشكل (3)،

- مدرسة الخطوط اليابسة (الكوفي بأنواعه)، الشكل (4)،

- مدرسة الخطوط الوسطية (الخطوط المغربية)، الشكل (5).

 

147.jpg

 

فكلّ مدرسة من هذه المدارس تختلف عن الأخرى في كلّ أسسها، فليس هناك تشابه في شكل القلم ولا في الميزان، والنتيجة عدم تشابه الحروف والخطوط، وبهذا يُصبح لكلّ مدرسة مخرجاتها الخاصّة والمتميّزة عن الأخرى شكلا ومضمونا، وهذا هو الاختلاف الحقيقي في الرؤية والمنهج والأتباع.

إشكالية الإبداع في الخطاطة

الإشكال الأساسي في عملية الإبداع في الخطاطة يكمن في ماهية المنهجية المتّبعة، والتي تضمن للخطّاط الوصول إلى عمل إبداعي من الناحية الفنّية والناحية العلمية العِلْمِيائية حتّى يكون عمله مؤسّسا وبذلك قابلا للامتداد في الزمان والمكان، ونظرية المحورين تقترح المنهجية التالية.

- محور إنتاج المدارس الخطّية. إذا ما أراد خطّاط إنتاج مدرسة خطّية جديدة، فعليه الاشتغال على مستوى المحور الأفقي، أي البحث عن شكل جديد لأداة الكتابة، وعلى ذلك يمكن تحديد ماهية مختلفة للموازين الفنّية، فتتغيّر أشكال الحروف (خطوط جديدة) ونحصل على مخرج ضمن المدرسة الخطاطية نفسها.

- محور إنتاج الخطوط واللاحات. إذا ما أراد خطّاط إنتاج خطّ جديد ضمن مدرسة ما، فما عليه إلاّ الالتزام بالمحور الأفقي كما هو، ثمّ الاشتغال على المحور العمودي، أي بتغيير أشكال الحروف ضمن شكل القلم نفسه وماهية الميزان نفسها، وعلى هذا يتمّ الحصول على خطّ جديد، إلاّ أنّه يتشكّل ضمن المدرسة الخطاطية نفسها.

إشكالية تصنيف الخطّاطين

هناك جدل بين الخطّاطين المعاصرين حول تصنيف الخطّاطين الأساتذة من الناحية الإبداعية، فيدّعي كلّ خطّاط أن أستاذه هو عميد الخطاطة الإسلامية، ونظرية المحورين تقترح التصنيف الموضوعي التالي:

المستوى الإبداعي الأوّل. وهو مستوى الخطّاطين الذين أنتجوا مدارس خطّية جديدة، أي أولئك الذين أسّسوا لشكل القلم وماهية الميزان.

المستوى الإبداعي الثاني. ويضمّ الخطّاطين الذين أنتجوا خطوطا جديدة مثل: خطّ الرقعة والديواني.. الخ. لأنّهم لم يستطيعوا تجاوز القلم والميزان المؤسسّ ضمن المستوى الإبداعي الأوّل، إلاّ أنّهم اخترعوا خطوطا جديدة لا عهد للأوائل بها.

المستوى الإبداعي الثالث. ويضمّ هذا المستوى منتجي اللاحات الفنّية، ولم يستطيعوا تجاوز المستويين الأوّلين، واقتصر إنتاجهم على اللاحات ضمن المفاهيم نفسها لسابقيهم.

تعليق

المدارس الخطاطية الإسلامية، بحث ملخّص بشيء من التصرّف غير المخلّ بالمحتوى العلمي لمحاضرة ألقاها الباحث الجزائري عيسى يحيى بودودة في المهرجان الثقافي الدولي للخط العربي في الجزائر من 26 ماي إلى 02 جوان 2010م، وكان علوان محاضرته إشكالية المدارس الخطّية.

مترادف

نظرية المِحْورين في الخِطاطة الإسلامية

مصطلح قريب

لغة كلزية

islamic calligraphy schools
مراجع

  • إشكالية المدارس الخطّية، الباحث عيسى يحيى بودودة. وثائق المهرجان الثقافي الدولي للخطّ العربي، من 26 ماي إلى 02 جوان 2010م، وزارة الثقافة، الجمهورية الجزائية.
  • اللوحات الخطّية في الفنّ الإسلامي، محمّد سعيد شريفي. دار ابن كثير، دار القادري، 1998م. دمشق، بيروت.
  • واقع الخطّ العربي في ظلّ غياب النقد الفنّي، مجلّة حروف عربية، عدد 02 يناير 2001م، ندوة الثقافة والعلوم، دبي.
  • الأسلوبية في فنّ الخطّ، صلاح شيرزاد، مجلّة حروف عربية، عدد 07 أفريل 2002م، ندوة الثقافة والعلوم، دبي.

قام الخط المغربي على الوضوح وتوافق أحجام الحروف، فالوضوح هو الهدف الأول من الكتابة، أمّا توافق أحكام الحروف فيدلّ على تمكّن الكاتب من ضبط حروفه على أقدار موحّدة لأصنافها كما في هذا المثال للخط الأندلسي. مصدر الصورة: ويكيبيديا.