معجم المصطلحات الكبير
نَقْد جَدِيد
اللغة والأدب

۞ النقد الجديد، حركة في النقد الأدبي في القرن العشرين، نشأت كردّ فعل على تلك المناهج «الخارجية» extrinsic التقليدية التي رأت النصّ أنّه يقدّم بيانا أخلاقيا أو فلسفيا، أو كنتيجة لظواهر اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو تاريخية أو سيرة ذاتية. يرى النقد الجديد أنه يجب تقييم النصّ بمعزل عن سياقه؛ يؤدّي الفشل في القيام بذلك إلى المغالطة العاطفية، التي تخلط بين النصّ والاستجابة العاطفية أو النفسية لقرّائه، أو المغالطة المقصودة، التي تخلط بين التأثير النصّي وأهداف المؤلّف. يفترض النقد الجديد أن النصّ هو كيان معزول يمكن فهمه من خلال أدوات وصِنْعات القراءة الفاحصة، ويؤكّد على أنّ كلّ نصّ متفرّد في نسيجه، ويؤكّد أيضا على أن ما يقوله النصّ والكيفية التي يقول بها لا يمكن فصلهما. تتمثل مهمّة الناقد الجديد في إظهار الطريقة التي يمكن للقارئ من خلالها أن يأخذ العناصر التي لا تعدّ ولا تحصى والمتنافرة في النصّ ويوفّق بينها، أو يحلّها في كلّ موضوعي متناغم. باختصار، الهدف هو توحيد النصّ، أو بالأحرى الاعتراف بالوحدة المتأصّلة ولكن الغامضة فيه. إن وعي القارئ وانتباهه لعناصر شكل العمل يعني أن النصّ في النهاية سوف يخضع للتدقيق التحليلي والضغط التفسيري الذي توفّره القراءة الفاحصة. ببساطة، القراءة الفاحصة هي السمة المميّزة للنقد الجديد.

يمكن العثور على نشأة النقد الجديد في السنوات الأولى من القرن العشرين في أعمال الفيلسوف البريطاني آي إيه ريتشاردز I. A. Richards وتلميذه ويليام إمبسون William Empson. شخصية أخرى مهمّة في بدايات النقد الجديد كانت الكاتب والناقد الأمريكي تي إس إليوت T. S. Eliot. من بين الممارسين والمؤيّدين اللاحقين جون كرو رانسوم John Crowe Ransom، وكلينث بروكس Cleanth Brooks، وألين تيت Allen Tate، وروبرت بن وارن Robert Penn Warren، وريني ويليك Reni Wellek، ويليام ويمزات William Wimsatt. في كثير من النواحي، يسير النقد الجديد بالتوازي الزمني مع الفترة الأمريكية الحديثة. من ثلاثينيات إلى ستينيات القرن العشرين في الولايات المتحدة، كان النقد الجديد هو النهج المقبول للدراسة والنقد الأدبي في المجلات العلمية وفي أقسام اللغة الكلزية بالكلّيات والجامعات. من بين الموروثات الدائمة للنقد الجديد هو الاقتناع بأن القراءة السطحية للأدب غير كافية؛ لكي يصل الناقد إلى القوّة الكامنة للنصّ ويفهمها، يجب عليه أن يستكشف بعناية شديدة حرمه الداخلي من خلال ملاحظة وجود الأدوات الأدبية داخل النصّ وأنماطها. يؤكد النقد الجديد أن هذا وحده هو الذي يمكّن المرء من فكّ التجفير بالكامل. أعطى النقد الجديد الانضباط والعمق للبحث الأدبي من خلال التركيز على النصّ وقراءته عن كثب. ومع ذلك، فإن التحركات التحليلية والتفسيرية التي تتم في ممارسة النقد الجديد تميل إلى أن تكون أكثر فعّالية في الشعر الفكري الغنائي والمعقد. وقد ثبت أن عدم القدرة على التعامل بشكل مناسب مع الأنواع الأخرى من النصوص يمثل عائقا كبيرا في هذا النهج. علاوة على ذلك، فإن استبعاد الكاتب والقارئ والسياق من البحث العلمي جعل النقد الجديد عرضة لاعتراضات جدية. (النظرية الأدبية والنقد، نصر الله ممبرول).

