معجم المصطلحات الكبير
خِطاطة إسْلامِية
الخِطاطة

تكاد تُجمع الأبحاث العلمية اليوم على أنّ العرب أخذوا طريقتهم في الكتابة عن الأنباط، الذين سكنوا قبل الإسلام المناطق المجاورة للعرب الحجازيين، في تبوك ومدائن صالح والعِلى وشمال الحجاز، وذلك اعتمادا على ما عُثر عليه من تجادير نبطية في هذه الأماكن، مثل، نقش أم الجمال الأول (250م)، ونقش النمارة (328م)، ونقش زبد (521م) ونقش أمّ الجمال الثاني الذي يرجع إلى القرن السادس الميلادي، فقد لاحظ بعض العلماء من خلال تتبّع هذه النقوش ومقارنتها بأقدم ما وصل إلينا من خطوط عربية إسلامية، أنّ هذه التجادير النبطية يُمكن أن تمثّل مرحلة انتقال من الكتابة النبطية إلى الكتابة العربية في صدر الإسلام، وقد عُرف هذا الخطّ الذي انتهى إلى العرب بعدّة أسماء منها: الخطّ الأنباري، والخط الحيري، والخط المكّي والخط المدني، وهي خطوط ليس بينها كبير اختلاف إلاّ من حيث التجويد، ثمّ عُرف هذا الخطّ بعد الإسلام بالخط البصري والخط الكوفي، إلاّ أنّ الخط البصري لم تصلنا منه أمثلة نستطيع أن نتعرّف منها على صفته، وأغلب الظنّ أنّه والخطّ الكوفي شيء واحد لقرب ما بينهما في العهد والمكان.

خطوط المصاحف المبكرة

ذكر ابن النديم في «الفهرست» أنّ الخطوط التي كُتبت بها المصاحف هي المكّي والمدني، وينقسم الخطّ المدني إلى المُدوّر والمثلّث والتئم وهو خطّ جمع بين النوعين، ثمّ الكوفي والبصري والمشق والتجاويد والسلواطي والمصنوع والمائل والراصف والأصفهاني والجلي والقيراموز (وهو خطّ العجم) وهو نوعان؛ الناصري والمدوّر، ثمّ أضاف أنّ الناس لم يزالوا يكتبون على مثال الخطّ القديم إلى أوائل الدولة العبّاسية (132)، فحين ظهر الهاشميون اُختصّت المصاحف بهذه الخطوط، وحدث خطّ سُمّي العراقي، وهو المُحقّق الذي يُسمّى ورّاقي، والمُرجّح أنّ أقدم الخطوط استعمالا في تدوين المصحف، هو الخطّ المكّي والخط المدني، الذي يُعدّ الخطّ الحجازي المائل تطورا لهما، ثمّ خطّ البصرة وخطّ الكوفة، ويدلّ على قدم الخط الحجازي المائل الذي استعمل في نهاية القرن الثاني، خلوّه من النقط وحركات الإعراب، أمّا خطّ المشق، وهو الخطّ السريع، الذي تطوّر أوّلا في مكّة والمدينة خلال القرن الأوّل في الوقت نفسه الذي أخذ فيه الخطّ الكوفي المُبكِّر في التطور، فأهمّ صفاته المطّ والامتداد الأفقي لبعض الحروف، لأنّه كان يُكتب بسرعة ممّا يؤدّي إلى إطالة استمداداته الأفقية على حساب ارتفاع أصابعه، وضيق ما بين سطوره تبعا لذلك، وقد نُسب إلى عمر بن الخطّاب رضي الله تعالى عنه الخليفة الراشدي الثاني قوله: شرّ القراءة الهذرمة، وشرّ الكتابة المشق، وأجود الخطّ أبينه، فإن صحّ هذا فإنّه يُمكن أن يوضع هذا النوع من الخطوط في زمن واحد مع أقدمها المكّي والمدني، وقد أدّى ما في المشق من التمطيط والمدّ غرضين: إمكان إحداث التساوي بين أطوال السطور، واتخاذ هذا التمطيط وسيلة من وسائل التجميل في الخطوط الكوفية عامّة.

