ظهرت هذه المدرسة أوّل أمرها في عام 1922م حينما قامت مجموعة من «الماركسيين الجدد» بتأسيس معهد البحوث الاجتماعية بفرانكفورت، والذي أصبح فيما بعد جزءا من جامعة فرانكفورت بألمانيا، وتمّ تأسيس المعهد كمركز للدراسات الماركسية المستقلّة، بعيدا عن تأثيرات الأحزاب الموجودة في ألمانيا في تلك الفترة، وتحت تأثير الإرهاب النازي في العقد الرابع الميلادي هاجر أعضاء المعهد مؤقّتا إلى جامعة كولومبيا أمثال «أدرنو وماكس هوركهايمر وماركيوس وفروم لونثال» فنقلوا أعمال المعهد مؤقّتا إلى جامعة كولومبيا، وقد استطاع مؤسّسو هذه المدرسة النقدية من غرس أفكارهم في التربة الأمريكية، وما يزال تأثير هذه المدرسة محسوسا حتّى بعد وفاة جميع مؤسّسيها، ويركّز باحثوها على السياق الاجتماعي التاريخي الذي تتمّ في داخله العمليات الاتصالية، كما يحرصون على تأكيد الحقيقة التالية وهي، أنّه لا توجد نظرية للاتصال بمعزل عن النظرية الاجتماعية والتاريخية العامّة التي تحدّد خصوصية كلّ مجتمع، فالسياق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للمجتمع هو الذي تجري فيه الوقائع وتتشكّل فيه الظواهر الاتصالية، كما ندّدوا بالموقف الإداري للمدرسة التجريبية التي عابوا عليها تركيزها على وظائف الاتصال، وعلى مساعدة رجال الأعمال في فرض نفوذهم وخدمة الثقافات المهنية.
وقد سادت في هذه المدرسة عدّة اتجاهات أهمّها:
(1)- الاتجاه المتقارب مع الاقتصاد السياسي، حيث انطلقوا في دراستهم للاقتصاد السياسي من منظور ماركسي.
(2)- ثمّ التركيز على تحليل بِنْيَة أو نسق ملكية وسائل الاتّصال والمؤسّسات الاقتصادية والمالية والسيطرة عليها وكيفية عملها.
من مواليد هذه المدرسة «النظرية الثقافية النقدية» التي تكوّنت في جامعة بيرمنغهام بريادة «ستيوارت» والتي حلّلت معنى الثقافة الشعبية من خلال مجموعة من التجارب الثقافية، مطالبة بتحليل الكلّ بدل عزل مجال الثقافة بعينه، واعتبرت هذه النظرية أنّ الدور الثقافي لوسائل الاتصال يتميّز بسيادة علاقة هيمنة بين من يملك ومن لا يملك، لكنّها رفضت التفسير الماركسي للاقتصاد، ونفت وجود علاقة متكافئة ما بين الثروة والتفكير السياسي. ثمّ النظرية الثانية التي تُسمّى «بالامبريالية الثقافية» ويرى باحثوها أنّ عملية زرع منتجات الاتصال الجماهيري الغربية في البلدان النامية هي توريد للقيم الرأسمالية التي تلوّث الطبيعة المحلّية وتستعمرها عن طريق الرسائل المبعوثة.
وقد ركّزت المدرسة النقدية على المحاور التالية:
(1)- دراسة محتوى رسائل الاتصال على المستوى الكلّي وتوضيح موقف الهيمنة من خلال الطريقة التي تعكس بها العلاقات الاجتماعية والمشكلات السياسية.
(2)- تجاوز تحليل المحتوى التقليدي إلى الاهتمام أكثر بالبناء اللغوي والفكري للنصّ الإعلامي.
(3)- تجاوز مفهوم الجمهور الموحّد، والتأكيد على تباين تفسيراته للرسائل الاتصالية والإعلامية عند فكّه للرموز النخبوية، وعلى عناده ومقاومته لها عند التطبيق.