۞ اتّخذ النقد الجديد الأمريكي الذي كان نشطا من أواخر الثلاثينيات إلى أواخر الخمسينيات من القرن العشرين معظم أفكار إليوت Eliot وريتشاردز Richards، وكذلك أفكار إمبسون Empson، وكان لهذه الحركة جذور في جنوب أمريكا الذي بقي متخلّفا اقتصاديا لمدّة طويلة، ولكنّه بعد ذلك تأثّر بالتحديث السريع. وكان لدى النقّاد الروّاد تعاطف كبير مع ردود فعل مماثلة ضدّ التحديث السريع بين النقّاد البريطانيين، وأبرز هؤلاء النقّاد جون كرو رانسوم، ودبليو ك ويمزات، ومونرو سي بيردسلي، وكلينث بروكس، ومارك شورير. بالنسبة للنقّاد الجدد كان الشِّعْر مركزيا بالنسبة لاهتماماتهم، وكان يُرى على أنّه دفاع شبه ديني ضدّ أنماط التفكير العلمية العقيمة, وكان من الممكن للعالم الغريب أن تدبّ فيه الحركة من جديد، وأنّ يظلّ الشعر في منأى عن المادّية السائدة في كلّ مكان. كانت القصيدة موجودة ككيان فريد بدهي، فلا يمكن لها أن تعاد صياغتها، ولا يمكن التعبير عنها بخلاف ما كانت عليه، وكلّ عنصر في أيّة قصيدة في توازن متكامل مع العناصر الأخرى، ممّا يؤدّي إلى تماسك البِنْية ككيان واحد، وكانت تعدّ القصيدة كائنا في حدّ ذاته، معزول عن كلّ من الكاتب والعالم من حولها، وكان هذا الرأي بالطبع متوافقا تماما مع إجراء ريتشاردز المسمّى بالنقد العملي أو التطبيقي practical criticism. ولكن لم يكن يَنظر النقد الجديد إلى القصيدة على أنّها منفصلة تماما عن الواقع، فلم تكن، بعبارة أخرى، نهجا شكلانيا تماما ينطوي على فحص شكل الكيان المعزول فقط، كان يُنظر إلى القصيدة إلى حدّ ما على أنّها تدمج العالم الخارجي داخل نفسها، وفي الممارسة العملية ركّز النقد الجديد على التناقضات والتعارضات التي يمكن أن توجد في النصّ.

بالنسبة لجون كرو رانسوم John Crowe Ransom، في مقال يسمّى «النقد» (1937م) تخلق القصيدة انسجاما وتماسكا من فوضى الخبرة: يُخلّد الشاعر في قصيدته ترتيبا للوجود الذي يتهاوى تحت لمساته باستمرار في الحياة الفعلية، وفي «لغة التناقض» (1942م) كتب كلينث بروكس Cleanth Brooks بأنّ القصيدة «تدمج ما هو متنافر ومتناقض معا». كتب دبليو ك ويمزات W. K. Wimsatt ومونرو سي بيردسلي Monroe C. Beardsley مقالتين مؤثّرتين تدعوان إلى أهمّية إيلاء اهتمام كبير للنصّ، وعزلتا مغالطتين شائعتين في التفسير الأدبي. في «المغالطة المقصودة» (1946م) نقد هذان الناقدان الميل إلى الخلط بين ما يقصده الكاتب في كتابه العمل الأدبي وما هو في الواقع هناك على الصفحة، ولكن لا ينبغي لأحد أن يتكهّن بما أراد الكاتب أن يقوله. أمّا في «المغالطة العاطفية» (1949م) انتقدا القرّاء الذين يخلطون بين ردود فعلهم العاطفية تجاه عمل ما وما تحكيه القصيدة حقّا لهم. وأنّ الطريقة التي يؤثّر بها عمل ما على القرّاء يمكنها بسهولة أن تطمس رؤيتهم. وجدت هذه الآراء أصداء لها في وقت لاحق في نظرية ما بعد البنيوية، على الرغم من أنّ لدى هذه النظرية مفهوما مختلفا عن طبيعة أي نصّ. ركّز النقد الجديد بشكل واضح وفي الغالب على الشعر ولكن وسّع كاتب واحد، وهو مارك شورير Mark Schorer، مبادئه الرئيسة لتشمل تحليل النثر الروائي. وفي مقال «الرواية ومصفوفة التشابه» (1949) يهتمّ شورير بما توحيه أنماط الصور والرموز من اليَوْع (اللاوعي) الموجودة في جميع أشكال الخيال والتي تتجاوز بشكل واضح نوايا المؤلّف، وغالبا ما يتنافى المعنى مع الحسّ السطحي، ولكن يبدو أنّ هذه النظرية تعطي تصوّرا لنهج تفكيكي، ويؤكّد شورير في واقه الأمر حقيقة أنّ الخيال الروائي يتمكّن دائما في نهاية المطاف من دمج جميع التناقضات الواضحة في كلٍّ متماسك. (النظرية الأدبية، ديفيد كارتر).

مترادف

نقد أسلوبي

مصطلح قريب

لغة كلزية

new criticism
formal criticism
مراجع

  • النظرية الأدبية. ديفيد كارتر. ترجمة الربيز: باسل المسالمة. دار التكوين، الطبعة الأولى، 2010م. دمشق، سوريا.
  • literariness.org/2021/05/30/new-criticism