وقد شاع في كتابة المصاحف الكوفية عموما الخطّ المحقّق، وهو خطّ مبسوط نشأ في العراق، وتُعرف له سلالتان، إحداهما بها مسحة من التربيع، أكسبتها فخامة مناسبة لتدوين القرآن الكريم، وهو يجمع بين الجفاف والليونة وأقرب إلى التربيع والتزوّي، اُستعمل في كتابة المصاحف الكبرى جوّده ابن البوّاب، والسلالة الأخرى أخفّ وأكثر تدويرا، اُستعملت في الأغراض الكتابية العامّة دون القرآن، وهو ما عُرف بالمحقّق الورّاقي أو خطّ التحرير الذي استعمله الورّاقون في النسخ، وهذا الخطّ هو الذي نال تجويدا ظاهرا فيما بعد على يد ابن مقلة وابن البوّاب. وذكر ابن النديم أنّ أوّل من كتب المصاحف في الصدر الأوّل ويوصف بحسن الخطّ خالد بن الهيّاج، ومن كتّاب المصحف أيضا أبو يحيى مالك بن دينار البصري، كان يكتب المصاحف بالأجرة توفي سنة 130، وأوّل من كتب المصحف في أيّام الدولة الأموية قطبة الذي يُعزى إليه استخراج الأقلام الأربعة؛ الجليل، والطومار، والثلث، والثلثين، واشتقاق بعضها من بعض، قال عنه ابن النديم: قطبة أكتب الناس على الأرض بالعربية. ثمّ كان من بعده الضحّاك بن عجلان الكاتب في أوّل خلافة المنصور بالله والمهدي بالله العبّاسيين. أمّا أشهر كتّاب المصحف في عصر الخليفة هارون الرشيد، فكان خُشْنام البصري ومهدي الكوفي، وأبو حُدي الذي كان يكتب المصاحف اللِّطاف في أيّام المعتصم.

الشكل والإعجام

نتيجة لحركة الفتوح العربية الكبرى ودخول العديد من الأمم غير العربية في دين الإسلام، بدأ يظهر اللحن والتصحيف، فخُشي على القرآن من التحريف وشبه اللحن، فطلب زياد بن أبيه والي البصرة من أبي الأسود الدؤلي مؤسّس علم النحو العربي المتوفّى سنة 69 أن يضع طريقة لإصلاح الألسنة، فوضع أبو الأسود «شكل» الحروف، وأخذ عنه الناس هذه الطريقة، فكانوا يضعون نقطة فوق الحرف دلالة على فتحته، ونقطة تحت الحرف دلالة على كسرته، ونقطة عن شماله دلالة على ضمّته، فاعتُبِر أبو الأسود أوّل من نقط المصحف، ولم تشتهر طريقته إلاّ في المصاحف حرصا على إعراب القرآن. أمّا الكُتُب العادية فكان شكلها نادرا، لأنّ المكتوب إليهم كانوا يعدّون ذلك تجهيلا لهم. والإعجام هو تمييز الحروف المتشابهة بوضع نقط لمنع العُجمة أو اللبس، وقد خلت النقوش التي عثُر عليها حتّى الآن وكذلك الكتابة النبطية التي اُشتقّت منها الكتابة العربية من النقط، وظل المسلمون يقرؤون في مصحف عثمان رضي الله تعالى عنه أكثر من أربعين سنة إلى أن كثُر التصحيف في العراق، فطلب الحجّاج بن يوسف الثقفي والي العراق في عصر عبد الملك بن مروان إلى كتّابه أن يضعوا علامات لتمييز الحروف المتشابهة، وتولّى هذه العملية الثانية من الإصلاح في الكتابة العربية نصر بن عاصم الليثي، ويحيى بن يعمر العدواني تلميذا أبي الأسود الدؤلي، فقرّرا وضع نقط لتمييز الأحرف المتشابهة، فلتمييز الدال عن الذال أُهملت الأولى وأُعجمت الثانية بنقطة واحدة، وكذلك الراء والزاء، والصاد والضاد، والعين والغين، أمّا الفاء والقاف فكان القياس أن تُهمل واحدة وتُعجم الأخرى، لكنّ المشارقة ذهبوا إلى نقط الفاء بنقطة من أعلى، والقاف باثنتين من أعلى أيضا، وذهب المغاربة إلى نقط الفاء بواحدة من أسفل والقاف بواحدة من أعلى، وأهمل المغاربة أيضا إعجام القاف والنون في حالتي الإفراد والتطرّف أخيرا، لأنّه ليس في شكليهما ما يُلتبس بغيرهما من الحروف.

ولمّا كان هذا الإصلاح يستدعي اشتباه نقط الشكل بنقط الإعجام، فقد رأى نصر ويحيى أن تكون نقط الشكل بالمداد الأحمر، ونقط الإعجام بنفس مداد الحروف، وفي عصر الدولة العبّاسية أراد الناس أن يجعلوا الشكل بنفس مداد الكتابة تيسيرا للأمور، فاخترع العالم الشهير اللغوي الخليل بن أحمد طريقة أخرى باستعمال ثمان علامات جديدة للشكل على صورة شُرطٍ رفيعة تُرسم بسنّ القلم، أعلى وأسفل الحروف وعلامات التنوين الاصطلاحية المعروفة والهمزات، وهي العلامات التي ما تزال تُستعمل إلى الآن.

تطور الخطاطة الإسلامية

في هذا الوقت أخذ الخطّ العراقي وهو المحقّق الذي كان يكتب به الورّاقون في التحسّن، حتّى عصر الخليفة المأمون، عندما قام رجل من صنائع البرامكة، يُعرف بالأحول المُحرِّر، كان يُحرّر الكتب النافذة من السلطان إلى ملوك الأطراف في الطوامير بوضع قوانين ورسوم للخطّ وجعله أنواعا، وهو الذي استحدث قلم الطومار وقلم الثلثين، وقلم السجلاّت، وكانت بداية تحويل الخطّ الإسلامي من شكل المحقّق الورّاقي إلى الشكل الذي هو عليه الآن على يد الأحول المُحرِّر، ثمّ أتمّه من بعده الوزير أبو علي محمّد بن علي بن الحسن بن مقلة وزير المقتدر والقاهر والراضي والمتوفّى سنة 328 الذي انتهت إليه ولأخيه أبي عبد الله جودة الخطّ وتحريره على رأس الثلاثمئة كما يقول القلقشندي، وإن بقي فيه تكويف.

يُعدّ ابن مقلة أوّل من هندس الحروف وقدّر مقاييسها، وأبعادها بالنقط وضبطها ضبطا مُحكما، واستخلص من الأقلام الموجودة ستة أقلام هي: الثلث والنسخ والتوقيع، والريحان والمحقّق والرقاع، وأصبح يُطلق على هذا الخطّ المنضبط «الخطّ المنسوب»، وكانت طريقته هي إكساب كلّ حرف من حروف الهجاء نسبة محدّدة إلى حرف الألِف ممّا أدّى إلى تنظيم قياسي دقيق للحروف الهجائية، ولم يصل إلينا أي أثر من آثار ابن مقلة التي خطّها بيده، ثمّ قام أبو الحسن علي بن هلال البغدادي الكاتب، المعروف بابن البوّاب في أوائل القرن الخامس بإكمال قواعد الخطّ الإسلامي وهندسته، وأتمّها واخترع غالب الأقلام التي بدأها ابن مقلة لا سيّما في النسخ والثلث وهذّبها وصحّحها وزاد الخطّ تعريبا ودوّر حروفه، وكان ابن البوّاب في أوّل أمره مزوّقا يصوّر الدور، ثمّ صوّر الكتب، ثمّ تعانى الكتابة ففاق فيها المتقدّمين وأعجز المتأخرين، والظاهر أنّ ابن البوّاب لم ينتفع أثناء حياته بالقيمة الفائقة التي قُدّرت بها أعماله بعد وفاته، فيروي ياقوت الحموي أنّه وجد رُقعة بخطّه قد كتبها إلى بعض الأعيان في نحو السبعين سطرا يسأل فيها مساعدة صاحبه ابن منصور إنجاز وعد وعده إيّاه لا يُساوي دينارين، وقد بيعت الرقعة بسبعة عشر دينارا إمامية، وبلغه أنّها بيعت مرّة أخرى بخمسة وعشرين دينارا، وسرعان ما أصبحت النسخ التي كتبها ابن البوّاب نادرة، وكان العارفون بقدرها يدفعون فيها الأثمان الغالية، وقد ترك ابن البوّاب رسالة في علم الخطّ وأخرى في أصول الكتابة وبري القلم، ونسخ المصحف بيده أربعا وستّين مرّة، إحداها بخطّ النسخ مكتوبة على الكاغد ما تزال محفوظة في مكتبة شيستري بدبلن كُتبت سنة 391، وكانت وفاته سنة 413، وقيل سنة 423، وقد لاقت طريقته في الكتابة كثيرا من المقلّدين ومن بينهم الكثير من النساء، منهن فاطمة بنت الحسن بن علي العطّار المعروفة ببنت الأقرع، المتوفّاة سنة 480، التي كتبت الاتّفاق الذي عُقدت بموجبه الهُدنة بين العبّاسيين والبوزنطيين، أمّا مؤرّخ حلب الشهير كمال الدين أبو القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة المعروف بابن العديم المتوفّى سنة 660، فيرى البعض أنّ كتابته فاقت كتابة ابن البوّاب، وبلغت الغاية في الجودة والإتقان، وكان والده يحرّضه على تجويد الخطّ ويتولّى صقل الكاغد له بنفسه.

كانت بغداد مركزا لكلّ هذه التطورات على مدى خمسة قرون، ثمّ جاء جمال الدين ياقوت بن عبد الله المستعصمي الرومي، الذي عاش في عهد آخر خلفاء العبّاسيين، المتوفّى سنة 698 والمعروف بقبلة الكتّاب، آخر أشهر الخطّاطين البغداديين ليقوم بأهمّ عمل في تطوير الخطّ وتجويده مضفيا عليه كمالا وحسنا جعلت منه رائدا لمن جاء بعده من الخطّاطين، وقد بلغت عظمة ياقوت حدّا فاق مكانة ابن مقلة وابن البواب، واتّسم خطّه بالرقّة والرشاقة، ويُنسب إليه شذب القلم بطريقة تجعل جرّاته الثخينة منها والرفيعة أكثر تميّزا وروعة، وأصبح هو المثل الذي اجتهدت الأجيال اللاحقة من الخطّاطين في أن تحذو حذوه، وكتب ياقوت العديد من المصاحف والكتب ما تزال محفوظة في العديد من مكتبات العالم. عاصر ياقوت ستّة من أساتذة الخطّ الذين اشتهروا بأنهم تلاميذ ياقوت، وهم الذين اتّبع طريقتهم الخطّاطون اللاحقون زمن التيموريين والصفويين والعثمانيين، وعلى الرغم من أهمّية هؤلاء الستّة فإنّنا لا نكاد نعرف أي شيء عن حياة معظمهم وهم أرغون بن عبد الله الكاملي، ونصر الله الطبيب المعروف أيضا بناصر الدين متطبّب، ومبارك شاه بن قطب التبريزي المُسمّى «زارين قلم» ويوسف المشهدي الخراساني، وسيد أو مير حيدر المسمّى «كُنْده نويس» وأحمد بن السُّهْرُوَرْدِي المُسمّى «شيخ زاده» وقد وصلت إلينا العديد من المصاحف التي تحمل توقيع هؤلاء الخطّاطين، الذين كانت لهم مكانة عالية، حتّى إنّ الناس بدؤوا في عمل نسخ تقليدا لأعمالهم ناهيك عن التزوير. وبعد ياقوت أصبح فنّ الخطّ بما له من علاقة وطيدة بكلّ العلوم والفنون ساحة التنافس البارزة، وفقدت بغداد مكانتها كمركز ريادي في توجيه فنّ الخط بعد سقوط الخلافة، وفي القرنين السابع والثامن لقي الخطّ تقديرا وتشجيعا عظيمين من السلاطين والوزراء والأمراء ابتداء من عهد الإلخانيين والتيموريين والجلايريين، وشهدت مدن مثل مشهد وهراة في فارس مرحلة تطوّرت فيها صناعة الكتاب، وبلغ فيها الخطّ وتذهيب الكتاب وتزيينه وتسفيره شأنا كبيرا.

أمّا مصر في عصر المماليك فتدلّ الكتابات الكثيرة الموجودة على العمائر المملوكية والمصاحف الضخمة، التي وصلت إلينا على أنّها أصبحت المركز الهام الثاني بعد بغداد مباشرة في فنّ الخطّ حتّى نهاية القرن التاسع، وقد صارت في مصر طريقة ابن البوّاب جنبا إلى جنب محضرة بغداد، وما ابتدعه ياقوت المستعصمي حتّى ظهور المحضرة العثمانية، ومن أشهر الذين حذوا حذو ياقوت في مصر، شرف الدين أبو عبد الله محمد بن شريف بن يوسف الذرعي الدمشقي المعروف بابن الوحيد الكاتب، المتوفّى سنة 711، صار شيخ التجويد في مصر يُضرب بجودة خطّه المثل، وزين الدين عبد الرحمن بن يوسف الصايغ القاهري، المتوفى سنة 845، سلك طريقة ابن العفيف، وقد وضع ابن الصايغ رسالة في الخطّ، ومحمّد بن الحسن بن محمّد بن أحمد بن عمر الطيبي الشافعي، أحد كبار الخطّاطين في القرن العاشر، وقد أشار القلقشندي في الربع الأوّل من القرن التاسع إلى أنواع الخطوط، التي كانت شائعة في مصر المملوكية، في هذه الفترة التي استعمل الخطّاطون أغلبها في كتابة المصاحف والربعات، ووثائق ديوان الإنشاء وسائر المؤلّفات الأدبية وهي؛ الطومار ومختصره، والثلث وخفيفه، والتوقيع والرقاع، والمحقّق والريحان، والغبار والمنثور والحواشي.

من أهمّ أنواع الخطوط المشرقية التي ظهرت في القرن التاسع ووجد بعضها استحسانا عظيما فيما بعد، خطّ التعليق، وخطّ النستعليق، وقد نشأ خطّ التعليق في إيران في القرن السادس، ثمّ اكتسب خصائصه المعروفة في القرن السابع، واُستعمل هذا الخطّ من أجل المكاتبات الرسمية، ولم يُستعمل في نسخ الكتب، ومن ثمّ فقد طوّروا لهذا الغرض نوعا آخر من الخطّ عُرف باسم النستعليق، كان أكثر مطاوعة لذلك، وانتشر استعماله بدرجة تلي درجة النسخ، واُستعمل بكثرة في استنساخ الكتب الأدبية، لا سيّما دواوين الشعر ومجاميعه اعتبارا من عصر التيموريين بصفة خاصّة، وعاش هذا النوع عصره الذهبي في إيران في القرن الحادي عشر.

إذا كانت طريقة ابن البوّاب وأسلوبه في الكتابة قد استمرّت في مصر جنبا إلى جنب طريقة ياقوت، فإنّ تركيا في عصر الدولة العثمانية عرفت منذ مطلع القرن التاسع، محضرة جديدة في فنّ الخطّ تأثّرت في أوّل أمرها بمحضرة ياقوت، ولكن سرعان ما أصبحت لها سماتها الخاصّة التي مهّدت السبيل للدخول إلى العصر الذهبي لفنّ الخطّ الإسلامي، يأتي على رأسها حمد الله بن مصطفى دَدِه المعروف بابن الشيخ الأماسي (733-922) الرائد الأكبر للخطّاطين الأتراك، فبظهوره بدأ في تركيا عهد جديد متألّق استمرّ طويلا حتّى يومنا هذا، فقد تعلّم الشيخ حمد الله الأقلام الستّة، وهي الثلث والنسخ والمحقّق، والريحان والتوقيع والرقاع، أخذها عن خير الدين المرعشي الذي كان يكتب على طريقة ياقوت المستعصمي، وعندما تولّى السلطان بايزيد العثماني العرش عام 866، دعا الشيخ حمد الله إلى استنبول ليصبح معلّما للخطّ في السراي العثماني، ونجح بدعم من السلطان في جمع كلّ خطوط ياقوت وكتاباته الموجودة في خزانة البلاط العثماني، ودرس أسلوبها حتّى استطاع أن يُبدع لنفسه أسلوبا خاصّا، ويُشرّع في الخطّ منهاجا تميّز به حتّى عُرف «بقبلة الكتّاب». وقد أدخل الشيخ حمد الله على خطّي النسخ والثلث إصلاحات أساسية، فأضفى جمالا باهرا على هذين الخطّين، فبينما نجد عند ياقوت أنّ الحروف التي تُخطّ من أعلى إلى أسفل (أ. ك. ل) لم تكن متوازنة، فإّنها أصبحت عند الشيخ حمد الله متوازنة دائما.

اعتبارا من أوائل القرن العاشر أخذ أسلوب الشيخ حمد الله يحتلّ المكانة التي كانت لياقوت في أراضي الدولة العثمانية. وفي هذه الفترة نفسها ظهر خطّاط كبير آخر ذاعت شهرته في استنبول أيضا، هو أحمد قره حصاري، الذي كان يسعى لإحياء طريقة ياقوت المستعصمي، واستطاع أن يُقدّم بعض الأعمال بهذه الطريقة، ولكن طريقته لم تستطع الصمود سوى لجيل واحد من الخطّاطين، حتّى إنّ بعض تلاميذ قره حصاري عادوا ليسلكوا مسلك الشيخ حمد الله الأماسي. وقد عبّر أوغور درمان عن الفرق بين الخطّاطين الكبيرين بقوله: إنّ الشيخ حمد الله برع في رسم الحروف وتجويد الخطّ، بينما برع القره حصاري في ابتكار تراكيب الجلي على وجه الخصوص.

شهد الربع الأخير من القرن الحادي عشر مرحلة جديدة في تطوّر الخطّ إذ ظهر في استنبول أستاذ آخر للخطّ هو الحافظ عثمان، الذي استخرج من أعمال الشيخ حمد الله أسلوبا جديدا، حيث جمع بذوقه الخاص الروائع المتفرّقة في كتابات الشيخ، وأعاد إبداعها في كتاباته من جديد، حتّى إنه ليمكن القول إن بمجيء الحافظ عثمان قد انقضى عهد الشيخ حمد الله. وكما تعلّم السلطان بايزيد على يدي الشيخ حمد الله الأماسي، تعلّم كلّ من السلطان مصطفى الثاني والسلطان أحمد الثالث الخطّ على يد الحافظ عثمان، ومن ثمّ فإنّ فنون الكتاب ومن جملتها فنّ الخطّ، وجدت في عهديهما اهتماما كبيرا وتشجيعا عظيما. وهكذا فقد استقرّت في القرن الثاني عشر الأقلام الستّة المعروفة بالطريقة التي طوّرها الحافظ عثمان، ثمّ لم تلبث أن انتشرت في أراضي الدولة العثمانية بما فيها المغرب. وفي أواخر هذا القرن شهد خطّ الثلث الجلي، الذي كان مُستعملا بصورة خاصّة على جدران العمائر الضخمة كالمساجد والقصور، تطوّرا كبيرا على يد خطّاط آخر هو مصطفى راقم، الذي كان رسّاما أيضا، فبرع في رسم بعض الحروف بنسب مختلفة تتّفق وحاجة المكان الذي ستوضع فيه من حيث البعد والارتفاع، ويتّسم خطّ الثلث بالانسيابية والرشاقة، ونظرا لأنّه لا يُكتب بالسرعة التي يُكتب بها خطّ النسخ فقد جرى استعماله لغايات فنّية وليس لغاية الكتابة، ولا يُكتمل هذا النوع من الخطّ إلاّ بالشكل والتسبير.

أمّا في الشطر الغربي من العالم الإسلامي فقد تطوّر الخط الإسلامي بمعزل عن الخطّ المشرقي، وسار سيرة أخرى عُرف فيها بالخطّ المغربي، فقد بدأ هذا الخطّ في مدينة القيروان التي بناها القائد الفاتح عقبة بن نافع رضي الله تعالى عنه سنة 50، والتي كانت العاصمة السياسية للمغرب عند انفصاله عن الخلافة العبّاسية، وصارت عاصمة الدولة الأغلبية، ومركز المغرب الثقافي، فجاد الخطّ فيها كثيرا إلى حدّ عُرف باسمها، ومن القيروان انتشر في المغرب كلّه، ثمّ انتقل إلى الأندلس التي تميّزت فيما بعد بخطّ أكثر رواء وروقا، وقد بدأت الكتابة في القيروان بالخط الكوفي، وهو الخطّ الذي كانت تُكتب به المصاحف في بداية الإسلام، ثمّ ما لبث أن تطوّر هذا الخطّ وحسُن، فتميّز كثيرا عن أصله القديم، وأصبح يُعرف بالكوفي القيرواني، وهو في الغالب خطّ مُلصّص غليظ الحروف رائقها، ثمّ تحرّر فيما بعد من بعض اليبس ومال إلى الرقّة واللطافة طلبا للسرعة في التأليف والتدوين، أمّا في الأندلس فقد نما الخطّ وتطوّر نحو الليونة في وقت مبكِّر، ووُجدت نماذج منه تامّة تعود إلى نهاية القرن الرابع، وممّا لا شكّ فيه أنّه لم يبلغ هذه المرتبة طفرة واحدة، وبعد أفول نجم المسلمين في الأندلس وهجرة أهلها صارت خطوط المغرب كلّها على الرسم الأندلسي الذي اتّخذ مكانه بتونس لتوفّر أهل الأندلس من العرب بها، كما ازدهر الخط في مدينة فاس فقد ذكر ابن خلدون أنّه «حصل في دولة بني مرين بالمغرب الأقصى لون من الخط الأندلسي لقرب جوارهم، وسقوط من خرج منهم إلى فاس قريبا» ثمّ تميّزت مدينة قسنطينة وضواحيها بخطّ عُرف باسم الخطّ الجزائري حسّنته من الخطّ الأندلسي. ثمّ جاء مع العثمانيين الخطّ المشرقي المجوّد في المحضرة التركية مع أهل العلم الذين حلّوا بالمغرب، كما جاء مع الخطّاطين المتخصّصين أيضا، منهم حُسين الجزائري تلميذ الدرويش علي الذي من الممكن أن يكون قد تخرّج على يديه بعض التلاميذ، وكذلك بكير خوجة الذي يُعتبر من أشهر الخطّاطين في مدينة الجزائر، وكان أيضا يشغل وكالة ضريح سيدي يحيى، واشتهرت تلمسان بأسرة ابن صَرَمْشق التي احترفت النقاشة أيضا.

تعليق

يُقال خِطاطة إسلامية لأنها شديدة الارتباط بالدين منذ النشأة الأولى، وأنّ شعوبا أخرى مسلمة غير عربية شاركت العرب في استعمال هذا الخطّ وتطويره ونشره، حتّى في ظلّ الدولة العربية فإنّ روّاد الخطاطة الأوائل لم يكونوا عربا، فابن مقلة الذي رسّخ قواعد النسخ كان فارسيا وياقوت المستعصمي كان روميا.

مترادف

خطّ عربي

[مصطلح مرغوب عنه]

مصطلح قريب

لغة كلزية

islamic calligraphy
لغة فرنسية

calligraphie islamique
مراجع

  • الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات، الربيز: أيمن فؤاد سيّد. الطبعة الأولى، 1418. الدار المصرية اللبنانية.
  • معجم الكتابة، خضير شعبان. الطبعة الأولى، 1419. دار اللسان العربي، الجزائر.
  • مصوّر الخط العربي، ناجي زين الدين المصرّف. الطبعة الثالثة، 1400. مطبوعات المجمع العلمي العراقي ببغداد. دار القلم، بيروت. لبنان.

صفحة من القرآن الكريم كُتبت على الرقّ بالخطّ المكّي المدني أو ما اُصطلح عليه اليوم بالخطّ الحجازي وهو من بين أقدم الخطوط التي عرفها العرب، والملاحظ في هذه المخطوطة أنّ الحروف قد أُعجمت على طريقة المغاربة. مصدر الصورة: sothebys.

كوفي مصحفي قديم، جُرِّد من الإعجام والشكل إلاّ بعض الحروف التي أُعجمت (التاء والنون) وقد كُتب على الرقّ الأزرق. مصدر الصورة: ويكيميديا.

كوفي مشرقي كُتب في إيران أو في آسيا الوسطى يعود على الاحتمال الغالب إلى القرن الخامس.

النقطة هي وحدة القياس في الخطاطة الإسلامية، تُستعمل ميزانا لتقدير أبعاد الحروف وأطوالها في الخطوط الموزونة.

هذه اللاحة للخطّاط التركي داود بكتاش تبيّن بجلاء القمّة التي وصلت إليها المحضرة التركية الخطاطية في الكتابة والزخرفة، فهي بحقّ الأخصب إنتاجا والأبدع أسلوبا.